ترجمة وتحرير نون بوست
في وقت متأخر من صباح يوم الثلاثاء 12 نيسان/ أبريل 2011، كتب أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في فريق الرعاية الرياضية بشركة الاتحاد للطيران رسالة بريد إلكتروني إلى موظف بقسم “الشراكات” في نادي مانشستر سيتي. حدث ذلك قبل شهر من تتويج مانشستر يونايتد بقيادة السير أليكس فيرغسون بلقب الدوري الإنجليزي للمرة 19، متجاوزا رقم ليفربول (18 لقبا). احتل تشيلسي حينها المركز الثاني برصيد 71 نقطة، متقدما بفارق الأهداف على مانشستر سيتي الذي حصد بدوره 71 نقطة.
اضطر مانشستر سيتي الذي كان يدربه الإيطالي روبرتو مانشيني، للانتظار موسما آخر للحصول على لقب الدوري الإنجليزي للمرة الأولى منذ 1968، في وجود مجموعة من اللاعبين المميزين على غرار الحارس جو هارت وفينسنت كومباني ودافيد سيلفا ويايا توريه وغاريث باري وجيمس ميلنر وكارلوس تيفيز – هداف الدوري مع ديميتار برباتوف في 2011 – وبدا أن الفريق يطرق أبواب المجد.
تزعم أدلة جديدة أن نادي مانشستر سيتي ضخّم ميزانيته بعدّة ملايين للالتفاف على قوانين اليويفا للنزاهة المالية.
يقول أحد المتخصصين في التسريبات الرياضية بموقع “فوتبول ليكس” إن أموال الشيخ منصور تُضخ في ميزانية النادي في شكل عقود رعاية.
استهلّ المسؤول التنفيذي بشركة الاتحاد للطيران بريده الإلكتروني بما يلي: “عزيزي [إكس] … يبدو أن هناك بعض الالتباس حول الرصيد المستحق لرسوم الرعاية لموسم 2011/2010”.
استطاعت صحيفة “ميل أون صنداي” تحديد هويتي المرسل ومستلم البريد الإلكتروني، لكن لم يعد أي منهما يعمل في منصبه السابق.
يتابع كاتب البريد: “كما تعلمون، فإن الاتحاد للطيران ملتزمة بدفع أربعة ملايين جنيه إسترليني، والرصيد المتبقي (ثمانية ملايين جنيه إسترليني) يتم التعامل معه بشكل منفصل من قبل جهاز الشؤون التنفيذية في الإمارات العربية المتحدة. من فضلكم، هل يمكنكم توضيح ذلك لقسم الحسابات في النادي ومناقشة ذلك مع جهاز الشؤون التنفيذية في الوقت المناسب. أطيب التحيات”.
علمت صحيفة “ميل أون صنداي” – التي اطلعت على الوثائق – أن مانشستر سيتي أصدر فاتورة لشركة الاتحاد بمبلغ 12 مليون جنيه إسترليني مقابل صفقة رعاية قميصه لموسم 2010-2011، لكن الفاتورة تحتوي على تعليق مكتوب بخط اليد يفيد بأن شركة الاتحاد مطالبة بدفع أربعة ملايين جنيه إسترليني في تلك السنة.
أصدر مانشستر سيتي فاتورة لشركة الاتحاد قيمتها 12 مليون جنيه إسترليني مقابل صفقة رعاية قميصه لموسم 2011/2010 – وليس أربعة ملايين جنيه إسترليني.
حسب ما تؤكده المصادر وتظهره الوثائق، فإن صفقة رعاية قميص مانشستر سيتي التي وقعها الرئيس التنفيذي للنادي في تلك الفترة، غاري كوك، والرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للطيران، جيمس هوغن، كلفت شركة الاتحاد للطيران أربعة ملايين جنيه إسترليني في موسم 2010-2011، مقابل ثلاثة ملايين جنيه إسترليني في الموسم الذي سبقه، ثم 4.5 مليون جنيه إسترليني في موسم 2011-2012.
جهاز الشؤون التنفيذية الذي كان مسؤولا عن مراقبة الفارق بين المبلغ الأساسي للصفقة، وهو 12 مليون جنيه إسترليني في موسم 2010ـ2011، والأربعة ملايين جنيه إسترليني التي دفعتها شركة الاتحاد، هو “وكالة حكومية متخصصة مكلفة بتقديم المشورة السياسية الاستراتيجية لرئيس مجلس إدارة أبوظبي التنفيذي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية”، وذلك حسب موقعه الالكتروني.
