ترجمة وتحرير نون بوست
في 4 آب/أغسطس 2020، كنت في منزلي ببيروت حوالي السادسة مساء، بصدد كتابة تقرير عن النظام المصرفي المتعثر في لبنان. دون سابق إنذار، شعرت بأن العالم يرتجف. كنت أظن أنه زلزال، ركضت إلى الباب تحسبا لانهيار الجدران. انفجرت النوافذ الخلفية للشقة نحو الخارج وانهمر وابل من الزجاج.
خلال لحظات الهدوء التي أعقبت الانفجار، شاهدت أوراقًا تتطاير في الهواء من مبنى المكاتب المقابلة، ثم سمعت صراخ القائم بأعمال المبنى على ابنه.
كنا محظوظين بشكل لا يصدق. يقع الحي الذي أسكن فيه على بعد ميل واحد جنوب موقع الانفجار، حيث قتل العشرات من الأشخاص. أدى الانفجار إلى تدمير المباني وتطاير الناس في الهواء مثل الدمى. اندفع الجرحى الذين تمكنوا من المشي نحو المستشفيات المدمرة جزئيًا ضمن منطقة الانفجار، ووجدوا أطباء وممرضات ومرضى قتلى بسبب ما حدث.
في الحقيقة، فعلت ما سيفعله أي مراسل لم يصب بأذى وحاولت معرفة ما حدث. مررت بجانب الجيران المذعورين في طريقي إلى سطح المبنى الذي أسكنه. من المؤكد أن مكان الدخان المتصاعد سيساعدني في تحديد مكان انفجار شاحنة مفخخة، أو ربما من المحتمل أنها كانت غارة جوية. كانت بيروت قد مرّت بحرب أهلية طويلة انتهت سنة 1990، وحرب أخرى استمرت لمدة شهر سنة 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل، وقد أدت هذه الحروب إلى تفجير العديد من السيارات المفخخة.
لكن من سطح المبنى المكوّن من ستة طوابق، رأيت سحابة وردية شاهقة، أشبه بنسخة ضخمة من حلوى غزل البنات التي تباع للسياح على الواجهة البحرية لبيروت. حدّقت فيها لمدة أربع دقائق، وبدا الأمر غريبا.
أدت المتفجرات إلى تصاعد الدخان الوردي، وسرعان ما اكتشف الشعب اللبناني أن المسؤولية عن الحادث تقع على عاتق قادتهم.
في اليوم السابق للانفجار، استقال وزير الخارجية اللبناني، ناصيف حتي، معلنا أن البلاد “تنزلق إلى أن تصبح دولة فاشلة” وأن قادتها لا يرغبون في القيام بإصلاحات جدية.
كانت السحابة الوردية تعكس ذلك الفشل الذي بات جليا للجميع. لم تتعرض بيروت لهجوم إرهابي ولم تُقصف من جيش معادٍ. علمنا في النهاية أن أحد المستودعات في مرفأ بيروت قد اشتعلت فيه النيران ثم اندلع انفجار بقوة تعادل واحد على عشرين من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما.
لماذا حدث هذا الانفجار؟ الإجابة هي أنه لمدة ست سنوات لم يتحمل أي شخص في السلطة مسؤولية 2750 طنًا من نترات الأمونيوم، والتي تمت إزالتها بأمر من المحكمة من سفينة غارقة في الميناء وتُركت لتتعفن في قلب المدينة.
تسببت المتفجرات في تصاعد الدخان الوردي، لكن سرعان ما اكتشف الشعب اللبناني أن المسؤولية عن وفاة أحبائهم تقع على عاتق قادتهم، ومعظمهم من أمراء الحرب القدامى الذين نجوا من الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة، والذين صادقوا على اتفاق الطائف سنة 1990.
قسمت اتفاقات الطائف التي أنهت الصراع اللبناني مقاليد السلطة بين 18 طائفة، وصُممت لتحقق التوازن المؤقت بين جميع الأطراف، لكنه كان توازنا هشا.
بعد ثلاثة عقود، لا تزال المجموعة نفسها من المسؤولين وأسلافهم تستخدم النموذج الطائفي لتقاسم غنائم نظام فاسد وغير مجد متهم بإهدار مليارات الدولارات.
يلقي “حزب الله” بظلاله على كل هذا النظام، وهو القوة الحقيقية في لبنان حاليا. بدعم من إيران وحليفتها سوريا، تحوّل “حزب الله” من ميليشيا شيعية أسسها عدد من رجال الدين سنة 1982، إلى حزب سياسي له تأثير كبير على مصير البلاد. في بعض الأحيان، يوصف “حزب الله” بأنه دولة ظل، ويُعتقد على نطاق واسع أنه إحدى الفصائل التي تستخدم ميناء بيروت لعمليات التهريب.
في الأيام التي أعقبت الانفجار، راجت بعض الشائعات بين اللبنانيين حول ما إذا كان الانفجار بسبب مخبأ للأسلحة. في هذا السياق، صرح زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في خطاب متلفز بعد أيام قليلة: “أنفي بشكل قاطع وجود أي صواريخ أو أي مواد لنا في أي مستودع بالميناء”.
