“ابني وإن كان صغير السن، إلا أنه شخصية اعتبارية وله كيانه وخصوصيته التي لا تتيح لي، حتى بحكم الأمومة، تجاوزها والتصرف بصوره كما أرغب، فعدم قدرته على الممانعة أو الاختيار التام لا تعني تخطي حدوده الشخصية”، هذا ما قالته بيان ماضي وهي ترفض نشر صور أطفالها الثلاث عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي تراها تستبيح شروط الخصوصية للطفل، وفيها جوانب وصفتها بالـ”خفية” تستغل صور الأطفال بطرق سيئة وبشعة تصل إلى الاتجار بالبشر وقضايا أخلاقية شائكة.
الخصوصية حق للطفل
تمارس بيان أمومتها دون أن تمس حقوق أطفالها، إيمانًا منها بأن لهم خصوصية أقرتها القوانين الدولية، وقبلها القوانين الربانية ضمن منظومة الأخلاق التربوية.
كما تضيف بأنها غير مهتمة بانطباع الآخرين في لقطات أطفالها، أما الأقارب فهم على تواصل فيزيائي مع أبنائها، ومن جانب تربوي تعتقد ماضي أن عرض الصور على منصات التواصل باب لحب الظهور والاستعراض.
الخشية من الحسد
يتفق معاذ شقور مع بيان ماضي في عدم نشر صور الأطفال، وقد نشر صورة طفلته لمرة واحدة عند ولادتها مع تغطية الوجه، لكن الدافع لديه مختلف وهو: “الحسد وهو حقيقة مُشاهدة وواقعية، إذ لا يعرف الإنسان نفوس الناس، ومن يتمنى له الخير ومن يبطن خلاف ما يظهر، وقد يكون بقصد أو غير قصد”.
كما أن شقور ليس من هواة مشاركة كل كبيرة وصغيرة في حياته على الملأ، ويؤكد “صور الأطفال من اللحظات الخاصة أحتفظ بها لأسرتي الصغيرة وليست للجميع”.
اتفاقية حقوق الطفل
هذه بعض وجهات نظر رفض الآباء نشر صور أطفالهم على منصات التواصل الاجتماعي، التي استحدثت منظورًا جديدًا جديرًا بالبحث عن محدداته وقوانينه دوليًّا، وقد أوضحها المختص بقضايا حماية الطفل أحمد سالم قائلًا: “لا توجد معايير دولية حاسمة خاصة بالسوشيال ميديا، لكن يمكن دائمًا الاستئناس باتفاقية حقوق الطفل الأساسية، والتعليق رقم 25 الذي أصدرته لجنة حقوق الطفل مؤخرًا عام 2021، ويوضّح ما يتعلق بحقوق الطفل في البيئة الرقمية كما بينتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR)”.
نظريًا لا يوجد ما يمنع الوالدين من نشر صور أطفالهم باستثناء الإباحية وأي شيء مخالف للقوانين العامة، مثل عرض الطفل بهدف بيعه أو تجنيده أو استغلاله
وأشار سالم إلى تفاصيل التعليق رقم 25 في اتفاقية حقوق الطفل، وقد نصّت على التهديدات التي قد تنشأ من نشر صور الأطفال حتى عندما يقوم بذلك الأطفال أنفسهم أو والديهم: “الخصوصية أمر حيوي لاستقلال الأطفال وكرامتهم وسلامتهم ولممارسة حقوقهم، والبيانات الشخصية للأطفال تخضع للمعالجة من أجل تمكينهم من مزايا تعليمية وصحية وغيرها من المزايا”.
وكذلك بيّن نفس البند “قد تنشأ تهديدات لخصوصية الأطفال من جراء عمليات جمع البيانات ومعالجتها من جانب المؤسسات العامة والشركات والمنظمات الأخرى، وقد تنشأ التهديدات أيضًا جراء أنشطة الأطفال أنفسهم وأنشطة أفراد الأسرة أو الأقران أو غيرهم، على سبيل المثال عندما يشارك الوالدان أو يعرضان صورًا على الإنترنت أو عندما يُفشي شخص غريب معلومات عن طفل ما”.
حق الوالدين في النشر
يكمن التساؤل هنا: هل يملك الوالدان الحق الكامل في نشر صور أبنائهم؟ يبين أحمد سالم أن الأمر ما زال غير واضح تمامًا، ونظريًا لا يوجد ما يمنع الوالدين من نشر صور أطفالهم باستثناء الإباحية وأي شيء مخالف للقوانين العامة، مثل عرض الطفل بهدف بيعه أو تجنيده أو استغلاله.
ويضيف المختص بقضايا حماية الطفل “إذا تضمنت الصور المنشورة إساءة للطفل، أو إذا أساء الوالدان للطفل من أجل الحصول على صور معينة بهدف الضحك مثلًا أو جلب التعاطف وما إلى ذلك، فعندها تصبح القضية إساءة للطفل”.
