أدت عملية اندلاع الاحتجاجات في إقليم الأحواز جنوب غرب إيران، التي جاءت نتيجة أزمة المياه التي عصفت بالإقليم خلال الأيام الماضية، لتُشير بدورها إلى طبيعة الأزمات التي يعيشها النظام السياسي الإيراني، ورغم التدخلات الجراحية التي اعتمدها النظام، سواء عبر توجيهات عامة أصدرها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أم عبر زيارات ميدانية قام بها العديد من المسؤولين الإيرانيين ومنهم نائب الرئيس إسحاق جهنغيري، أم عبر استخدام القوة المسلحة المفرطة، فإن رقعة الاحتجاجات بدأت تتسع يومًا بعد يوم، ورغم أنها اقتصرت على المدن الأحوازية في البداية، ومنها معشور والفلاحية والخفاجية ومدن أخرى في أسبوعها الأول، بدأت هذه الاحتجاجات تجد صدى لها في الأقاليم المجاورة، وأهمها مناطق الأذريين الأتراك.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن تسميات (الأحواز أو الأهواز أو عربستان)، كلها مفاهيم عربية، وتشير لعروبة سكان الأحواز وليس لأصل الإقليم، كون إمارة عيلام كانت هي الأصل في الإقليم، أما التسمية الفارسية لها فهي “خوزستان”، وليس صحيحًا القول إن الأهواز تسمية فارسية، فقد ورد ذكر كلمة الأهواز في العديد من المصادر العربية، أهمها “الكامل في التاريخ” لابن الأثير، وكتاب “البداية والنهاية” لابن كثير.
أما تسمية الأحواز فقد جاء استخدامها خلال حقبة صعود التيار القومي في العراق ومصر، كما أن العديد من التيارات السياسية الأحوازية المعارضة للنظام السياسي الإيراني، تستخدم هذه الكلمة في عناوينها التعريفية، كمصطلح جاء رد فعل على التسمية الفارسية التي أطلقها النظام على الإقليم.
أزمة لم تنته بعد
ما يجري في الأحواز اليوم هو نتاج سنوات من سوء الإدارة المائية والبيئية، ونتاج لسياسات التهميش التي مارسها النظام ضد هذا الإقليم، الذي تم دمجه قسرًا في كيان الدولة الإيرانية، بعد صفقة سياسية تمت بين نظام الشاه وبريطانيا، التي أطاحت بحكم خزعل الكعبي آخر أمراء الأحواز.
يمثل الإقليم العمود الأساسي الذي يقوم عليه اقتصاد الدولة الإيرانية، فهو يحتوي على 80% من النفط الإيراني، ونحو 90% من احتياطيات الغاز الإيرانية، كما يضم أكبر أنهار إيران وهما نهر الوند والكارون، فضلًا عن أنه يمثل الإطلالة الإيرانية الوحيدة على الخليج العربي.
وفي هذا السياق، من أجل إخضاع هذا الإقليم لسيطرة النظام السياسي، شيدت الدولة الإيرانية العديد من السدود في الأحواز، أبرزها سد الموت كما يعرف لدى سكان الإقليم، تستخدمه لتخزين المياه، ليس لأغراض زراعية أو بيئية، وإنما كسلاح يمكن استخدامه ضد سكان الإقليم، أو أي قوة مسلحة قد تغزو إيران من الجنوب، وهو ما يؤشر إلى حالة عدم الثقة التي تربط الإقليم بالنظام.
ورغم محاولات النظام الإيراني خلق حالة وفاق صورية مع سكان الأحواز، وذلك عبر ترقية بعض الأشخاص من سكان هذا الإقليم لمناصب عليا في البلاد، كما هو الحال مع علي شمخاني أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي، فإنه في مقابل ذلك مارس النظام سياسة إقصاء متشددة بحق العديد من السكان والمعارضين الأحوازيين، واغتال العديد منهم، بالإطار الذي جعل الإقليم بيئة طاردة للنظام وليس حاضنة له.
ما الجديد في احتجاجات الأحواز؟
تختلف الاحتجاجات الحاليّة التي تجري في الأحواز عن غيرها من الاحتجاجات التي جرت في المدن الإيرانية الأخرى منذ عام 2018، فاحتجاجات الأحواز تجري خارج حالة النظام، أما الاحتجاجات الأخرى، فهي جزء من حالة النظام، وبمعنى أدق، فإن الحالة الأحوازية ونتيجة حالة الإدماج القسري للهوية العربية وسياسة التفريس التي مورست ضد سكان الإقليم ذي الغالبية العربية، جعلت جميع الاحتجاجات التي شهدها الإقليم ذات بعد سياسي، بالإطار الذي يفسره النظام بأنه مهدد للوحدة السياسية الإيرانية.
على عكس الاحتجاجات التي شهدتها المدن ذات الأغلبية الفارسية، التي جاءت جميعها في إطار احتجاجات اجتماعية واقتصادية تمكن النظام السياسي من التعامل معها بالنهاية، وما يشير إلى ذلك أن الشعارات المرفوعة في احتجاجات الأحواز اليوم، هي شعارات تؤشر إلى عمق الأزمة التي يعيشها سكان الإقليم، إلى الحد الذي دفعهم للمطالبة بالاستقلال.
فالحالة الأحوازية اليوم معبرة عن أزمة نظام سياسي لم يعد قادرًا على التعايش مع مكوناته، فقبل هذه التظاهرات، دخل النظام في أزمة مع الأذريين الأتراك، عندما دعم أرمينيا ضد أذربيجان في الحرب الأخيرة، ولعل هذا ما يفسر تضامن الأذريين مع احتجاجات الأحوازيين.
ورغم أن الأذريين عادةً ما يجدون عمقًا إستراتيجيًا يوفر غطاءً سياسيًا لهم، كما هو الحال مع أذربيجان أو تركيا، فإن عرب الأحواز ما زالوا يفتقرون إلى هذا العمق، رغم بيانات التنديد التي صدرت عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو حتى الدعم الإعلامي الذي جاء عبر الخارجية الأمريكية، إلا أن هذين الدعمين غير كافيين لإيقاف القوة المفرطة التي يتعامل بها النظام مع احتجاجات الأحواز، التي دفعت به يوم أمس إلى إرسال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي إلى الإقليم، للاطلاع على تطورات الموقف هناك.
إن الاحتجاجات الحاليّة في الأحواز ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كون النظام السياسي لا يملك حلولًا عملية لمعالجة أزماتهم، فهو يعمد عادةً لتبني حلول آنية ومرحلية، ما يجعل أسباب هذه الاحتجاجات قائمةً، حتى لو تم إخمادها بالقوة المفرطة، كما يجري حاليًّا.