صورة لمروحية وهي تخمد النار المندلعة في مكان الانفجار بمرفأ بيروت. لمدة ست سنوات، لم يتحمل أحد المسؤولية عن 2750 طنًا من نترات الأمونيوم التي تُركت في قلب المدينة.
مما لاشك فيه أن لهذه الجماعة دور في الإخفاقات التي أدت إلى الانفجار والشلل السياسي الذي أعقبه. في هذا الصدد، تقول لينا الخطيب، رئيسة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، وهي خلية تفكير تتخذ من لندن مقرا لها: “لعقود من الزمن، كان لبنان يُحكم من خلال التوافق بين النخب السياسية المختلفة”. وتضيف: ” تحوّل نموذج الحكم الآن إلى سيطرة حزب سياسي واحد وهو حزب الله”.
أسفر الانفجار عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف، وتسبب في خسائر تقدر بنحو أربعة مليارات دولار. كان الانفجار بداية سقوط جديد للبلاد، حيث غرق لبنان لمدة سنة كاملة في فوضى اقتصادية واضطرابات اجتماعية.
اليوم، تجد الدولة نفسها على شفا الانهيار. في 15 تموز/ يوليو، استقال رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بعد ما يقارب 10 أشهر من الفشل في تشكيل حكومة جديدة.
في مؤتمر صحفي خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، سأل صحفي غاضب من فشل قادة البلاد في تشكيل حكومة، الرئيس ميشال عون: “إلى أين يتجه لبنان؟” أجاب السياسي البالغ من العمر 87 سنة: “إلى الجحيم”.
تجمع الناس في شوارع بيروت في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لإحياء الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
بعد أربعة أيام من الانفجار، شاهدت المتظاهرين يحتشدون في ساحة بيروت الرئيسية، ويضربون أي سطح معدني يمكنهم العثور عليه بالحجارة. حمل كثيرون المكانس التي كانوا يستخدمونها لتنظيف الشوارع، واصفين قادتهم بالقتلة. حاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، لكن الذين أعطوا الأوامر كانوا يشعرون بالقلق والتوتر من الوضع. بعد يومين، استقال رئيس الوزراء حسان دياب.
بدأت أطلب إجراء مقابلات مع بعض المسؤولين من الطبقة السياسية في لبنان، لمعرفة ما إذا كانوا سوف يتحملون مسؤولية الأزمة في البلاد – وما إذا كانت لديهم أي خطط لإصلاحها. كنت أرغب في التحدث إلى “حزب الله” بشكل رسمي، لكن الحزب رفض معظم الطلبات التي قدمها الصحفيون الأجانب لإجراء مقابلات معهم مفضلا بث الخطب الطويلة لنصرالله البالغ من العمر 60 عاما، والذي يعيش مختبئا خوفا من محاولات الاغتيال الإسرائيلية.
كان وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية أحد أوائل السياسيين الذين أجريت مقابلات معهم. لقد كان قائدًا لميليشيا خلال الحرب الأهلية، وساهمت سياسته في العقود التي تلت ذلك في النأي بطائفته الصغيرة بعيدا عن المشاكل. لسنوات، كان الدبلوماسي الوحيد الذي يتم استدعاؤه في المنابر الإعلامية لشرح طبيعة التوازنات السياسية في لبنان.
كان جنبلاط بارعا في ذلك بشكل خاص لأنه ساعد في تشكيل هذا النظام. ورد في برقية دبلوماسية أمريكية عام 2006 أنه “في كل الأحوال، قد يكون وليد جنبلاط الشخص الوحيد المسؤول عن المرحلة التي يشهدها لبنان اليوم”. في ذلك الوقت، كان جنبلاط يلعب دورا مركزيا في الانتفاضة التي اندلعت بعد الحرب الأهلية التي اشعلها اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والتي أدت في نهاية المطاف إلى التخلص من الاحتلال السوري للبنان الذي دام 15 عاما.
عندما سألت وليد جنبلاط عن الشخص المسؤول عن مأزق لبنان، أشار إلى زملائه من أمراء الحرب وقال إنه مسؤول أيضا عما يحدث، مضيفا أن “القوة الرئيسية على أرض الواقع هي حزب الله”
عندما التقينا في منزله ببيروت، أخبرني الرجل البالغ من العمر 71 عاما أنه لا ينام جيدا، واشتكى من “الأرق والتوتر”. كان يرتدي سروال جينز أزرق وسترة من الجلد، وهو مظهره المعتاد منذ مقتل والده السياسي كمال جنبلاط الذي دفعه إلى دخول عالم السياسة قبل أكثر من 40 عاما. لطالما كان جنبلاط يخشى أن يتعدى “حزب الله” على المناطق الخاصة بطائفته في جبال الشوف، حيث تملك عائلته قصرا موروثا عن أسلافه. وعندما سألته عن الأشخاص المسؤولين عن مأزق لبنان، ذكر جميع أمراء الحرب، وهو منهم، قائلا إن جميعهم “عرّابو” النظام، مضيفا أن “القوة الرئيسية على أرض الواقع هي حزب الله”.
