إذا كان رمضان قبلة الدراما المصرية وبوصلة صناع المسلسلات والبرامج الترفيهية، فإن الأعياد، لا سيما الفطر والأضحى، الموسم الأبرز لانتعاش السينما، من خلال عرض الأفلام والأعمال التي يحتفظ بها منتجوها في الغالب للعرض في هذا التوقيت، مرتين سنويًا.
ومنذ معرفة المصريين بالسينما قبل أكثر من قرن تقريبًا وتزخر دور العرض خلال مواسم الأعياد بالجماهير القادمة من كل المحافظات والمناطق لمشاهد الأفلام الجديدة المعروضة، حتى تحولت السينما إلى أحد أبرز سمات وطقوس العيد في مصر المحروسة.
غير أن المستجدات التي شهدها العالم العامين الماضيين على وجه الخصوص من تفشي لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) كانت لها تداعياتها على خريطة طقوس العيد وعلى رأسها أفلام العيد ودور السينما، إذ أغلقت العشرات من شاشات العرض وتقزم عدد الحضور وتراجعت الإيرادات بصورة دفعت الكثير من المنتجين لإعادة النظر في خريطة الإنتاج السينمائي.
وأمام هذه الظروف الممتدة على مدار أكثر من 4 مواسم تقريبًا، تراجع عدد الأفلام المنتجة في ظل العزوف الجماهيري القهري، ما أجبر القائمين على أمور تلك الأعمال على البحث عن بدائل لتعويض كلفة الإنتاج، فكانت المنصات الرقمية البديل الجاهز.. فهل تسحب البساط من تحت دور العرض؟
صراع الأكشن والكوميديا
يتنافس على كعكة عيد الأضحى هذا العام خمسة أفلام، تتأرجح بين الكوميديا والأكشن والخيال العلمي، فيما غابت الأفلام السياسية تمامًا عن المشهد، رغم حضورها الباهت خلال الأعوام الخمس الماضية لأسباب تتعلق بالمناخ السياسي الراهن وخريطة الإنتاج التي سقطت في براثن الاحتكار.
ويتصدر قائمة أفلام هذا الموسم فيلم “مش أنا” بطولة تامر حسني وعدد من الفنانين، من بينهم ماجد الكدواني وسوسن بدر وحلا شيحة، وإخراج سارة وفيق، وتدور أحداثه في إطار كوميدي حول شخص مصاب بمرض يعرف بـ”متلازمة اليد الغريبة” وهو من الأمراض النادرة التي قد يصاب بها الإنسان وتتسبب في عدم قدرته على التحكم في يده، وتتصرف اليد بشكل منفصل عن دماغ الإنسان.
ثم يأتي فيلم “العارف” بطولة أحمد عز وأحمد فهمي ومصطفى خاطر، وإخراج أحمد علاء الديب، ويندرج تحت مسمى “أفلام الخيال العلمي” تدور أحداثه حول فكرة حرب العقول في وقتنا الحاليّ، من خلال شخصية يونس الذي يوظف التطور التكنولوجي في خدمة أهدافه الخاصة ومنها سرقة البنوك.
يليه فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” بطولة كريم عبد العزيز ودينا الشربيني، وهو من النوع الاجتماعي، فيسلط الضوء على بعض المسائل المتعلقة بتجربة الزواج والصراعات التي يمر بها الزوجان، وتم عرض هذا العمل خلال الأيام الماضية ومستمر حتى موسم العيد.
ومن أفلام الخيال العلمي كذلك فيلم “موسى” الذي تأجل أكثر من مرة، وتدور أحداثه حول لجوء بطل العمل وهو الفنان كريم محمود عبد العزيز إلى اختراع روبوت أطلق عليه اسم “موسى” ليصبح صديقًا له بعدما بات وحيدًا دون أصدقاء، وتستمر الأحداث تباعًا ليجد البطل نفسه داخل أزمات متلاحقة بسبب هذا الروبوت.
ومن الأفلام المتوقع مشاركتها في هذا الماراثون فيلم “ليلة العيد”، وهو من الأفلام الاجتماعية، الذي يلقي الضوء على بعض المسائل والمشكلات التي تواجه المجتمع وأبرزها: زواج القاصرات وختان الإناث، كذلك قهر المرأة بشكل عام، العمل من بطولة يسرا وغادة عادل وإخراج سامح عبد العزيز.
وأخيرًا هناك فيلم “الإنس والنمس” للفنان محمد هنيدي، وإخراج شريف عرفة، وهو العمل الذي تم إنتاجه قبل فترة لكن أُجل عرضه بدور السينما حتى موسم العيد، خشية الفشل وعدم تحقيق إيرادات، وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي تشويقي، إذ يجسد البطل دور موظف حكومي فقير يتعرض لكثير من المصائب بسبب مهنة والده.
وهناك بعض الأعمال الأخرى التي لم تنل حظها من الدعاية كبقية المنافسين، وإن كان أكثرها أفلام كوميدية، منها فيلم “ديدو” بطولة الفنان كريم فهمي، وفيلم “ماما حامل” للفنانة ليلى علوي، كذلك فيلم “أحمد نوتردام” الذي يشارك في بطولته رامز جلال.
حرب الإيرادات.. دعاية من نوع جديد
قبيل بداية موسم العيد تبارت الأفلام التي عُرضت قبل أيام في التفاخر بأرقام إيراداتها في ظل التشكيك بصحة تلك الأرقام، الأمر الذي اعتبره البعض دعاية جديدة لتلك الأعمال من نوع خاص، في محاولة لتصدير صورة مزهرة عن الإقبال الكبير على أفلام بعينها لإقناع المتفرج بمشاهدتها خلال أيام العيد.
