يتوجه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، على رأس وفد وزاري إماراتي، إلى المملكة العربية السعودية، غدًا الإثنين، في زيارة رسمية لن تتجاوز يومًا واحدًا، يلتقي خلالها ولي العهد محمد بن سلمان، حسبما قالت وكالة الأنباء الألمانية.
وتعد هذه الزيارة هي الثانية لولي عهد أبو ظبي للمملكة في أقل من شهرين ونصف، فقد أجرى زيارة سابقة في 5 من مايو/آيار الماضي، واستقبله ابن سلمان في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، دون الإفصاح عن تفاصيل تلك الجولة السريعة التي جاءت حينها تزامنًا مع تصاعد التوتر بين الجارتين.
الزيارة تأتي في أعقاب أزمة دبلوماسية صامتة بين البلدين أسبابها المعلنة تتعلق بتباين وجهات النظر بشأن سياسة إنتاج النفط ضمن تحالف “أوبك بلس” (+OPEC)، وهو التباين الذي أفشل اجتماعات التحالف خلال الآونة الأخيرة، قبل التوصل مبدأيًا خلال الساعات الماضية إلى اتفاق بشأن آلية إنتاج جديدة تسعى من خلالها الدول النفطية لإنقاذ هذا الكيان الذي يعاني من تصدعات كبيرة مؤخرًا.
زيارة تبريد الأجواء
بات واضحًا لدى الإماراتيين أن الرياض أصبحت على عتبات تغيير واضح في سياستها الخارجية وخريطة تحالفاتها في المنطقة، الأمر لا يتعلق بالعلاقات الباردة أو شديدة السخونة فقط، بل تجاوز ذلك إلى الدول ذات العلاقات الدافئة وفي المقدمة منها الحليف الإماراتي، الجار الخليجي الموثوق فيه طيلة السنوات الماضية.
الخطوات والإجراءات التي اتخذتها المملكة في الأيام الأخيرة كشفت النقاب عن الكثير من ملامح هذا التغيير، فالأزمة أكبر من الخلاف النفطي كما يحاول البعض أن يصفها، وهو ما تترجمه القرارات السعودية مؤخرًا منها على سبيل المثال تعديل قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لتستبعد السلع المنتجة في المناطق الحُرة، وعلى رأسها السلع الإماراتية.
ما يجري الآن بين البلدين الخليجيين ينمّ عن “مشاكل أعمق” بين الطرفين، متعلقة بالسياسات التي تنتهجها الجارتين في بعض الملفات الإقليمية
هذا بخلاف تعليق السفر من وإلى الإمارات بزعم تعزيز الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، وهو القرار الذي قرأه الشارع الإماراتي بلغة أخرى، كونه يأتي في إطار الحرب الباردة بين البلدين التي أطلقت أبو ظبي شرارتها الأولى بسبب سياستها الخارجية في المنطقة.
التغريد الإماراتي المنفرد في اليمن وليبيا وسوريا، كذلك في إفريقيا، بما يتعارض مع الخط السعودي العام، كان باعثًا على غضب الشارع السعودي من هذه التوجهات التي باتت تشكل تهديدًا كبيرًا للمملكة ونفوذها الإقليمي، التهديد شمل حلفاء آخرين على رأسهم مصر.
وفي الوقت الذي يحاول فيه الإعلام الإماراتي وبعض الإعلام السعودي تلخيص الأزمة في سوق الطاقة والخلاف النفطي داخل أوبك، هناك مراقبون يرون أن “الشاغل الرئيسي للسعوديين لا يتعلق بأسواق النفط، لكن في التعاون الجيوسياسي والعسكري والتكنولوجي المتزايد بين أبو ظبي وتل أبيب”، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإسبانية (إيفي) عن خبراء في الشؤون الخليجية.
الخبراء يقولون إن ما يجري الآن بين البلدين الخليجيين ينمّ عن “مشاكل أعمق” بين الطرفين، متعلقة بالسياسات التي تنتهجها الجارتين في بعض الملفات الإقليمية، منوهين أنه في الوقت الذي تصل فيه أبو ظبي في علاقاتها مع تل أبيب حد التناغم والحميمية بافتتاح سفارة إماراتية هناك والعكس، تبعد الرياض رويدًا رويدًا عن هذا المسار بعد رحيل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
يتطابق هذا الرأي مع ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان، هاني البسوس، الذي لفت إلى أن الإمارات كانت أحد أهم الأسباب وراء جنوح الرياض عن التطبيع، لافتًا في تصريحاته لـ”نون بوست” أن هناك شعورًا وانتباهًا سعوديَّين بوجود توسُّع سياسي وعسكري واقتصادي للإمارات، عبر التعاون مع الاحتلال والولايات المتحدة، ما قد يكون على حساب السعودية، وهو أمر لا تريده الرياض.