يشير جنبلاط إلى أن “حزب الله” أضرّ بعلاقات لبنان مع الولايات المتحدة (صنفت واشنطن الجماعة على أنها منظمة إرهابية، وفرضت عقوبات على سياسيين مرتبطين بها ورجال أعمال وبعض البنوك). ويقول جنبلاط: “لبنان في مأزق كبير بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني…لكن العقوبات لن تُضعِف حزب الله”. لماذا؟ “لأنهم يتمتعون باستقلالهم الذاتي، وهو استقلال مالي، كما أن لديهم مؤسساتهم الخاصة. ولا أرى أن قوّتهم تضعف مثلما يتمنى الأمريكيون”.
سألته عما يجب فعله بشأن سلاح الحزب، والذي سُمح لهم بالاحتفاظ به كجزء من اتفاق الطائف، على الرغم من أن الميليشيات الأخرى قد أُجبرت على نزع سلاحها. أجابني: “لا يمكنك فعل أي شيء. لا تحاول أن تضيع وقتك”.
في كل مرّة كنت أشرب فيها الشاي مع مسؤولي “حزب الله” من المستوى المسموح له بالتحدث مع الصحافة بشكل غير رسمي، كانوا يصرون على أن الإعلام الغربي يسيء فهم الحزب. لا يخفي هؤلاء حقيقة علاقتهم مع إيران، لكنهم يقولون إنهم موجودون لحماية لبنان من العدوان الإسرائيلي ومساعدة الفئة الأكثر تهميشا تاريخيا في لبنان، وهم المسلمون الشيعة. في الواقع، يوزّع “حزب الله” المساعدات على أنصاره ويحظى بدعم كبير من الشيعة، كما فتح مرافق اختبار ومراكز عزل عندما انتشر فيروس كوفيد-19.
منقذ الشعب: يقول المراقبون إن الطريقة التي يبعد بها “حزب الله” الشبهات عن نفسه هي توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف أخرى النأي بنفسه عن الحكومة. يظهر المؤيدون في الصورة دعمهم للزعيم حسن نصر الله في سهل البقاع اللبناني.
توسّع نفوذ “حزب الله”، وأشارت الولايات المتحدة إلى أنه أصبح يملك ترسانة صواريخ متطورة وكبيرة وشبكة إجرامية دولية تساعد في تمويل أنشطته، كما يرسل شبابا للقتال في دول أخرى، وخاصة في سوريا. يحظى “حزب الله” بسيطرة كاملة على جنوب بيروت لدرجة أن الصحفيين يحتاجون إلى طلب إذن لتغطية الأخبار من هناك، أو يتم اعتقالهم.
سألت جنبلاط ما إذا كان لبنان بلدا فاشلا، فقال: “في الوقت الحاضر، نعم”، مضيفا أن الوضع لم يكن دائما على هذا النحو، “لقد كان لدينا قادة عصريون…ولكن مع مرور الوقت حلّ الدمار والحرب الأهلية والفساد”. كان جنبلاط من بين القادة اللبنانيين المتهمين بالمشاركة في تدمير لبنان، لكنه رد عندما سألته عما إذا كان يشعر بأي ندم لأنه كان جزءا من ميليشيا جعلت البلاد تجثو على ركبتيها، بأنه “قد فات الأوان للاعتذار. دع التاريخ يحكم عليّ”.
في نفس الشهر، قمت بزيارة أمير حرب سابق آخر، هو سمير جعجع، الذي يرفض هذه التسمية، ويُطلق عليه مؤيدوه اسم “الحكيم” أو الطبيب بسبب خلفيته الطبية. من بين كل الذين نجوا من الصراع الأهلي وتقلدوا مناصب قيادية، كان جعجع الوحيد الذي قضى 11 عاما في الحبس الانفرادي لارتكابه جرائم سياسية وجرائم حرب، لكنه يكرر دائما أن هذه التهم ملفّقة. يعيش جعجع اليوم في قصر فخم على قمة تل، بينما تشغل زوجته منصبا في البرلمان. اضطررت إلى المرور بالعديد من حراس الأمن الذين يرتدون ملابس سوداء لأتمكّن من مقابلته. في أبريل/ نيسان 2012، كاد قناص أن يصيبه بطلق ناري وهو يسير في الحديقة.
سمير جعجع، أحد المعارضين القدامى لحزب الله، أصيب بخيبة أمل من محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جمع الأطراف اللبنانية بعد الانفجار، فانسحب من عملية تشكيل الحكومة.
بعد وقت قصير من الانفجار، جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قادة لبنان، بمن فيهم ممثل عن حزب الله، وحثهم على تنحية خلافاتهم جانبا والعمل على تشكيل حكومة جديدة ذات مصداقية. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يصف الجناح العسكري لحزب الله بأنه منظمة إرهابية، يعتقد ماكرون أنه لا يمكن إحراز تقدم دون إشراك الحزب في العملية السياسية.