البداية كانت مع فيلم “مش أنا”، إذ أعلن بطل العمل تامر حسني، عن حجم إيرادات بلغ 111 مليون جنيه مصري بعد أسبوعين فقط من عرضه العمل في السينما داخل مصر وفي الدول العربية، فنشر صورة لأحد جمهوره ممن دخل الفيلم وعلق عليها “الحمد لله في الأسبوع الثاني يحقق أيضًا المركز الأول في مصر وجميع الدول العربية بمجموع إيرادات ما يعادل 111 مليون جنيه مصري (17.5 مليون دولار) رغم تقليل شاشات عرضه منذ يومين لإتاحة الفرص لأفلام أخرى”.
وبعد ساعات من الرقم الذي أعلنه حسني، علق الفنان كريم فهمي، أحد أبطال فيلم “ديدو” عبر تغريدة على حسابه على “تويتر” قال فيه: “تنافسوا بشغلكم مش (ليس) بلجانكم”، مشككًا في حجم الإيرادات الحقيقية لفيلم “مش أنا” فيما كشف عن 14 مليون جنيه هي أرقام فيلمه محتلًا المركز الرابع.
وأمام هذه الحملة والجدل المثار على منصات السوشيال ميديا اضطر حسني عبر لقائه في برنامج “الحكاية” الذي يبث على قناة “إم بي سي مصر” السعودية، مع الإعلامي عمرو أديب، لكشف رقم الإيرادات الحقيقية لافتًا إلى أنه لم يتجاوز 28 مليون جنيه مصري (900 ألف دولار).
أما فيلم “البعض لا يذهب للمأذون مرتين” الذي نجح في تحقيق إيرادات بلغت 8 ملايين جنيه مصري (500 ألف دولار أمريكي) في أول أيام عرضه، فمن المتوقع أن يتصدر قائمة الأفلام الأكثر إيرادًا خلال أيام العيد، وفق الكثير من النقاد والخبراء الفنيين ممن شاهدوا العمل.
المنصات.. البديل الجاهز
وأمام التراجع الواضح في الإيرادات الناجم عن العزوف الجماهيري بسبب الجائحة لم يكن أمام صناع الأفلام من المنتجين إلا البحث عن المنصات الإلكترونية كبديل لعرض أعمالهم، سواء الجاهزة بالفعل التي لم تعرض بعد أم تلك المعروضة ولم تحقق الإيرادات المتوقعة.
استمرار الإجراءات الاحترازية المتبعة ستطيل أمد الأزمة خلال الفترة القادمة، وعليه ستكون المنصات أداةً الحصول على نسب مشاهدة أكبر ومن ثم إيرادات أكثر، هذا بالتوازي بالطبع مع العرض في دور السينما، التي من المرجح ألا تتجاوز أرقام العام الماضي وعيد الفطر قبل شهرين فقط.
يقول الناقد الفني طارق الشناوي: “خضت تجربة الذهاب لدور العرض بنفسي الفترة الماضية، ووجدت أن الإقبال الجماهيري ضعيف ولا يحقق حتى نسبة الـ25% التي أقرتها الدولة، كما أن الأجواء نفسها ليست سينمائية، فالسينما ميتة بشكل كبير، وهذه المشكلة فى العالم كله وليست في مصر فقط، لأن الخوف من دور العرض باعتبارها بؤرة لنقل الفيروس يجعلها منفرة لا شعوريًا”.
وكانت أول تجربة للعرض على المنصات الإلكترونية العام الماضي فيلم “صاحب المقام” بطولة آسر ياسين ويسرا، تأليف إبراهيم عيسي وإخراج ماندو العدل، الذى عرض في عيد الأضحى الماضي، ورغم أن العمل لم يحقق الإيرادات المطلوبة لكنه كان عاملًا مساعدًا في تقليل حجم الخسائر، التجربة تكررت كذلك أغسطس/آب الماضي، من خلال فيلم “الحارث” بطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس، وإخراج محمد نادر، تلاه فيلم “أعز الولد” للنجمات دلال عبد العزيز وميرفت أمين وشيرين.
مدير غرفة صناعة السينما سيد فتحي، يقول “العرض على المنصات فقط، يعد بمثابة حرق للفيلم، لأن منتجه لن يستطيع أن يطرحه في السينما أو يوزعه في دور العرض بالخارج ليغلق أمام الفيلم فكرة العرض السينمائى بمجرد عرضه على المنصات الإلكترونية”.
وأضاف أن من خاض تلك التجربة مرة من الصعب خوضها مرة أخرى، لما تكبده من خسائر في استعادة كلفة إنتاج العمل، موضحًا “الجمهور لن يدفع ثمن تذكرة سينما لفيلم متاح على المنصات الإلكترونية حتى إن كان مهتمًا بمشاهدة العمل”.
وهنا يشدد فتحي على ضرورة العرض السينمائي للعمل ونجومه ولو لمدة قصيرة، موضحًا أن حصر الفيلم في المنصات فقط أمر غير ناجح ولا يحقق سوى أرباح قليلة للمنتج دون غيره، أما بقية أبطال العمل فليس لهم أي أرباح إلا أجورهم الفنية، واصفًا العرض داخل المنصات بأنه “يقتل الفيلم”.
وهكذا تواجه السينما المصرية مأزقًا كبيرًا، ينعكس بصورة أو بأخرى على مستقبل تلك الصناعة الرائدة، الأمر الذي يتطلب البحث عن بدائل عملية للخروج من تلك الشرنقة، فإن كانت المنصات الإلكترونية حلًا مضمونًا لصناع السينما في الوقت الراهن فهي حل مؤقت لا يمكن الاعتماد عليه كثيرًا.