تشير المراسلات والوثائق التي اطلعت عليها صحيفة “ميل أون صنداي”، إلى أن شركة الاتحاد لم تكن في الواقع تدفع المبالغ التي تصدرها إدارة نادي مانشستر سيتي في الفواتير، وإنما كان يتولى تلك المهمة كيان إماراتي يخدم الشيخ محمد بن زايد.
ويُزعم أن نادي مانشستر سيتي استفاد من بيانات عقود رعاية مرتفعة بشكل غير طبيعي من كيانات مقرها الإمارات العربية المتحدة، في صفقات يبدو أنها خالفت قوانين اليويفا للنزاهة المالية. يعدّ ضخ الأموال في ميزانية مانشستر سيتي لتضخيم دخله بشكل متعمّد لسنوات مشكلة كبيرة.
لم تكن شركة الاتحاد للطيران تدفع المبالغ التي كان نادي مانشستر سيتي يصدر على أساسها فواتير عقود الرعاية، بل كانت تتولى المهمة كيانات إماراتية أخرى.
تشير العديد من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق التي حصل عليها موقع “فوتبول ليكس” أو صحيفة “ميل أو صنداي” إلى حدوث هذه التجاوزات. أعلنت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز عن فتح تحقيقات في هذا الشأن منذ أكثر من سنتين، لكن لم تحدث أي تطورات بسبب عدم تعاون مانشستر سيتي في المحكمة ورفضه توضيح العديد من القضايا المتعلقة بهذا الملف.
في أوائل صيف 2014، أرسل مصدر مقرب من مانشستر سيتي بريدا إلكترونيا إلى صحيفة “ميل أون صنداي” وادعى أن عقد رعاية الاتحاد للطيران مع النادي لمدة 10 سنوات، والذي تبلغ قيمته 340 مليون جنيه إسترليني، لم يتم تمويله بشكل أساسي من قبل شركة الاتحاد، بل جاء معظمه من كيان حكومي إماراتي.
في نفس الفترة تقريبا (سنة 2014) – عندما كان مانشستر سيتي قد أُدين للتو بخرق قوانين اليويفا للنزاهة المالية للمرة الأولى – علمت صحيفة “ميل أون صنداي” بوجود مخاوف لدى فريق الرعاية الرياضية داخل شركة الاتحاد بشأن علاقة الشركة مع مانشستر سيتي. وقال مصدر يعرف أحد الموظفين في هذا الفريق إن كل صفقات الرعاية الرياضية التي وقّعتها شركة الطيران في ذلك الوقت اتبعت الصيغة ذاتها. شمل ذلك إنفاقا منخفضا نسبيا على الارتباطات مع الأندية وامتيازات على مسارات رحلات الشركة إلى المطارات الرئيسية.
ورغم أن مطار مانشستر كان إحدى الوجهات الرئيسية لطيران الاتحاد، إلا أن عددا من المسؤولين أبدوا تخوفهم من الموافقة على صفقة مالية ضخمة مع ناد واحد، وفقا لما صرّحت به بعض المصادر.
في صيف عام 2014، تحدثت صحيفة “ميل أون صنداي” مع إدارة مانشستر سيتي حول تلك المزاعم وقيل لها إن النادي غير قادر على تأكيدها، وبما أن المصادر امتنعت عن التحدث بشكل رسمي، لم يتم نشر أي خبر حينها.
في صيف 2020، قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حرمان مانشستر سيتي من المشاركة في دوري أبطال أوروبا لموسمين لعدّة أسباب منها “التمويلات الخفية”، أي أن النادي قد زعم أن أحد الرعاة دفع 100 بالمئة من المبلغ المتفق عليه في صفقة الرعاية، بينما جاء جزء من المبلغ في الواقع من كيان خفي آخر.
دخلت القضية حينها مرحلة الاستئناف لدى محكمة التحكيم الرياضي الدولية، ومن بين أولئك الذين قدموا أدلة نيابة عن مانشستر سيتي، سيمون بيرس، الذي يشغل مناصب متعددة داخل الكيانات التي تدير النادي.
في الواقع، يشغل بيرس منصب عضو في مجلس إدارة الشركة الأم للنادي، مجموعة سيتي لكرة القدم، التي تمتلك أيضا ملبورن سيتي، ويشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.
كما شغل بيرس مناصب إدارية في شركات ومؤسسات في الإمارات العربية المتحدة، وعمل مستشارا لهيئة الشؤون التنفيذية في الإمارات. وفي إحدى جلسات المحاكمة، سئل بيرس: “هل سبق لك أن رتبت أي مدفوعات تتكفل بها شركة الاتحاد، فيما يتعلق بالتزامات الجهات الراعية لنادي مانشستر سيتي لكرة القدم؟” وكان جوابه بالنفي القطعي.