يقول جعجع: “أجاب ماكرون على 1001 سؤال، لكنني لم أستطع التوصّل إلى أي خلاصة من كلامه. كل ما أراده هو أن يكون لطيفا مع جميع الأطراف من أجل إتمام الاتفاقية”. صرّح ماكرون بأنه يجب تشكيل الحكومة بحلول 15 أيلول/ سبتمبر، لكن كانت لدى جعجع خطط أخرى، فقام بسحب حزبه من عملية تشكيل الحكومة، وهو يركّز اليوم على انتخابات 2022.
لطالما عارض جعجع حزب الله، حتى أن ميليشياته، أي القوات اللبنانية، كانت متحالفة مع إسرائيل أثناء احتلال جنوب لبنان في الثمانينيات. ويحذر جعجع من أن “حزب الله يستخدم قوته العسكرية للتأثير على الحياة السياسية”. إلى جانب ذلك، جعجع هو أيضا عدو لحلفاء “حزب الله” المسيحيين، التيار الوطني الحر، الذي أسسه الرئيس الحالي وقائد الجيش السابق ميشال عون. وفي إشارة إلى قوة الكتل السياسية في البرلمان، يؤكد جعجع بأن “كلا من “حزب الله” وحزب أمل (وهو حزب سياسي شيعي آخر) قد تحالفا مع التيار”.
قبل أيام قليلة من لقائنا، نشبت مشاجرات بين أنصار جعجع والتيار الوطني الحر بالقرب من منزلي. يتابع جعجع: “نحن ننحدر في الواقع من منظمة عسكرية ولكننا اليوم نمثّل حزبا، لذلك سيكون لدينا دائما هذا النوع من الانضباط بين صفوفنا… لكن أن نصبح من جديد منظمة عسكرية؟ لا أعتقد أن ذلك ممكن”.
ويضيف محذّرا: “لنفترض نظريا أن الجيش لا يستمر في الدفاع.. [أو] …أننا وجدنا أنفسنا في وضع مشابه لما حدث سنة 1975، حيث انهارت الدولة فجأة بشكل كامل وأصبح هناك خطر. سنشرع بالطبع في إعادة تقوية أنفسنا”. لم يكن أي منا يعلم أن قائد الجيش جوزيف عون سيطلق تحذيرا يفيد بأن القوات المسلحة اللبنانية ليس لديها أموال كافية لتستمر حتى عام 2021.
الشتاء
ممرضة داخل مستشفى في بيروت. إلى جانب كل مشاكل لبنان، توجّب على البلاد أن تكافح فيروس كورونا.
انهارت الليرة اللبنانية وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 400 بالمئة مقارنة بالعام السابق. وقد اتهم القاضي الذي يقود التحقيق حول انفجار الميناء رئيس الوزراء حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بالإهمال الجنائي.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأت الصيدليات تشهد نفادا في الأدوية الحيوية، بما في ذلك أدوية السرطان، حيث أصبح الناس مضطرين للذهاب إلى أكثر من صيدلية للعثور على الأدوية التي يحتاجونها.
مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية وندرة الدولار، أصبح استيراد السلع الأساسية الأخرى أمرا صعبا أيضًا. بذل الكثير من اللبنانيين قصارى جهدهم لتخزين ما يستطيعون. حاولت إقناع صديق أرمل، محمد، وهو أب لطفلين، بعدم بيع كليته لدفع ثمن تذاكر الطيران خارج البلاد. وفي النهاية، لم يتطابق نسيجه مع المتلقي المقصود.
لماذا انهار الاقتصاد بهذه السرعة؟ قال لي توفيق غاسبار، مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي وخبير اقتصادي لبناني: “لقد كان مخطط بونزي، هل تعلم؟ مخطط بونزي أصبح بمعنى ما مستداما ذاتيا”. كان غاسبار من أوائل الذين حذروا من الأرقام التي تنذر بحدوث انهيار على الرغم من أن الاقتصاد بدا على ما يرام في سنة 2018.
ينتج لبنان القليل، لكن لديه تصدير واحد قيم للغاية: المهاجرون. لسنوات، ساعد الشتات الاقتصاد على النمو من خلال إعادة الأموال والاستثمار في العقارات وأموال التقاعد. وقد وجد الأثرياء من البلدان الأخرى ذات الاقتصادات الأكثر انغلاقا، مثل سوريا، لبنان مكانا مرحبا به لتجميع أموالهم. لكن اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في سنة 2011 أثار قلق المستثمرين. وبدأ تدفق الدولارات في الانحسار.
