ترجمة وتحرير: نون بوست
في شباط/ فبراير الماضي، اختار الصحفي الروسي المخضرم أليكسي فينيديكتوف أكثر ثلاثة إنجازات مثلت مصدر فخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك الوقت: وهي جهود موسكو لصنع السلام في ناغورني كاراباخ، وتطوير أسلحة جديدة، وإنتاج لقاح لفيروس كورونا طورته روسيا. وبالنظر إلى اهتمام بوتين بالتقييم العام للقاحات الروسية، لا توجد أسباب للتشكيك في ملاحظة فينيديكتوف التي جاءت على خلفية اجتماع خاص تقليدي بين بوتين ورؤساء تحرير وسائل الإعلام الروسية.
لذلك، لا ينبغي أن نتفاجأ من مدى حساسية السلطات الروسية في مواجهة أي انتقاد للقاح “سبوتنيك في”. في الواقع، تعمل موسكو جاهدة على الترويج للأدوية المنتجة محليا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن رغم سعي آلة الدعاية الروسية جاهدة لإلقاء اللوم على مؤامرة الغرب ضد روسيا فيما يخص المشاكل التي يواجهها لقاح “سبوتنيك في”، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن تطوير وإنتاج وتوزيع اللقاح قد وقع التعامل معه على عجل. وقد تفاقم هذا الأمر بسبب المعلومات المضللة وانتهاك القواعد وعدم كفاءة الجانب الروسي.
خلاصة القول أن الجدل حول سمعة لقاح “سبوتنيك في” لا مفر منه خاصة أنه كان مستقلا عن أي تدخل من الخارج. وفي الواقع، يُظهر الروس أنفسهم حذرا تجاه اللقاح، وخير دليل على ذلك بطء وتيرة التطعيم في البلاد.
كان الكرملين منشغلا للغاية باكتساب لقب “مدمر” الفيروس (سواء في الداخل أو في الخارج) لدرجة أنه قرر الحد من وصول اللقاحات الأجنبية إلى مواطنيه. وتعد روسيا واحدة من ثلاث دول فقط في العالم (إلى جانب كوبا والصين) تمارس مثل هذا الانعزال فيما يخص اللقاح. فعلى سبيل المثال، لم تستطع عيادة “هداسا” الإسرائيلية في موسكو جلب لقاح فايزرـ بيونتك إلى البلاد وذلك على الرغم من كونها جزءا من شبكة سكولكوفو الطبية، التي تعمل بموجب نظام قانوني خاص يمنحها إمكانية الوصول إلى الأدوية المسجلة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
بالنسبة لدبلوماسية اللقاحات الروسية، فإن سجلها ليس خاليا من العيوب. تتضمن قائمة المشاكل المضاعفات المتعلقة بمبيعات لقاح “سبوتنيك في” إلى إفريقيا، والفضائح في أوروبا وحتى في أمريكا الوسطى. لكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يبدو أن الأمور تسير بسلاسة نسبيًا. وعلى الرغم من أن لقاح “سبوتنيك في” لا يزال غير مسجل في إسرائيل، إلا أن البلاد أعطت موافقتها لتسليم اللقاحات الروسية إلى قطاع غزة، لتكون الإدارة الوطنية الفلسطينية الأولى في المنطقة التي أعطت الضوء الأخضر للقاح الروسي.
نظرة أعمق من شأنها أن تكشف التصدعات في جهود موسكو
بينما كانت تركيا متحفظة في البداية بشأن شراء لقاح “سبوتنيك في” بسبب فشله المزعوم في تلبية شروط “الممارسة المختبرية الجيدة”، انتهى بها الأمر بشراء 50 مليون جرعة إلى جانب إبرام صفقة إنتاج اللقاح الروسي على أراضيها. قام صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وهو داعم للقاح “سبوتنيك في”، بدور نشط في تعزيز التغطية الإيجابية للقاح في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لكن نظرة أعمق من شأنها أن تكشف التصدعات في جهود موسكو. ومما لا شك فيه أن تطوير لقاح “سبوتنيك في” لم يصبح دون سبب انعكاسا لجميع المشكلات التي يواجهها مجال العلوم الروسي والصيدلة والعلاقات العامة وسياسة الحكومة التي غالبا ما تُنفذ عبر قنوات غير نظامية.
من المهم الإشارة إلى اكتشافات شهر تموز/ يوليو حول قرار صندوق الاستثمار المباشر الروسي منح حقوق حصرية ولكن بصفة سرية إلى “أوروغولف للاستثمار الصحي”، وهي شركة مسجلة في دبي، لبيع وتوزيع لقاح “سبوتنيك في”. فقد وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة رسميا على اللقاح الروسي في كانون الثاني/ يناير من هذه السنة، الأمر الذي دفع كيريل ديميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع عائلة بوتين، إلى إعلان الإمارات العربية المتحدة ضمن “الشركاء الرئيسيين” لروسيا في الشرق الأوسط.
