ترجمة حفصة جودة
في إحدى ليالي الصيف الحارة الشهر الماضي، جلس رجل إيران في العراق مع مجموعة من رجال الميليشيات في بغداد، محاولًا إعادة الهدوء لشوارع العاصمة المشؤومة، اجتمع في تلك الغرفة قادة أكثر الميليشيات رعبًا في البلاد، هؤلاء الرجال كانوا على بُعد أيام من الاستيلاء على نقطة تفتيش تؤدي إلى مقر السلطة وكانوا يخططون لعرض عسكري خاص بهم في العاصمة العراقية.
جلس بينهم إسماعيل قاني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني – وهي مجموعة سرية تقود العمليات العسكرية الإيرانية الخارجية وكان لها دور فعال في الشؤون العراقية خلال الحرب والتمرد والآن السلام النسبي -.
كان على حضوره أن يقوم بالدور الهائل الذي قام به سلفه الجنرال قاسم سليماني الذي أدار المشهد في العراق وسوريا ولبنان لمدة 15 عامًا حتى اغتالته الطائرات دون طيار الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2020.
كان هذا الاجتماع في يونيو/حزيران بحضور من في الغرفة ومن يشاهدون من على بُعد بمثابة تعميد قاني بالنار، إذ يحاول إثبات قدرته تمامًا مثلما فعل الرجل الذي يسميه الحضور الحاج قاسم في مثل هذه الأوقات الحرجة، لكن وفقًا لاثنين من الحضور وآخر مطلع على ملخص الاجتماع فإن قاني أضاع فرصته.
كان دور قاني أن يقنع الميليشيات أنه ليس في صالحهم الاستمرار في إطلاق الصورايخ على السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء أو مطار أربيل شمال العراق حيث توجد القوات الأمريكية، كانت الطرق المدمرة لتلك الجماعات واضحة ومتزايدة خلال أول 6 أشهر من إدارة بايدن، متحدية بذلك الجيش الوطني والحكومة التي راهنت بولايتها على كبح جماحهم.
رغم النبرة الواثقة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي – عند توليه المنصب قبل 18 شهرًا – فإن ردود الدولة ظلّت خطابية بشكل كبير، كان عدم القدرة على إيقافهم دليلًا على قوة ونفوذ الميليشيات الشديد من خلال مخابئ السلاح الوفيرة التي يملكونها وتوغلهم في مؤسسات الدولة، كان الاجتماع بمثابة جلسة محاسبة لإخضاع تلك الميليشيات.
قال أحد الرجال بالغرفة: “كانت جميع الأعين مسلطة عليه في البداية، ثم بدأوا في النظر بعيدًا، بنهاية الاجتماع اعتقدوا أنهم عرفوه جيدًا وهذا ليس في صالح العراق، فبالتأكيد هو ليس الحاج قاسم الجديد”.
خلال 18 شهرًا منذ خلافة قاني لسليماني كان محاوروه وأعداؤه يقيمونه بصبر، وفي الوقت نفسه يقيّمون إذا ما كان قرار ترامب المتسرع باغتيال أقوى رجل في العراق قد جعل البلاد أكثر سهولة في قيادتها.
قال مسؤول عراقي بارز: “أعتقد أن إجابة السؤال الثاني “لا”، فالعراق لم يصبح أكثر أمانًا والأمريكيون لن يحصلوا على نتائج أفضل مع قاني لأن قدرته على تحقيق ذلك أقل بكثير، مع سليماني كنت تعلم ما لديك وكان بإمكانه السيطرة على الميليشيات إذا أراد ذلك”.
تندمج الميليشيات الرئيسية بعمق في النظام بقلب الدولة وتستفيد من ذلك بشكل كبير
مهمة قاني صعبة للغاية، فكمحارب مخضرم لمدة 12 عامًا في عمليات فيلق القدس بأفغانستان، لم يكن لديه أي خبرة في العراق أو سوريا ولا يتحدث اللغة العربية، الأهم من ذلك وفقًا لمصادر متعددة التقت بالقائد الجديد وعلى دراية بعلاقاته في إيران، فهو ليس على علاقة بالمرشد الأعلى للبلاد آية الله خامنئي أو مكتبه.
على الورق، فالدور الذي يلعبه هو نفس دور سليماني وهو مزيج فريد من قائد قوات خاصة ورئيس مخابرات ومبعوث رئاسي، ومع ذلك فهؤلاء الذين يتعاملون مع قاني باستمرار يقولون إنه يفتقر بوضوح للدور الأخير وهو الدور الأهم في تلك الثلاثية.
قال أحد الشخصيات العراقية البارزة: “عندما جلست مع الحاج قاسم كنت أتحدث مع التاريخ، وكان صاحب كلمة، إذا وعدك بشيء ما فإنه يوفيه، لكن الرجل الجديد ليس كذلك، ولست متأكدًا إذا كان بإمكانه القيام بذلك”، بينما قالت شخصية عراقية بارزة أخرى: “لقد التقيت به وأرى أنه لا يبلغ حتى ظل سليماني، إنه صادق لكنه ما زال يتعلم الوظيفة”.