من خلال مخطط بونزي، يعني غاسبار الطريقة التي يستخدمها محافظ مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، لجذب الدولار الأمريكي إلى البلاد. وشمل ذلك تقديم معدلات فائدة من رقمين للبنوك التجارية لإيداع دولاراتها في مصرف لبنان. وساعدت العملة الصعبة في تمويل الواردات والدين الحكومي المتزايد. بدأ سلامة في استخدام ما وصفه “بالهندسة المالية” في سنة 2016، التي قال إنها ضرورية للدفاع عن ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي. أخفت هذه العمليات الضعف الاقتصادي في لبنان وعززت أرباح البنوك التجارية. أكد غاسبار أن “الطبقة السياسية كلها استفادت من سخاء رياض سلامة. لقد ظل يقول إن الليرة اللبنانية جيدة، كل شيء على ما يرام. لذلك أهملوا الاقتصاد”.
في النهاية، تعثّر المخطط. وقد كشف نقص الدولار في سنة 2019 عن تعريض الحكومة والبنك المركزي بشكل مفرط البنوك إلى المخاطرة، من خلال ربط 70 بالمئة من ودائعها – بما في ذلك 110 مليار دولار مجمدة في مصرف لبنان – بأدوات دين على الدولة، أي ما يقرب من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لسنة 2018.
منذ إغلاق البنوك، حاول المودعون يائسين سحب أموالهم، لكن البرلمان فشل في تمرير قانون ضوابط رأس المال لمنع التهافت على البنوك. لذلك، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فرضت البنوك قيودا شديدة على عمليات السحب النقدي. ومع ارتفاع التضخم، اضطر المواطنون اللبنانيون إلى مراقبة قيمة مدخراتهم وهي تتراجع. فرضت السوق السوداء الغامضة – التي تدار غالبا عبر مجموعات منصات التواصل الاجتماعي – تقلبات الليرة التنازلية بشكل دراماتيكي. لقد أصبحت السوق السوداء المكان الوحيد للحصول على الدولارات لأن البنوك لم تعد تصرفها.
في الوقت نفسه، وجد العملاء المهمّون ومديرو البنوك طرقا مبتكرة لنقل الأموال خارج البلاد، بما في ذلك عن طريق المراجحة بين سعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة لبنانية للدولار الأمريكي وأسعار أعلى بكثير في السوق السوداء. تحدثت إلى موظفي الفرع الذين قالوا إنهم سئموا من المعاملات التي أمروا بتسهيلها.
في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، توجهت إلى منزل جبران باسيل، زعيم التيار الوطني الحر. بالمقارنة مع جنبلاط أو جعجع، باسيل هو الوافد الجديد على السياسة. وهو صهر الرئيس عون، البالغ من العمر 51 سنة، الذي لم يترشح إلا للانتخابات النيابية منذ سنة 2005. وكانت أكبر تحركاته هي المساعدة في تشكيل تحالف بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر، الذي سلم عون الرئاسة في نهاية المطاف.
جبران باسيل، زعيم التيار الوطني الحر: “طبعا نحن مسؤولون عن انهيار لبنان. لكن أسهل شيء هو أن تبقى بعيدا عن السلطة وتقول إنك لست مسؤولا”.
أخبرني باسيل أن الصفقة تهدف إلى الحفاظ على “المساواة بين المسيحيين والمسلمين” أثناء “بناء الدولة. . . لقد نجحنا في الأولى وفشلنا في الثانية، وهنا نواجه مشاكل كبيرة مع حزب الله”. زعم باسيل أن “حزب الله” لا يساعد “في محاربة الفساد فعلا”. شغل باسيل منصب وزير الاتصالات والطاقة والمياه لمدة ثلاث سنوات، ثم وزير الخارجية لمدة ست سنوات. وزارة الطاقة مسؤولة عن شبكة الكهرباء اللبنانية المضطربة بشكل دائم.
اعترف باسيل بأن لبنان “انهار”. هل هو والقادة الآخرون مسؤولون؟ قال باسيل: “بالطبع نحن مسؤولون. لكن أسهل شيء هو أن تبقى بعيدا عن السلطة وتقول إنك لست مسؤولا. بالطبع لا يمكنك القول لا علاقة لي بكل هذا، كما تعلم. نعم فشلنا في جلب الكهرباء. لكنني لا أقبل أن يقول لي الناس أنت فاسد”. ونفى مزاعم الإثراء الذاتي، قائلا إنه كان حتى وقت قريب نسبيا مدينا بثلاثة ملايين دولار. عندما غادرت منزل باسيل الخاضع لحراسة مشددة، بإطلالته الساحرة على البحر الأبيض المتوسط، كان السفير الروسي والوفد المرافق له قد توقفوا أمام المكان.
بعد يوم من مقابلته مع “الفاينانشيال تايمز”، وصفت وزارة الخزانة الأمريكية باسيل بأنه نموذج “الفساد المنهجي في النظام السياسي اللبناني”. وزعمت أن باسيل استخدم مناصب رسمية لتوجيه أموال الحكومة إلى “أفراد مقربين منه” عبر شركات واجهة وعاقبته بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي.
الربيع
بيروت في ظلام دامس خلال انقطاع التيار الكهربائي في نيسان/ أبريل. نظرا لأن الضائقة الاقتصادية تضغط على البنية التحتية المتهالكة بالفعل، فقد استمرت الانقطاعات في بعض أجزاء البلاد لمدة تصل إلى 22 ساعة في اليوم.