تعاني الدولة الخليجية من انهيار لافت للنظر في القطاعات التي تمثل أضلاع الاقتصاد الرئيسية وفي مقدمتها القطاع العقاري والنقل البحري والطيران والسياحة
الهرولة الإماراتية في التقارب مع دولة الاحتلال وتغول السياسيين الإماراتيين في المنطقة على حساب المكانة الإقليمية التاريخية للسعودية أقلق السعوديين بصورة كبيرة، بحسب أستاذ العلوم السياسية، مضيفًا “واضح أن التطبيع لم يأتِ بشيء جديد للدول المطبِّعة، إذ أصبحت الأسواق الخليجية سوقًا للسلع الإسرائيلية، وخاصة الإمارات التي بينها وبين الجانب الإسرائيلي منافع مشتركة”.
وأمام هذه الصورة المعقدة التي بدأت تنعكس سلبًا على صورة الإمارات إقليميًا، وتشي باحتمالية مواجهتها سيناريو العزلة جراء سياساتها الحمائية البرغماتية التي لا تراعي أي أبعاد أخرى، وجد حكام الدولة الخليجية أنفسهم في مأزق حقيقي، الأمر الذي دفعهم لمحاولة تبريد تلك الأجواء الملتبهة، عبر تعزيز الجهود الدبلوماسية التي تستهدف طمأنة الرياض وحلفها، وعليه كانت الزيارة الثانية لابن زايد في أقل من شهرين ونصف.
أجندة اقتصادية
تبريد الأجواء الملتهبة سياسيًا لم يكن دافع ابن زايد الوحيد خلال تلك الزيارة، فالأوجاع الاقتصادية التي تعرضت لها إمارته جراء الإجراءات السعودية الأخيرة كان لها حضورها على أجندة هذا التحرك السياسي المغلف بأجندة اقتصادية، تجنبًا للمزيد من الانزلاق.
قرارات الاستيراد السعودي الأخيرة أثرت سلبًا على الاقتصاد الإماراتي الذي يعتمد على تجارة المناطق الحرة التي يتصدر ريادتها إقليميًا، هذا بخلاف الخسائر التي منيت بها السياحة الإماراتية بسبب تعليق سفر السعوديين، بجانب النزيف المستمر لشركات الطيران التي تعاني من أزمات طاحنة خلال العامين الماضيين.
وتعاني الدولة الخليجية من انهيار لافت للنظر في القطاعات التي تمثل أضلاع الاقتصاد الرئيسية وفي مقدمتها القطاع العقاري والنقل البحري والطيران والسياحة، ما انعكس على الحياة المعيشية للمواطنين رغم الجهود التي تبذلها الدولة لتجنب شعور الشعب الإماراتي بهذه الهزة العنيفة حفاظًا على الصورة المضيئة التي يحاول أبناء زايد تصديرها بعيدًا عن الحقائق على أرض الواقع.
تنتهج الرياض خلال الأعوام الثلاث الأخيرة تحديدًا خطة تستهدف تعزيز قدراتها التنافسية على المستوى الاقتصادي، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع السياحة وتذليل العقبات أمام تنويع مصادر الدخل غير النفطي في إطار رؤية “2030” بهدف تحويل البلاد لمركز تجاري رئيسي في الشرق الأوسط، وهو ما يعني باختصار سحب البساط من تحت أقدام دبي، أو على الأقل مزاحمتها في هذا السوق الذي ظل حكرًا عليها لسنوات طويلة.
ومنذ قمة العُلا الخليجية، 5 من يناير/كانون الثاني الماضي، بات واضحًا للجميع أن هناك رغبةً سعوديةً ملحة في التغريد بما يخالف توقعات الإماراتيين، فالأمر لم يقتصر على المصالحة مع قطر رغمًا عن أنف أبو ظبي التي عرقلت طويلًا كل جهود إنهاء هذا الخلاف مبكرًا، لكنه تجاوز ذلك إلى انخراط سياسي متشعب مع دول أخرى كمصر وسلطنة عمان والكويت، فيما بقي أبناء زايد في مقاعد المتفرجين يتابعون ما يدور على الساحة.
حاول ابن زايد تلطيف الأجواء مع حلفائه في المنطقة بعد حالة الجفاء التي أصبحت عليها علاقات بلاده مع تلك الدول، فكانت زيارته لمصر، سبقتها زيارة مماثلة للسعودية، وها هو يكررها مرة أخرى خلال الساعات المقبلة، لكن بحسب المؤشرات فإن العلاقات الإماراتية السعودية تحديدًا تتجه نحو مزيد من التبريد في ظل تشعب الملفات الخلافية بين الجانبين، والأعمق من مجرد الحديث عن تفاهمات نفطية يمكن حلها بين عشية وضحاها.
وفي المجمل فقد كشفت الأحداث الأخيرة أن النجاح النسبي للتحالف السعودي الإماراتي والتعاون بين البلدين في العديد من الملفات ما كان له أن يتحقق لولا توافر الغطاء الأمريكي له، إبان فترة ترامب، ومع انكشاف هذا الغطاء سقطت ورقة التوت لتظهر هشاشة تلك العلاقة، فهل انتهى شهر العسل بين الحليفين؟