ظاهريًا، قامت الإمارات بشحن 20 ألف جرعة لقاح من نوع “سبوتنيك في” مجانا إلى قطاع غزة بموجب توجيهات روسية. ولكن حسب ما كشفه صحفيو موسكو تايمز، فإن المبيعات للعديد من البلدان في المنطقة جاءت من خلال شركة شيميرا للاستثمار التي تتخذ من دبي مقرا لها، والتي يُزعم أن مديرها هو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي وشقيق الزعيم الحالي لإمارة أبوظبي. ويُذكر أن شركة شيميرا للاستثمار شاركت في مبيعات اللقاحات الروسية إلى كل من باكستان ولبنان.
علاوة على ذلك، طلب البائعون في الإمارات العربية المتحدة من العملاء دفع مبلغ أعلى بكثير من السعر المعلن في روسيا مقابل لقاح “سبوتنيك في”. ووفقا لمصدر مقرب من وزارة الخارجية الروسية، فإن عملية كهذه لم يكن من المحتمل أن تتم دون الثقة التي بُنيت بين المفاوضين الروس والإماراتيين في لبنان في عملهم المشترك لدعم شركة فاغنر العسكرية الخاصة.
حتى بوضع الكشف عن “مخطط الإمارات” جانبا، عانت دبلوماسية اللقاحات الروسية في الشرق الأوسط من فضائح أخرى. تحدث علي رضا ناجي، رئيس مركز أبحاث الفيروسات في إيران، عن نقص اللقاحات بسبب عدم تسليمها من الشركات الصينية والروسية. واتهم ناجي هذه الشركات بعدم الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بتقديم لقاحات سينوفارم وسبوتنيك. على خلفية ذلك، طرح ناجي فكرة أن أولئك الذين حصلوا على الجرعة الأولى من لقاح سبوتنيك أو سينوفارم قد يتلقون اللقاح إيراني الصنع “كوف إيران بركة”، والذي بالكاد نجح في التجارب النهائية في ذلك الوقت. علاوة على ذلك، أعلن الأطباء الإيرانيون أنه قبل استخدام اللقاح الروسي المثير للجدل، يجب أن يتوافق مع معايير تحقق واضحة.
لا توجد مؤشرات على إطلاق حملة تلقيح عامة على أرض الواقع في مناطق سيطرة الأسد
في هذا السياق، لنأخذ سوريا الحليف الإقليمي الأول لروسيا. إن استخدام دمشق للقاحات “كعملة” في المفاوضات حول إطلاق سراح امرأة إسرائيلية تدعى دينا كوهين، وفقا لبعض التقارير، ليس علامة جيدة. وحسب ما يُزعم، وافقت إسرائيل على شراء لقاحات روسية الصنع ليتم إرسالها بعد ذلك إلى سوريا لإقناع بشار الأسد بإطلاق سراح كوهين. وبالفعل، بعد فترة وجيزة من إطلاق سراح المواطنة الإسرائيلية، تلقت سوريا أول دفعة من لقاح سبوتنيك. وحسب مصادر المونيتور من بين الروس العاملين في سوريا، فإن هذه الصفقة قد تفسر أيضا السرية التي تحيط بتفاصيل اللقاحات المشحونة إلى سوريا.
كان الافتقار إلى الشفافية جليا في التصريح الأخير الذي أدلى به ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا. ففي مقابلة مع وكالة “إيتار تاس”، زعم لافرنتييف التوصل إلى اتفاق على توصيل اللقاحات إلى سوريا “من حيث المبدأ”، دون الإشارة إلى الكمية الدقيقة للجرعات التي سيقع شحنها إلى سوريا أو بأي سعر، مشيرا فقط إلى أن الإمدادات ستكون كبيرة وأن جزءا من الطلبات سيأتي مجانا.
في النهاية، قال مصدر لموقع “المونيتور”، إنه لا توجد مؤشرات على إطلاق حملة تلقيح عامة على أرض الواقع في مناطق سيطرة الأسد. وأشار ساخرا إلى أن “الوضع الوبائي العام في دمشق واللاذقية ليس سيئا للغاية نظرا لارتفاع نسبة المصابين بالفعل بالفيروس”. في المقابل، قارن شخص آخر تحدث إلى “المونيتور”، والذي قضى وقتا طويلا في سوريا بصفته عسكريا، المزاعم الروسية حول توصيل اللقاحات إلى سوريا بعملية ما يسمى “إعادة الإعمار” الجارية في البلاد، قائلا: “يبدو أن هناك تحركا، لكن لا أحد يعرف تماما ما الذي يحدث”.
المصدر: المونيتور