ترجمة وتحرير: نون بوست
قد تحاول استخدام بطاقتك الائتمانية، لكنها لا تعمل، مثلما هو الحال مع أي شخص. وقد تحاول الولوج إلى بعض المواقع الإخبارية لمعرفة السبب، لكن يتعذّر عليك ذلك أيضا. ويستتبع ذلك حالة من الذعر التي تدفع الأشخاص إلى شراء كل ما يستطيعون، والهرع إلى سحب أموالهم من الصرافات الآلية إلى أن ينفذ ما بها من مخزون. في الحقيقة، يعد هذا النوع من الانهيار الكارثي الناتج عن تعطل الإنترنت ورادا أكثر مما يعتقد معظم الناس.
أنا أدير مشروع أطلس الإنترنت في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهدفنا هو تسليط الضوء على المخاطر طويلة المدى للإنترنت، حيث نجمع مؤشرات حول نقاط الضعف والعوائق التي تهدد استقرار الإنترنت. فعلى سبيل المثال، أين توجد نقاط الضعف في التوصيل العالمي للكابلات؟ توفر الكابلات المادية الموجودة تحت سطح البحر 95 بالمئة من عمليّة نقل الصوت والبيانات على الإنترنت. لكن بعض البلدان، على غرار تونغا، متصلة بدولة واحدة فقط مما يجعلها عرضة لهجمات قطع الكابلات.
يوجد أيضًا شبكات توصيل المحتوى التي تستخدمها مواقع الويب لجعل محتواها متاحا بسهولة لأعداد كبيرة من مستخدمي الإنترنت. وقد أدى انقطاع في شبكة توصيل المحتوى الخاصة بشركة فاستلي في 8 حزيران/ يونيو 2021 إلى تعطيل الوصول إلى مواقع الويب مثل “أمازون” و”سي آن آن” وباي بال” و”ريديت” و”سبوتيفاي” و”ذا نيويورك تايمز” وموقع حكومة المملكة المتحدة، لفترة وجيزة.
أكبر المخاطر التي تهدّد شبكة الإنترنت العالمية
نحن نأخذ قياسات من طبقات مختلفة من الحزمة التكنولوجية للإنترنت، على غرار الكابلات وشبكات توصيل المحتوى. وباستخدام هذه القياسات، نحدد نقاط الضعف في شبكة الإنترنت العالمية. وبناء على نقاط الضعف، نصوغ نظريات تساعدنا على فهم أجزاء الإنترنت المعرضة لخطر التعطيل، وعلى من ستؤثّر هذه الاضطرابات ومدى شدتها، كما نتنبأ بما سيجعل الإنترنت أكثر مرونة.
في الوقت الحالي، تواجه شبكة الإنترنت مخاطر مزدوجة. فمن جهة، يوجد خطر التوحيد الكامل في ظل تركز السيطرة على الإنترنت بشكل متزايد في أيدي بعض المنظمات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها بالأساس ومن جهة أخرى، يوجد خطر التفكّك حيث تهدد محاولات تحدي الوضع الراهن، لا سيما من قبل روسيا والصين، بزعزعة استقرار الإنترنت على مستوى العالم.
في حين أنه لا يوجد مسار واحد فقط مناسب للإنترنت، يمكن لمؤشراتنا أن تساعد صانعي السياسات والمنظمات غير الحكومية والشركات والنشطاء وغيرهم على فهم ما إذا كان لتدخلاتهم تأثيرها المنشود. والسؤال المطروح، لأي طرف أصبحت الإنترنت أكثر موثوقية، ولأي طرف أصبحت أقل استقرارا مما هي عليه بشكل متزايد؟ حوالي 3.4 مليار شخص باتوا يستخدمون الآن الإنترنت في دول مثل فيجي وتونغا وفانواتو، فأي نوع من الإنترنت سيرِثون؟
الإنترنت الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة
منذ سنة 2015 على الأقل، أصبحت الخدمات الأساسية التي تشغل الإنترنت مركزية بشكل متزايد في أيدي الشركات الأمريكية. وتشير تقديراتنا إلى أن الشركات الأمريكية والمنظمات غير الربحية والوكالات الحكومية يمكنها حظر مجموع 96 بالمئة من المحتوى الموجود على شبكة الإنترنت العالمية.
لطالما استخدمت وزارة العدل الأمريكية أوامر المحكمة التي تستهدف مزودي التكنولوجيا لحظر الوصول العالمي إلى المحتوى غير القانوني في الولايات المتحدة، مثل انتهاكات حقوق الطبع والنشر. لكن في الآونة الأخيرة، استفادت الحكومة الفيدرالية الأمريكية من صلاحيّتها بشكل كبير. في حزيران/ يونيو، استخدمت وزارة العدل أمرا من المحكمة للاستحواذ لفترة وجيزة على موقع إخباري إيراني لأن الوزارة قالت إنه ينشر معلومات مضللة.