وهنا يشير سالم إلى أن إذا حدث تجاوز من الوالدين تجاه ابنهم، فالحاجة ضرورية إلى من يرافع نيابة عن الطفل، “في كثير من الأحيان تقوم الدولة بذلك، كما في العديد من الحوادث في مصر (على سبيل المثال) ونقل حق حضانة الطفل من والديه إلى الجدين”.
عدا عن ذلك، يحذر سالم مما قد يواجهه الوالدان من مشاكل قانونية في المستقبل، إذا قرر طفلهم مقاضاتهما بسبب إنشاء الوالدين هوية رقمية غير مصرح بها، خاصة إذا ثبت أنه تم استغلاله أو حرمانه.
ورغم المخاوف المرتبطة من نشر صور الأطفال، فإن سالم يرى أن هناك جانبًا آخر له بعض الفوائد لنشر صور الأطفال في السوشيال ميديا التي تعطي الطفل فرصة للتعبير عن آرائه والتأثير على القرارات التي تمس حياتهم ووجودهم.
توعية بأخلاقيات ظهور الطفل
الصحفية والأم آيات هواوشة أنتجت حلقة ضمن سلسلة “حقيقة في دقيقة” عن أخلاقيات ظهور الطفل في مواقع التواصل الاجتماعي، فهي ترى أنه “لا بد من معرفتي شخصيًا بالدرجة الأولى لهذه الأخلاقيات لأنني منذ ولادتي لطفلي أتعامل معه كإنسان له كينونة مستقلة وله كامل الحق في الاحترام والتقدير، وأحب مشاركة يوميات طفلي مع الأصدقاء، ونشر صورة أو فيديو له لأول خطوة وكلمة أو لأول عيد وصورة عائلية”.
أما السبب الثاني يعود إلى “كوني صحافية تؤمن بميثاق الشرف الصحافي الذي يحملني مسؤولية كبيرة لاحترام أخلاقيات الصورة والحياة الخاصة، وأخلاقيات وجود المرأة والطفل في المادة الإعلامية، ويؤلمني جدًا رؤيتي لطفل في حالة اختراق خصوصيته أو حالة ضعف أو غضب قد تعود عليه بأثر سلبي في المستقبل”.
ثم توضّح هواوشة أنها مهتمة بصناعة محتوى مهتم بالطفولة وموجه بشكل مباشر للأمهات، ويظهر طفلها في أغلب المحتوى البصري، فيقع على عاتقها مسؤولية ثنائية “حرصي على طفلي واحترام خصوصيته وكينونته، والسعي لنشر الوعي فيما يخص هذا الموضوع”.
مشاركة الصور بهدف التواصل
ميمونة طيفور أم لثلاثة أطفال، ولا تُمانع من نشر صور أبنائها من باب مشاركة الأخبار والتواصل على السوشيال ميديا، وهي ترى أن ذلك يمنح أطفالها الثقة بأنفسهم، ويكون لهم وجود في العالم الافتراضي.
وكذلك الأمر عند دعاء عرابي فهي تنشر صور طفلها ضمن مجموعة عائلية أو وحده، واستخدمتها كصورة شخصية للحسابات الاجتماعية، فلا ترى مشكلة بذلك طالما لا تحتوي معلومات خاصة بمدرسته أو مكان وجوده حاليًّا (في منتزه أو ما شابه) حماية له، فما يسعدها “يرى المقربون طفلي وهو يكبر وتتغير ملامحه، وصوري معه احتفظ بها للذكرى لي وله”.
الاستئذان أهم آداب تصوير الطفل
تتفق ميمونة ودعاء أن لنشر الصور آدابًا، أهمها الاستئذان قبل التصوير، والأهل لهم الحق بالسماح أو الرفض عند النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أخذ موافقة الطفل إن كان في عمر مناسب وتغطية عورته وعدم إظهاره بشكل غير مناسب قد يؤذي نفسيته.
التعدي على خصوصية الأطفال
لكن ماذا يصنع أولياء الأمور إن تعدى أحد الأشخاص على خصوصية أطفالهم بنشر صورهم دون استئذان؟ توضح ما يمكن عمله خبيرة حماية الطفل ميساء الشيخ حسين قائلة: “عندما يقوم الأشخاص الذين لا يرون أي مشكلة في نشر صور الأطفال، فإن ذلك يعني أنهم يتخذون قرارًا بجعل صورة طفلك عامة، فلا يفترض أن الجميع يشعرون بنفس طريقتك تجاه وسائل التواصل الاجتماعي، الحل بأن تكون صريحًا وتُعلم الناس بذلك”.
رغم ذلك قد يصور البعض الطفل دون معرفة أهله، لذلك ترشد الشيخ حسين الأهالي بالتصرف الأمثل: “الطلب من الشخص حذف الصورة بعد نشرها، أو سؤال الناشر عن إعدادات الخصوصية الخاصة به، إذا كان ملفهم الشخصي خاصًا وليس عامًا، فيمكن لأصدقائهم فقط مشاهدة صورهم مما يحد من جمهور صورة طفلك، ومن دون وضع إشارة بالاسم على الصورة، مع توضيح أسباب القلق على نشر صورة الطفل عندما تنشر عبر الإنترنت بحيث يمكن لأي شخص مشاركتها”.