أصبح الوضع في لبنان أكثر خطورة. في شباط/ فبراير، عُثر على ناشر وناقد بارز لحزب الله يُدعى لقمان سليم مقتولا بالرصاص في أراضي الجماعة المتشددة. ونفى “حزب الله” تورطه. لكن قبل اغتياله، كان سليم على اتصال مع مبيض أموال تابع لحزب الله، واستكشف السبل التي يمكن أن ينشق بها هذا الأخير، وفقا للمستشارة منى علمي.
تزخر الساحة السياسية اللبنانية بقضايا جرائم قتل لم تُحل منذ استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1943. وكان رياض الصلح، أول رئيس وزراء لبناني يتم اغتياله في سنة 1951. تسارع هذا الاتجاه الكئيب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث قُتل أكثر من عشرة صحفيين ومسؤولين أمنيين وسياسيين بالرصاص أو وقع تفجيرهم على مدى عدة سنوات، وكان أبرزهم رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
كان الضحية الأخرى محمد شطح، وهو سني ووزير مالية سابق محسوب على تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري، حيث قُتل في انفجار سيارة مفخخة سنة 2013. خلال الأسابيع الأخيرة من حياته، كان شطح في مفاوضات مع النظام الإيراني بشأن حزب الله، وفقًا لابنه روني. لقد تحدثت إلى روني، مضيف بودكاست يبلغ من العمر 40 سنة، عبر محادثة فيديو في شباط/ فبراير. كان فيروس كورونا يمزق لبنان ويحصرنا في بيوتنا. وهو يعتقد أن أفعال والده هددت بطريقة ما “حزب الله” وأدت إلى مقتله (علما بأن “حزب الله” ندد بعملية القتل).
إن العنف يُبقي لبنان مشلولا. وقال روني: “إذا كان سعد الحريري يتجاوز الحدود فعلا، فكان سيقع نفيه نهائيا أو اغتياله مثل والده. في اللحظة التي تتجاوز حدودك تُقتَل أو تتعرض للترهيب أو تصل إلى مواقف لا يمكنك إحداث تغيير فيها”. سألت شطح لماذا يبدو أن قصة لبنان بها عدد قليل جدا من الأبطال. صمت قليلا ثم أجاب: “في الحقيقة، لقد ماتوا جميعا. . . إنهم معارضون للطريقة التي تم بها إعادة توحيد لبنان بعد انتهاء الحرب. وماتوا وهم يتحدون هذا الاضطراب السياسي”.
الناشطة الطلابية لارا صبرا: “جزء من هذا النضال السياسي، هذه النشاطية، هو رفضنا المغادرة”.
يشعر الكثير من الشباب اللبنانيين بمستوى مماثل من اليأس. في وقت لاحق من ذلك الشهر تحدثت إلى لارا صبرا، وهي طالبة تبلغ من العمر 23 سنة ورئيسة النادي العلماني بالجامعة الأمريكية في بيروت.
قبل الانفجار بمدة طويلة، شاركت صبرا في ثورة احتجاجات لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حينما كانت الأزمة المالية تكتسب زخمًا. وأخبرتني أن طبيعة مشاركتها في احتجاجات 2019 كانت وجودية، قائلة: “لم يكن نضالي مقتصرا على بعض المفاهيم مثل المساواة أو الظلم فقط، بل كنت أحارب في سبيل أن أكون قادرةً على العيش في هذا البلد وبناء مستقبل هنا”.
جمعت التظاهرات مسيحيين ومسلمين من مختلف الطوائف اللبنانية ونجحت في إجبار رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري على الاستقالة، لكن النظام صمد في النهاية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، طلب البرلمان من الحريري العودة كرئيس وزراء مكلف.
كانت صبرا تصارع مشاعر التشاؤم لكنها مصممة على عدم الاستسلام، حيث قالت إن “جزءًا من هذا النضال السياسي وهذا النشاط يكمن في رفضنا المغادرة.. تريد الطبقة السياسية والمؤسسة أن يغادر الشعب، لأنهم يرغبون في تقليل الأعداد المعادية لهم”.
مع ذلك، تستدرك صبرا، “هاجر العديد من أصدقائي ومعارفي من لبنان، وبعضهم بصدد التخطيط للهجرة”. لم يتمكن بعض الأشخاص من الرحيل، ومن بينهم رئيس الوزراء المؤقت حسان دياب. في 11 آذار/ مارس، التقيت بالأستاذ الجامعي السابق لإجراء مقابلة في شقته المريحة، حيث كان يعاني حينها من التهاب في العين، وبدا أنه قد تقطعت به السبل.
كان دياب قد حاول للتو الاستقالة مرة أخرى سعيًا لتحفيز الأحزاب السياسية على تشكيل حكومة جديدة دون جدوى، ومرت شهور من الجمود المستعصي بشأن تقسيم الحقائب الوزارية. جادل الحريري، بصفته رئيس الوزراء المكلف، بضرورة السماح له باختيار وزرائه بنفسه، لكن الرئيس عون تخطى حدود منصبه بحجبه ترشيحات الحريري. استعد دياب للقائنا بتجهيز قائمة مكتوبة بخط اليد لإنجازات إدارته، وقدم لي حلويات فواكه بلباقة ووصف نفسه بأنه “رهينة السياسة اللبنانية”. وينطبق الأمر ذاته على البلاد إحدى.