بينما قالت شخصية ثالثة بارزة إن وفاة سليماني تركت فراغًا بنيويًا هائلًا، وأضافت: “خامنئي لا يصدر الأوامر ولا يشارك في اتخاذ القرارات على المستوى الأدنى، عندما يقول الناس إن بإمكانه إيقاف الميليشيات إذا أراد ذلك فهي ليست الحقيقة تمامًا، فهو لا يشتبك مع هذا المستوى، فالطريقة التي يتم بها إعداد ذلك من دور قائد فيلق القدس، المشكلة هنا أن الناس يعلمون أنه لا يحمل بالضرورة كلمة المرشد الأعلى، لذا فإنهم يستعدون لتحديه معتقدين أنهم في منافسة متساوية لجذب انتباه خامنئي”.
يقول البرفيسور توبي دودج من كلية لندن للاقتصاد: “يحدث هنا شيئان منفصلان ومشتبكان، الأول: تتعامل الميليشيات في انسجام مع إيران لمساعدة طهران على الضغط على الولايات المتحدة للحصول على اتفاق أفضل وأسرع بشأن الاتفاق النووي الجديد، الثاني: وهو الأكثر أهمية لمستقبل العراق، تندمج الميليشيات الرئيسية بعمق في النظام في قلب الدولة وتستفيد من ذلك بشكل كبير”.
“إن صراعهم مع الكاظمي وحملة العنف التي يقودونها ضد النشطاء الديمقراطيين تتعلق بحماية وتوسيع دورهم في قلب النظام، إنهم يأملون في تأمين مركزهم من خلال زيادة أعدادهم في البرلمان بعد الانتخابات القادمة، إنها إستراتيجية “الكلاشنكوف وصندوق الاقتراع” للسيطرة على الدولة والمجتمع العراقي”.
بينما يحاول قاني التأسيس لسلطته، خرجت شخصية عراقية ذات علاقات طويلة مع إيران عن الظل، فقد ظهر محمد الهاشمي – المعروف أيضًا بأبو جهاد – بثبات كرجل تعتقد الشخصيات البارزة في العراق والمنطقة بأكملها أنه يستطيع إنجاز الأشياء.
كمساعد بارز لرئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وصاحب العلاقات القوية مع معارضي صدام السابقين المدعومين من إيران، لعب الهاشمي دورًا في التفاوض مع الميليشيات للانسحاب في يونيو/حزيران.
دفع دوره بعض المراقبين العراقيين والأمريكيين إلى التلميح بأن الشخصيات المحلية التي تدّعي المسؤولية عن القرارات المحلية تتقدم على سليماني أو أي إيراني آخر صاحب القرار، لكن في هذا المرجل العراقي بعد الحرب، فإن محاولة تفكيك النفوذ الإيراني أو أي قوة خارجية تمتلك حصة في البلاد ما زال أمرًا بعيد المنال، ووفقًا لبعض المحليين قد يأتي أحيانًا بنتائج عكسية.
قال مسؤول أمريكي ذو صلات وثيقة بإدارة بايدن: “الحقيقة أن إيرن لها حضور بازر في الشؤون العراقية، إذا واصلنا تجنب تلك المسألة فلن نتقدم أبدًا للأمام وسوف ينهار العراق، حان الوقت لتسوية الأمر والعثور على الشخص المناسب ليساعدنا على القيام بذلك، فلا يمكن السماح للميليشيات بإدارة الأمور”.
في بداية هذا الأسبوع أعلن كاظمي – الذي من غير المرجح أن يترشح لولاية ثانية كرئيس للوزراء بعد الانتخابات الوطنية المحدد موعدها في أكتوبر/تشرين الأول – القبض على عضو بارز في أحد الميليشيات (كتائب حزب الله) وهي خطوة نادرة وعد بها منذ شهور.
اتهم المسلح المزعوم أحمد الكناني بأنه أحد الرجال المسلحين الذين اغتالوا الباحث والمستشار الحكومي في شؤون التطرف الإسلامي هشام الهاشمي يوليو/تموز الماضي، كان هذا الاعتقال هو الأول في التحقيق بقضية القتل التي صدمت البلاد، ويأتي بعد عدة أشهر من التعرف على هوية القاتل المزعوم.
يقول المحللون إن الاختبار الأصدق بشأن ميل ميزان القوى لصالح الحكومة سيتحقق في حالة إخضاع المتهم للمحاكمة وإدانته، يقول رشيد الصعيدي مواطن من شرق بغداد: “إذا حدث ذلك ربما نحقق شيئًا ما، أما الآن هناك ملصقات لسليماني وأبو مهدي المهندس (قائد عسكري بارز قتل مع سليماني) في المنطقة الخضراء بأكملها، وطريق المطار مُسمى باسميهما، أما السيارة التي قتلا فيها تقف كتمثال لتحية الوافدين الجدد، فمن الأكثر قوة الآن؟ كل هذه الأشياء تقدم لك الإجابة”.
المصدر: الغارديان