ترجمة حفصة جودة
تعد معاملة العالم للاجئين اختبارًا كاشفًا لإنسانيتنا المشتركة، أقول ذلك كلاجئ مرّ بتجربة الصدمة وعانى آلام النزوح من دياره في أثناء الحرب الكورية بطفولتي، هذه المعاناة الإنسانية التي شهدتها بفراري من قريتي المحترقة مع والديّ، استمرت معي طوال حياتي.
هذا الأمر اعترف به قادتنا قبل 70 عامًا هذا الشهر عندما تم توقيع اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951، وهي معاهدة تاريخية مهمة شكلت العمود الفقري للحماية الدولية للأشخاص الفارين من الاضطهاد في بلادهم، ويجب أن تظل نجمًا هاديًا لجميع السياسات المحلية والدولية.
هذه المعاهدة مهمة جدًا اليوم بقدر أهميتها منذ 7 عقود، فقد وجد أحدث تقرير عن الاتجاهات العالمية لمفوضية شؤون اللاجئين أن هناك 82 مليون شخص مسجل أجُبروا على النزوح قسرًا من منازلهم عام 2020، من بينهم 26 مليون لاجئ فروا من بلادهم، هذا الرقم لن يتناقص مع استمرار الصراع وانعدام الاستقرار.
ومع ذلك فقد تم تجاهل جميع الضمانات لمعاهدة 1951، ومع وصول النزوح القسري لمستويات غير مسبوقة، ما زالت ردود فعل الدول المزدهرة في شمال الكرة الأرضية مدفوعة بالخوف والمصالح الذاتية.
ما زالت أستراليا محافظة على سياستها التمييزية الدائمة تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد بشكل غير شرعي عبر القوراب، إذ تنقلهم قسرًا وتحتجزهم في دولة بابوا غينيا الجديدة وجزيرة ناورو
تلاعب السياسيون الشعبويون والقوميون وأحيانًا العنصريون بمخاوف الشعوب وجهل اللاجئين لتحقيق مكاسب انتخابية، تاركين اللاجئين والمهاجرين في وضع أكثر تهميشًا وعرضة للانتهاك بما في ذلك الاعتداءات البدنية.
بدلًا من توفير الحماية، يرغب بعض أصحاب السلطة في إغلاق طرق اللجوء وتطبيق إجراءات عقابية ضد هؤلاء الذين يمارسون حقهم في طلب اللجوء عبر طرق غير شرعية، ويجبرون الناس على العودة إلى الأوضاع المجهولة.
خلال الخمس سنوات الأخيرة، أعادت هولندا والسويد وألمانيا والنمسا وفنلندا لاجئين أفغان بعد رفض طلبات لجوئهم، فأعادوهم قسرًا إلى كابول وسط فترات من الحرب وانعدام الأمان الحاد، لكن التهديدات باستيلاء طالبان على أفغانستان مرة أخرى سيخلق موجة أخرى من اللاجئين خاصة بين النساء والفتيات اللاتي يواجهن وحشية هذا النظام.
أما الدنمارك الآن فتعيد تقييم تصاريح الإقامة المؤقتة للاجئين السوريين الذين تعود أصولهم إلى دمشق وضواحيها، معللة ذلك بأن الوضع آمن الآن للعودة هناك في تلك المناطق رغم الطبيعة القمعية لنظام الأسد.
هناك دول أخرى لا تسمح للنازحين بالبقاء داخل حدودها في أثناء طلبهم للجوء، فما زالت أستراليا محافظة على سياستها التمييزية الدائمة تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد بشكل غير شرعي عبر القوراب، إذ تنقلهم قسرًا وتحتجزهم في دولة بابوا غينيا الجديدة وجزيرة ناورو، كان لهذه السياسة تأثير مدمر على الصحة الجسدية والنفسية لهؤلاء اللاجئين وعائلاتهم، فهذا النوع من السياسات بمثابة إهانة للكرامة الإنسانية.
ينص قانون المملكة المتحدة الجديد “الجنسية والحدود” على إبعاد طالبي اللجوء خارج البلاد، متبعًا بذلك الخطى المدمرة التي أسستها أستراليا، إضافة إلى ذلك فهو يقترح نظام من مستويين سيساهم في التمييز ضد هؤلاء الذين وصلوا إلى البلاد بطرق غير شرعية حتى لو نجح طلب اللجوء، ما يحكم عليهم فعليًا بحياة النسيان والحقوق المهضومة.
تطبيق هذه الاقتراحات سيكون سابقة خطيرة في أوروبا، وهو أمر يجب أن ترفضه بقية الدول الأوروبية بشكل حاسم، فهذه الإجراءات – المصممة لتجنب أو تحويل المسؤولية – تناقض معاهدة 1951 والميثاق العالمي للاجئين والمبادئ الأساسية لمشاركة المسؤولية والتضامن العالمي.
طالبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الاتحاد الأوروبي بالالتزام بتحقيق 40% على الأقل من الهدف العالمي لتوطين مليون لاجئ بحلول عام 2028
تقف سياسات اللجوء الرجعية في الشمال العالمي في تناقض صارخ مع كرم الدول النامية التي تستمر في احتواء نحو 86% من لاجئي العالم، فعلى سبيل المثال في فبراير/شباط 2021 منحت كولومبيا 10 سنوات من الحماية لما يقارب مليوني لاجئ ومهاجر فنزويلي في البلاد، ما يسمح لهم بالاندماج والتخطيط لمستقبلهم، هذه الأمثلة عار على الدول الغنية.
من الواجب على هذه الدول أن تتقدم وتوفر برامج توطين عالمية على نطاق هادف، يعد قرار الرئيس الأمريكي بايدن بإعادة مستويات التوطين الأمريكية بهدف 125 ألف شخص في السنة المالية الجديدة تطورًا مرحب به.
طالبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الاتحاد الأوروبي بالالتزام بتحقيق 40% على الأقل من الهدف العالمي لتوطين مليون لاجئ بحلول عام 2028 بما يعادل الالتزام بتوطين 36 ألف شخص في 2022، يجب أن يتبع ذلك وضع أهداف طموحة لعدة سنوات تتماشى مع هذا الالتزام.
عندما كنت أمينًا عامًا للأمم المتحدة التقيت العديد من الأطفال حول العالم خاصة في إفريقيا والشرق الأوسط، الذين ذكروني بتجربتي الأليمة كطفل تسببت الحرب في نزوحه، لهؤلاء وللكثيرين غيرهم: سأحرص على بقاء أزمة اللاجئين في قمة جدول الأعمال العالمي.
المصدر: تايم