ترجمة وتحرير نون بوست
لم يذرف الأردنيون الدموع على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بعد خسارة منصبه الشهر الماضي. ويقول وزير الإعلام الأردني السابق محمد المومني في هذا السياق، إن “أي رئيس وزراء إسرائيلي غير نتنياهو سيكون أفضل للأردن”.
ورغم أن الأردنيين غالبًا ما اعتبروا تصرفات نتنياهو استفزازية، وقد رفض العاهل الأردني الرد على مكالمات نتنياهو الهاتفية في 2015 و2020 بسبب تصرفات رئيس الوزراء السابق، حافظ الملك عبد الله على علاقات دبلوماسية وأمنية مع “إسرائيل” طوال فترة ولايته التي بدأت قبل 22 سنة، بغض النظر عن اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أعطى الملك الأولوية للمصالح الأردنية على حساب العلاقات الشخصية، لكنه ما يزال يشعر بالمسؤولية تجاه العدد الكبير من الفلسطينيين الذين يعيشون في المملكة الهاشمية، وهو عامل يمنع الوصول إلى سلام دافئ مع “إسرائيل”. يمكن القول إنه حافظ على سلام بارد لضمان ما يقرب من 1.5 مليار دولار من المساعدات الأمريكية السنوية التي تتلقاها الأردن.
هناك مؤشرات على تحسن العلاقات بين “إسرائيل” والأردن منذ الإطاحة بنتنياهو. في واحدة من أولى مبادراته كرئيس وزراء جديد لإسرائيل، وافق نفتالي بينيت على مضاعفة إمدادات المياه للمملكة الهاشمية، إحدى أكثر دول العالم جفافاً.
في 29 حزيران/ يونيو، قيل إن الملك عبد الله وبينيت التقيا في عمان، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن البلدين اتفقا على فتح “صفحة جديدة” في العلاقات الثنائية. وقال العاهل الأردني لشبكة سي إن إن في 25 تموز/ يوليو إن لقاءه مع بينيت قد “شجعه” على بدء صفحة جديدة.
رفضت عمّان أن تهنئ بينيت علناً على تشكيل حكومة جديدة، على عكس العديد من قادة العالم من روسيا إلى الهند
بعد خمسة أيام فقط من تولي بينيت منصب رئيس الوزراء، أدانت وزارة الخارجية الأردنية في 18 حزيران/ يونيو “الانتهاكات الصارخة” للمسجد الأقصى بعد أن أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار على المصلين الفلسطينيين، مما أدى إلى إصابة تسعة أشخاص بجروح. وفي اليوم نفسه الذي أعلنت فيه “إسرائيل” عن صفقة المياه مع الأردن، اتهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي “إسرائيل” بارتكاب “جريمة حرب” إذا ما شرعت حكومة بينيت في طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
بعد أن وعد بينيت في 18 تموز/ يوليو بحماية “حرية العبادة” لليهود في الحرم القدسي الشريف – وهو تعهد لم يقطعه نتنياهو أبدًا خلال رئاسته للوزراء – والسماح لأكثر من 1600 يهودي بزيارة الأقصى في يوم واحد، وبّخ الأردن “إسرائيل” لسماحها بما أسماه “اقتحام المتطرفين” للحرم. وقد تعهدت “إسرائيل” باحترام “الدور الخاص” للأردن في الإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس بموجب معاهدة 1994.
على عكس اجتماع الملك عبد الله مع قادة العالم الآخرين، رفض الأردن نشر صور اجتماعه مع بينيت، وقد سُرّب الخبر لوسائل الإعلام بعد شهر كامل باللغة الإنجليزية إلى وسيلة إعلامية أمريكية.
ورفضت عمّان أن تهنئ بينيت علناً على تشكيل حكومة جديدة، على عكس العديد من قادة العالم من روسيا إلى الهند. ورغم بعض النوايا الحسنة بين الملك عبد الله وبينيت، تظل الفجوات كبيرة جدًا، وتعيق تشكيل تحالف وثيق.
وفيما عمدت الإمارات العربية المتحدة إلى المجاهرة بعلاقاتها مع “إسرائيل”، يصرّ الأردن على التقليل من أهمية تعاونه مع الكيان الصهيوني. يُذكر أن حوالي 60 بالمئة من سكان الأردن من أصل فلسطيني، لذلك فإن علاقة الملك عبد الله بإسرائيل تقوم أساسا على مبدأ دعم القضية الفلسطينية.
في ظل ارتفاع معدل البطالة في صفوف الأردنيين إلى ما يقرب من 25 بالمئة بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، ناهيك عن مرور النظام الملكي بفترة من عدم الاستقرار في أعقاب قضية “الفتنة” التي أُثيرت في شهر نيسان/ أبريل الماضي، والتي تورط فيها الأمير حمزة بن الحسين، لا يبدو أن الملك عبد الله قادر على تحمل المزيد من الانتقادات العلنية، وخاصة الانتقادات التي تطاله بسبب العلاقة مع “إسرائيل”. وقد حاولت الحكومة الأردنية صرف الانتباه عن مشاكلها الداخلية من خلال إدانة الممارسات الإسرائيلية.
لطالما كان مطلب الأردن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، سمة أساسية في سياسته الخارجية
ولكن رغم أن الأردن يلجأ باستمرار إلى استخدام لهجة قاسية تجاه “إسرائيل” – لا سيما فيما يتعلق بوضع القدس -، إلا أن خطاب التهديد لم يقترن في كثير من الأحيان بإجراءات صارمة. وعلى امتداد عقدين من حكم الملك عبد الله، اتهمت عمّان “إسرائيل” عشرات المرات بارتكاب “انتهاكات” في القدس، لا سيما تجاوز “الخط الأحمر”.