أثناء رحلتنا بالسيارة جنوبًا من بيروت في ذلك الشهر، اعترضتني أنا وصديقي العديد من الحواجز المحترقة. مع عدم وجود أي شخص مسؤول عن إنقاذ القطاع المصرفي، ووصول سعر الصرف إلى 10 آلاف ليرة لبنانية مقابل الدولار، ما الذي يمكن أن يفعله المحتجون غير إثارة فوضى مرورية عن طريق إشعال الحرائق؟
لم يكن لدى صديقي محمد القدرة على العمل بسبب إجراءات الإغلاق، لذلك كان يجد صعوبة لإطعام أطفاله. لحسن الحظ، جاء شهر رمضان، الشهر المقدس عند المسلمين حيث يصومون قبل وجبة الإفطار الكبيرة. وقد كان “حزب الله” يوزع المئات من علب الإفطار التي تحمل الأرز والدجاج والسلطة، والتي كان محمد يأخذ منها قدر المستطاع.
الصيف
الناس يصطفون لساعات للحصول على البنزين في بيروت.
- يصل سعر الليرة اللبنانية إلى 23 ألف مقابل الدولار
- يستمر انقطاع التيار الكهربائي في بعض مناطق لبنان لمدة تصل إلى 22 ساعة في اليوم
- يتخلى سعد الحريري عن محاولة تشكيل حكومة، ويُنصّب محله نجيب ميقاتي الملياردير ورئيس الوزراء السابق.
في مطلع حزيران/ يونيو، حذر البنك الدولي من أن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان “من المرجح أن تصنف ضمن المراتب العشرة الأولى، وربما الثلاثة الأولى، في قائمة أشدّ الأزمات حدة على الصعيد العالمي منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
تراكمت النفايات التي لم يجر جمعها في الشوارع، وتسبب نقص الوقود في تشكيل طوابير طويلة لساعات خارج محطات الوقود. وبحكم الواقع، أدى انهيار قيمة العملة بنسبة 90 بالمئة في حدوث تضخم مفرط، مما ترك أكثر من نصف سكان البلاد في حالة فقر. أغلقت العديد من الصيدليات أبوابها احتجاجًا على نفاد الأدوية وحليب الأطفال.
أخبرني صديق من طريق الجديدة في بيروت، وهو حي للطبقة العاملة، أنه لا يستطيع النوم لأن “الجو حار للغاية”. أسفر عدم وجود أي سلطة حكومية تذكر عن ارتفاع رسوم المولدات الكهربائية التي يديرها القطاع الخاص بحيث لا يمكن لأحد تشغيل أجهزة التكييف.
أهالي ضحايا الانفجار يتظاهرون أمام منزل وزير الداخلية اللبناني هذا الشهر.
في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في أكبر مستشفى عام في لبنان، غرّد مدير المستشفى فراس أبيض: “لا داعي لاستعمال المخيلة أو للتهويل، نحن في جهنم حقا”.
في الثامن من حزيران/ يونيو، وصف حسن نصر الله الطوابير على محطات البنزين بأنها “مشاهد إذلال”، وتعهد: “نحن في “حزب الله” نستطيع الذهاب إلى إيران والتفاوض مع الحكومة الإيرانية لشراء شحنات من الوقود”، ثم انتقد خصومه السياسيين، قائلا إن “المعنيين بتشكيل الحكومة بحاجة إلى الاستماع لأوجاع الناس والنظر بقلق إلى طوابير السيارات المصطفة للحصول على الوقود، وفقدان الكهرباء والأدوية”.
أشار المحللون إلى أن هذه الخطوة تعكس السياسية التقليدية لجماعة حزب الله: وهي النأي بنفسها عن الحكومة، وتوجيه أصابع الاتهام إلى جهات أخرى، وتصوير نفسها على أنها منقذة الشعب. وقد أشار خطيب من معهد شاتام هاوس إلى أن الجماعة تفضل العمل في “منطقة رمادية” حيث يمكنها تجنب اللوم عن فشل الدولة، قائلة: “لا أعتقد أنهم يفضلون الشلل السياسي، لكنهم يحبذونه إذا لم يتمكنوا من الحصول على ما يريدونه”. ينطبق هذا التفضيل للركود على سماسرة السلطة الأكثر ثباتا في لبنان، الذين يستمرون في الازدهار بسبب شبكات المحسوبية المتجذرة في نظام فاسد.
مع اقتراب الذكرى السنوية للانفجار، كنت لا أزال أطالب بالحصول على مقابلة مع رئيس الوزراء المكلف الحريري، واستمر أتباعه بإعطائي نفس الإجابة: “لا يستطيع التعليق حتى يتم تشكيل الحكومة”. لكن الدبلوماسيين الذين التقوا بالحريري قالوا إنهم قلقون، حيث كان هزيلاً ولم يبد أنه يحرز أي تقدم.
