ترجمة وتحرير: نون بوست
أثناء تفشي وباء كورونا، قضيت وقتا في التحديق في شاشات الأجهزة الإلكترونية، أكثر من الوقت المقضى في أي نشاط آخر. وعندما لم أكن ملتصقة بجهاز الحاسوب المحمول للقيام بالعمل، كنت أحاول الحفاظ على علاقاتي الشخصية من خلال مجموعات المحادثة والاتصالات مع عائلتي عبر تطبيق واتساب.
كما حافظت على تواصلي مع الأصدقاء الذين لم أقابلهم منذ أشهر، وذلك بفضل شبكات التواصل الاجتماعي. وفي ظل الغلق التام للمطاعم ومنع كل الأنشطة والفعاليات، كانت أمسياتي مليئة بحلقات مسلسلات الدراما والجريمة.
في العادة لم أكن أعاني من قصر النظر، بحسب ما كان يؤكده لي أطباء العيون في كل مرة أزورهم. وخلال العشر سنوات الماضية، كانت الوصفة الطبية لشراء النظارة تشير دائما إلى أنني مصابة بنقص طفيف، ولا أحتاج للنظارة إلا أحيانا عند قيادة السيارة أو مشاهدة أفلام مع الترجمة المكتوبة.
ولكن بعد أشهر من الجلوس المستمر أمام الشاشات، لاحظت أن علامات الطريق باتت تبدو ضبابية بالنسبة لي. فهل يعني هذا أن نظري تراجع؟ مؤخرا زرت طبيب العيون وقد أكد لي ذلك من خلال تغيير وصفة استخراج النظارة الطبية، وأشار إلى أنه لاحظ أن هذا المشكل اشتكى منه عدد كبير من الناس خلال هذه الفترة.
وقد توصلت دراسة أجريت حول هذا الموضوع إلى أن أكثر من 123 ألف طفل في الصين، تتراوح أعمارهم بين 6 و13 عاما، ظهرت عليهم مؤخرا آثار تراجع البصر، وهو ما جلب الانتباه إلى العلاقة بين الوباء وهذه الحاسة.
وتوصل الباحثون إلى أن الاضطرار إلى البقاء في البيت، وقضاء وقت أقل في الهواء الطلق، يعني التحديق في الشاشة لساعات طويلة، وبالتالي تفاقم مشكلة قصر النظر لدى الحالات التي شملتها الدراسة.
شاشات الأجهزة المحمولة هي الأسوء على الإطلاق، مثل الهواتف الذكية والحاسوب اللوحي، لأنها تحمل على بعد سنتيمترات قليلة من الوجه
وفي الوقت الحالي لا توجد بيانات مماثلة حول المرضى الكنديين، ولكن الدكتورة نعومي كونغ أخصائية طب العيون تقول “إنها خلال العام المنقضي، شهدت عددا غير مسبوق من المرضى يشتكون من مشاكل البصر. وقد أدى هذا إلى تزايد عدد المرضى الذين يتم فحصهم، والسبب وراء ذلك هو انتقال أغلبية الناس للعمل عن بعد، وعقد اللقاءات عبر تطبيقات مثل زوم، حيث يحدق الإنسان في الشاشة لساعات طويلة دون أن يرمش، ودون أن يلتفت إلى أي شيء آخر.”
كذلك في جامعة ووترلو، تؤكد البروفيسورة ديبي جونز، التي تعالج الأطفال الذين يقل سنهم عن ثمان سنوات، أنها لاحظت أن المرضى الذين قضوا 18 شهرا الماضية في التعلم عن بعد واستخدام الأجهزة الإلكترونية، ويعانون من الحرمان من قضاء الوقت في الفضاءات المفتوحة، تزايدت لديهم الإصابات بقصر النظر، وهو ما دفع بالأطباء لافتراض وجود رابط بين الحالة الوبائية في العالم وهذه المشاكل البصرية لدى الصغار.
ولفهم المزيد حول هذه الظاهرة، تحدثت مجلة بست هيلث مع الدكتورة كونغ والبروفيسورة جونز حول التأثير المحتمل لفيروس كورونا على وظائف العين، والنصائح التي يمكن تقديمها حول كيفية حماية صحة البصر ومدى أهمية الروتين اليومي.