قدم سيمون بيرس (إلى اليمين) شهادته أمام محكمة التحكيم الرياضي الدولية العام الماضي
أفادت وثيقة الحكم الرسمي الصادر عن محكمة التحكيم الرياضي أن “هيئة المحكمة لم تعتبر أن السيد بيرس شاهد غير موثوق به، كما يطالب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. لم تجد المحكمة أي مبرر لذلك في غياب أي أدلة من “يويفا” على أن السيد بيرس يمثل مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار [شركة تحت سلطة الشيخ منصور]”.
مع ذلك، وبعد أيام من تبرئة محكمة التحكيم الرياضي لمانشستر سيتي من تهمة “التمويلات الخفية”، وفرض غرامة على النادي قدرها 10 ملايين يورو بسبب عدم تعاونه مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، نشرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية تسريبات جديدة تشير إلى أن بيرس قدم أدلة إلى محكمة التحكيم الرياضي تتعارض مع ادعاءات سابقة.
في الواقع، بدأت قضية يويفا مع السيتي عندما نشرت “دير شبيغل” تسريبات شملت سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني من عام 2018 تتضمن ما اعتُبر أنه تجاوزات ارتكبها النادي الإنجليزي. وتستند التحقيقات التي تجريها رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز بشأن السيتي إلى التسريبات ذاتها.
الرسالة الإلكترونية التي نشرتها “دير شبيغل”، مثلما تلقّتها “ميل أون صنداي”.
أما رسائل البريد الإلكتروني التي نُشرت بعد حكم محكمة التحكيم الرياضي في 2020، فيعود تاريخ إرسالها إلى 16 كانون الأول/ ديسمبر 2013، وقد وجهها بيرس إلى بيتر باومغارتنر، الذي كان حينها مدير العمليات في شركة الاتحاد. وتُظهر الرسالة اعتراف بيرس بأنه رتب دفعة مالية إلى شركة الاتحاد فيما يتعلق بالتزامات الرعاية تجاه مانشستر سيتي.
يوضح نص الرسالة الإلكترونية أن مانشستر سيتي تلقى ما مجموعه 99 مليون جنيه إسترليني، تكفلت شركة الاتحاد بـ8 ملايين جنيه إسترليني منها. وكتب بيرس أنه كان ينبغي إرسال 91 مليون جنيه إسترليني، إلا أنه أرسل 88.5 مليون فقط، وأنه بذلك مدين لشركة الاتحاد بمبلغ قدره 2.5 مليون جنيه إسترليني.
طرحت صحيفة “ميل أون صنداي” سلسلة من الأسئلة المتعلّقة بهذه المراسلات على النادي، لكنها لم تتلقّ إجابات قاطعة. وعندما سئِل النادي عما جاء برسالة بيرس، رد بأن “الأسئلة والاستفسارات المثارة تبدو محاولة يائسة لإحياء القضية التي تم البت فيها بالكامل من قبل محكمة التحكيم الرياضي الدولية”.
حاول مانشستر سيتي استئناف الحكم بنشر نتائج تحقيق رابطة الدوري الإنجليزي الأسبوع الماضي.
كما ادعى النادي أن تسريبات “دير شبيغل” كانت “محاولة منظمة وواضحة للإضرار بسمعة النادي”، دون تحديد الجهة التي يقصدها. وعقب صدور أحكام من قبل ثلاثة من كبار القضاة في بريطانيا الأسبوع الماضي بأن السيتي أعاق تحقيقات رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، علّقت إدارة النادي: “نحن نحترم قرار محكمة الاستئناف بشأن مسألة التحكيم. يتعلق هذا القرار بدعاوى جارية تمنعنا من الإدلاء بأي تعليقات لحين اكتمالها”.
يتمثّل موقف إدارة مانشستر سيتي الرسمي في أن النادي لم يخالف أي قواعد. لكن إدارة السيتي اعترفت في إطار إجراءات التقاضي أن رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تشتبه في وجود تجاوزات مالية. وقال الفريق القانوني للنادي أمام المحكمة: “يؤكد الدوري الإنجليزي الممتاز أن تقارير [وسائل الإعلام] تحتوي على معلومات تشير إلى حدوث انتهاكات للقواعد”.
رفضت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الأيام الأخيرة الرد على الأسئلة، ويفيد آخر تعليق للرابطة في هذا الملف، والذي يعود إلى سنة 2019، بأن تحقيقاتهم لا تزال جارية.
المصدر: ديلي ميل