بالنظر إلى التبعيات المتشابكة على الويب، مثل شبكات توصيل المحتوى، يمكن أن تؤدي خطوة خاطئة واحدة في تطبيق هذه التقنية إلى تدمير جزء أساسي من البنية التحتية للإنترنت، مما يزيد من احتمال حدوث انقطاع واسع النطاق.
في الوقت نفسه، تخاطر شركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها بإحداث فوضى. وخير مثال على ذلك الخلاف الأخير بين أستراليا وفيسبوك بشأن دفع مبالغ ماليّة لوكالات الأخبار مقابل نشر محتواها. وفي مرحلة ما، قام فيسبوك بحظر جميع الأخبار على منصته في أستراليا، ونتج عن ذلك أن العديد من الأشخاص في فيجي وناورو وبابوا غينيا الجديدة وساموا وتونغا وفانواتو فقدوا مؤقتا مصدرا إخباريا رئيسيا، لأنهم يعتمدون على اشتراكات الهواتف المحمولة المدفوعة مسبقا التي تتضمن خصما على استعمال منصة فيسبوك. مع زيادة وتيرة هذه المناوشات، من المحتمل أن تعاني البلدان في جميع أنحاء العالم من اضطرابات في اتصال الإنترنت.
الإنترنت المتقطّعة
بطبيعة الحال، ليس الجميع سعداء بخدمات شبكة الإنترنت التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، حيث تضيق روسيا الخناق على النشاط في تويتر، وتمنع الصين المستعملين من استخدام غوغل. ومن شأن هذه المناورات المحلية أن تهدد بالتأكيد بحصول انهيارات محلية. تقوم الهند حاليا بقطع الإنترنت بشكل منتظم على المستوى الإقليمي خلال الاضطرابات المدنية. لكن في المجمل، تمثّل هذه المناورات تهديدا عالميا أكبر: وهو تقطّع الإنترنت. يهدد اتصال الإنترنت المتقطّع حرية التعبير والتجارة والتعاون العالمي في العلوم.
مثلما تراقب البنوك المركزية مقاييس التضخم والتوظيف لتقرر كيفية تحديد الأسعار، فإنه يتحتم على حوكمة الإنترنت أن تتبع نفس النهج أيضا
علاوة على ذلك، يزيد تقطّع الإنترنت من مخاطر الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأساسية للإنترنت. في شبكة الإنترنت العالمية، تضر الهجمات على البنية التحتية بالجميع، لكن شبكات الإنترنت القوميّة ستغير تلك الحسابات. تمتلك روسيا مثلا القدرة على فصل نفسها عن شبكة الإنترنت العالمية مع الحفاظ على استمرار الخدمة على نطاق محلي. وبهذه الطريقة، يمكنها مهاجمة البنية التحتية العالمية للإنترنت دون الخوف من خطر إزعاج سكانها المحليين. في المقابل، قد يؤدي هجوم معقد ضد شركة أمريكية إلى انقطاع الإنترنت على نطاق واسع.
مستقبل الإنترنت
خلال معظم تاريخها، كانت الإنترنت مفتوحة على نطاق واسع ولكن بشكل غير كامل، حيث يمكن الوصول إلى المحتوى في أي مكان عبر الحدود. وربما يكون هذا الانفتاح بسبب هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت – وليس على الرغم من ذلك.
وسواء كانت هذه النظرية صحيحة أم لا، من غير المرجح أن تتواصل هيمنة الولايات المتحدة على الإنترنت. يواجه الوضع الراهن تحديات من أعداء الولايات المتحدة وحلفائها التاريخيين وشركات التكنولوجيا المحلية. في غياب الإجراء المناسب، سيجد العالم نفسه أمام مزيج من القوة الأمريكية غير المراقبة والمناوشات اللامركزية المخصصة.
في هذه البيئة، يصبح توفير اتصال مستقر بالإنترنت وعابر للحدود الوطنية للأجيال القادمة بمثابة تحد، وهذا يتطلب العمل بدقة وإحكام، وهنا يأتي دورنا نحن. لجعل الإنترنت أكثر استقرارا عالميا، يحتاج الناس إلى اعتماد بعض القياسات لفهم نقاط التعقيد ومواطن الضعف. ومثلما تراقب البنوك المركزية مقاييس التضخم والتوظيف لتقرر كيفية تحديد الأسعار، فإنه يتحتم على حوكمة الإنترنت أن تتبع نفس النهج أيضا وتعتمد في عملها على المؤشرات مهما شابها من نقائص.
المصدر: ذا كونفرسيشن