عندما يتعلق الأمر بالوقت المقضى أمام الشاشة، هل أن نوعية هذه الشاشة مهمة؟ يعني هل هنالك فرق بين مشاهدة الحاسوب ومشاهدة التلفاز؟
تؤكد البروفيسورة جونز أن شاشات الأجهزة المحمولة هي الأسوء على الإطلاق، مثل الهواتف الذكية والحاسوب اللوحي، لأنها تحمل على بعد سنتيمترات قليلة من الوجه. كما أن الإنسان يركز أكثر على الأجهزة التي تكون قريبة منه، وبالتالي يتعود الدماغ على النظر على مسافة أقصر، وتقل قدرتنا على الرؤية عن بعد.
أحيانا عندما أشعر بتعب العينين، آخذ استراحة وأقرأ كتابا، فهل أن هذا مفيد؟
بما أننا نحمل الكتب على نفس المسافة من الوجه مثل شاشات الأجهزة المحمولة، فإن هذا ليس الحل الأمثل. وتنصح البروفيسورة جونز عوضا عن ذلك بالخروج إلى الأماكن المغلقة ومشاهدة المناظر الطبيعية، والتحديق في الأشياء البعيدة.
تنصح الدكتورة كونغ بالقيام بترميش العينين بشكل قوي ومتعمد من أجل تجنب الجفاف، إلى جانب الابتعاد عن الشاشات قبل الذهاب للنوم
إضافة إلى قصر النظر، هل هنالك مشاكل أخرى في العينين باتت أكثر انتشارا مع تفشي الوباء؟
تؤكد الدكتورة كونغ والبروفيسورة جونز أنهما سمعتا شكاوى كثيرة من المرضى حول جفاف العين وتهيجها، وهذا أمر مرتبط بكثرة النظر إلى الشاشة، والتواجد في مكان مكيف، إلى جانب قلة ترميش العينين بسبب غياب مصادر الإلهاء حولنا في المنزل.
ففي مكتبك على سبيل المثال، تتحدث مع بعض الزملاء وتبتعد عن الشاشة وتلتفت من حين لآخر أو تقف، وبالتالي تحصل العين على استراحة. وعلى العكس من ذلك، عند العمل عن بعد، أنت تجلس لفترات طويلة دون أخذ استراحة، وهذا يؤدي لجفاف وتهيج العين، ويفاقم مشاكل البصر الموجودة لديك.
كثيرون لا يزالون يعملون من المنزل ويقضون وقتا طويلا أمام الشاشات، فكيف يمكنهم حماية بصرهم؟
تتفق جونز وكونغ على أن واحدة من أفضل الاستراتيجيات لحماية صحة العين هي قاعدة 20/20/20، ومعنى ذلك أنه في كل 20 دقيقة يجب أخذ 20 ثانية راحة والنظر إلى شيء بعيد عنا مسافة 6 أمتار. هذا يريح العينين ويحث على الترميش.
وتوضح البروفيسورة جونز أنه لا داعي لقياس المسافة بشكل دقيق، إذ أن هذه العملية ستنجح بمجرد تغيير محور تركيزنا والنظر لأشياء بعيدة. وبالنسبة لمن يعملون من المنزل، يمكنهم الجلوس قرب النافذة حتى تتاح لهم فرصة مشاهدة أشياء بعيدة.
وإلى جانب قاعدة 20/20/20، تنصح الدكتورة كونغ بالقيام بترميش العينين بشكل قوي ومتعمد من أجل تجنب الجفاف، إلى جانب الابتعاد عن الشاشات قبل الذهاب للنوم، من أجل تقليل التعرض للضوء الأزرق، وبالتالي تحسين جودة النوم.
هل من الآمن الذهاب لطبيب العيون بينما المرض لا يزال يشكل تهديدا؟
الإجابة بكل بساطة هي نعم، حيث تؤكد جونز أن أطباء العيون يعتبرون من موظفي الصف الأول خلال أزمة كورونا، وبالتالي فإنهم يواصلون العمل في كل الأوقات، ويستقبلون كل الحالات وليس فقط الطارئة.
ومن المهم القيام بفحص روتيني للعينين، من خلال الحصول على موعد سنوي للأطفال ومرة كل سنتين على الأقل للكبار
المصدر: بيست هيلث