في 15 تموز/ يوليو، انتهى الأمر باعتذار الحريري للشعب. بعد قضاء 10 أشهر من المحاولة، لم يتمكن من تشكيل حكومة، بحجة أن عون (وضمنيًا حزب الله) قد حاصروه بخصوص الجهة التي تحمل مسؤولية الموافقة على الوزراء. ومن جهته، قال عون إن الحريري لم يكن مرنًا. عقب ذلك، تراجعت قيمة الليرة إلى 20 ألف مقابل الدولار، وعادت البلاد إلى نقطة الصفر.
سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. استقال في تموز/ يوليو بعد فشله في تشكيل حكومة بعد 10 أشهر من المحاولة.
سألني مغترب لبناني عن كيفية تعاملي مع الأزمة المتفاقمة، فقلت له إنني “أتكيف” معها. ووبخني لتبني ما أسماه “شعار القدرة على التأقلم”. مضيفا أن “هذا هو ما تسبب في كل مشاكلنا في لبنان”، وحجته في ذلك أن التكيف مع الظروف أصبح أقرب إلى الاستسلام لها.
تتضخم صفوف المغتربين اللبنانيين – حتى أن برنارد الحاج، أحد أكثر الفنانين الهجائيين الموهوبين في لبنان، قد انتقل إلى برلين. ويعلّق كثير ممن بقوا آمالهم على خطة إنقاذ دولية. لكن الخبير الاقتصادي غاسبار يرى أنه لا يمكن حل أي شيء ما لم يتم التعامل مع قضية حزب الله، وهو يوضح: “نحن تحت الاحتلال الإيراني من خلال وكلائهم. . . ما لم نعالج هذا الأمر، حتى لو أحضرنا كل هذه المؤسسات في العالم، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجميع البلدان في الغرب، فلن نتمكن من الخروج من جحرنا هذا”.
أشيد بلبنان لمرونته على مدى عقود. منذ الحرب الأهلية، واجهت البلاد سلسلة من الاغتيالات والسيارات مفخخة والطائرات الإسرائيلية وآثار حزب الله. وظل الشعب اللبناني يأمل في التغيير والإصلاح رغم كل ذلك. لكن شيئا ما قد تغير في السنة الماضية. بعد الانفجار، بدأ اللبنانيون المحبطون بالاستهزاء على منصات التواصل الاجتماعي من قدرتهم الشهيرة على التأقلم، وأطلقوا مصطلح “ienceذلre”، مشددين على ضرورة لفظ “زيل” – أو ذل باللهجة اللبنانية – لإكمال الكلمة الإنجليزية “ريزيلينس” التي تعني التأقلم.
عقود من الاضطرابات
أنصار زعيم “حزب الله” حسن نصر الله يشاهدون خطابه على شاشة كبيرة في أحد مساجد الضاحية الجنوبية لبيروت.
1999
15 سنة من الحرب الأهلية اللبنانية تنتهي باتفاق الطائف للسلام.
2005
رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري يُقتل في انفجار سيارة مفخخة، مما أثار احتجاجات حاشدة، الأمر الذي أدى بدوره إلى إنهاء الاحتلال السوري للبنان. ومن ناحية أخرى، يعود قائد الجيش اللبناني السابق ميشال عون من فرنسا.
2006
إسرائيل تقصف لبنان في حرب قصيرة أشعلتها جماعة “حزب الله” الشيعية المدعومة من إيران.
2011
تندلع الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، مما يؤدي إلى طلب مئات الآلاف من السوريين اللجوء في لبنان.
2016
التحالف مع “حزب الله” يساعد المسيحي الماروني عون على تولي منصب الرئاسة.
2017
يُعتقل رئيس الوزراء سعد الحريري، وهو سني ونجل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، خلال زيارة للمملكة العربية السعودية، بزعم عدم قدرته على كبح جماح القوة المتصاعدة لحزب الله. ثم يستقيل الحريري مؤقتا ويهتز الاقتصاد اللبناني بذلك.
2018
حزب الله يبلي بلاءً حسناً في الانتخابات العامة، بينما تتراجع شعبية الحريري، إلا أنه يعين رئيسا للوزراء رغم ذلك.
2019
احتجاجات حاشدة تستهدف النخب السياسية بسبب الفساد واللامساواة تنجح في إسقاط حكومة الحريري، وتبدأ الأزمة المصرفية.
2020
في آذار/ مارس، تخلّف لبنان عن سداد ديون الدولة لأول مرة في تاريخه. وفي آب/ أغسطس، أسقط انفجار بيروت حكومة حسان دياب. في تشرين الأول/ أكتوبر، تم تعيين الحريري رئيسا للوزراء مكلفا.
2021
بعد 10 أشهر من الفشل في تشكيل حكومة جديدة، استقال الحريري، ليحل محله الملياردير ورئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي.
المصدر: فايننشال تايمز