وفي بعض الحالات، سحبت المملكة الهاشمية سفيرها من تل أبيب مؤقتا للتشاور. وقد عانت معاهدة السلام لسنة 1994 -مثلما عانى التعاون الاستخباراتي- من عديد الهزات، خاصة عند اقتحام اليهود للمسجد الأقصى، في انتهاك للوضع الهش. عموما، لا تُزعزع انتقادات الأردن أسس العلاقة مع “إسرائيل”، لكنها تبقي على برود حالة السلام بين البلدين.
خلال سنة 2017، وبالتحديد خلال حُكم نتنياهو، أغضب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الأردنيين عندما عانق حارسا إسرائيليّا قتل مواطنين أردنيّين في مقر السفارة الإسرائيلية في عمّان. وفي آذار/مارس، ألغى ولي العهد الحسين زيارة إلى المسجد الأقصى في القدس، حيث اتّهم الصفدي “إسرائيل” بتغيير ترتيبات سفر الحسين وعرقلة حقوق الفلسطينيين في القدس في ممارسة شعائرهم داخل الموقع المقدس، وهو الحادث الذي اعتبر بمثابة إهانة شخصية للعائلة المالكة.
في المقابل، حتى في خضم هذه الخلافات، حافظ الأردن على علاقته بإسرائيل. وخلال الأشهر الأخيرة من ولاية نتنياهو، كان لإسرائيل سفير مستقرّ في عمّان، وكان للأردن سفير يعمل في تل أبيب. يعني ذلك أن الأردن يتمتع بعلاقات دبلوماسية أقوى مع “إسرائيل” مقارنة بتركيا، التي طردت السفير الإسرائيلي في أنقرة في سنة 2018.
من جانبه، التقى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، غابي أشكنازي، الذي عمل في عهد نتنياهو، مع الصفدي ثلاث مرات من أيار/مايو سنة 2020 حتى حزيران/ يونيو من هذه السنة لمناقشة التطورات التجارية والإقليمية. وخلال السنة الماضية، بدأ الأردن في تلقي أول إمدادات الغاز الطبيعي من “إسرائيل” بعد توقيع اتفاق بقيمة 10 مليار دولار في سنة 2016. علاوة على ذلك، استمر التعاون الاستخباراتي بين “إسرائيل” والأردن على أعلى مستوى. وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة “هآرتس” اليسارية، التي تنتقد نتنياهو بصفة متكررة، أن العلاقات الأمنية بين البلدين “تحسنت بشكل كبير” خلال سنة 2019، وأضحت “أكثر تطوّرا على مر السنين”.
لطالما كان مطلب الأردن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، سمة أساسية في سياسته الخارجية. وعلى الرغم من أنه يعدّ وافدا جديدا نسبيا، إلا أنه من غير المحتمل أن ينهي بينيت، المدير السابق لجماعة ضغط من المستوطنين، السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وإجلاء المستوطنات الكبيرة لاسترضاء المملكة الهاشمية. علاوة على ذلك، حافظ بينيت على سياسة قوية نسبيا فيما يتعلّق بالأقصى/جبل الهيكل، حيث أرسل قوات الأمن مرتين على الأقل للحفاظ على “النظام” خلال فترة ولايته القصيرة كرئيس للوزراء.
عززت الأحداث المعروفة باسم “أيلول الأسود”، حاجة الأردن إلى حماية سيادته أمام الجهات الخارجية
من المرجح أن يضطر الأردن إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع “إسرائيل” في حال اتّخاذها خطوة بعيدة المدى، على غرار ضمّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. ونظرا لأن ائتلاف بينيت يضم فصيل القائمة العربية الموحّدة الإسلامي وحزب ميرتس اليساري، يبدو أنه من غير المحتمل إلى حد كبير أن تتبنّى حكومته مثل هذه التدابير المثيرة.
جعلت الولايات المتّحدة، التي تعدّ شريكا استراتيجيا لكل من الأردن وإسرائيل، تحسين العلاقات بين البلدين على رأس أولويّاتها. والجدير بالذكر أن الأردن ومصر، وهما أول دولتين عربيّتين توقعان اتفاقيات سلام مع “إسرائيل”، تُعدّان من بين أكبر الدول المتلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية. ويعتمد عبد الله الاستبدادي، الذي يُشرف على نظام المحسوبية واسع النطاق وقطاع عام مترهّل، بشكل متزايد على هذه المساعدات الأمريكية لتعزيز حكمه.
فضلا عن ذلك، يُدرك عبد الله أنه كان في حاجة إلى إبرام علاقة فاعلة مع “إسرائيل” حتى يُحافظ على تدفق حوالي 1.5 مليار دولار من المساعدات الأميركية السنوية للمملكة الهاشمية، خاصة وأن الأردن يشهد ديونا عامة قياسية تبلغ 45 مليار دولار. وفي حال قطع عبد الله علاقاته مع “إسرائيل” كما فعلت فنزويلا وبوليفيا خلال حرب غزة التي اندلعت سنة 2009، فمن المرجح أن تُقابل حزمة المساعدات السخية للأردن بأسئلة صعبة يوجّهها المشرعون الأمريكيون الموالون لإسرائيل.
سيُواجه الأردن تحديّات إذا ما تخلّى عن تعاوُنه الأمنيّ مع “إسرائيل”. ويتمثّل أكبر تهديد لاستقرار عمّان في سنة 1970، عندما أنشأ حوالي 40 ألف مقاتل من منظمة التحرير الفلسطينية قواعد عسكرية في جميع أنحاء الأردن لمهاجمة “إسرائيل”. ومع استيلاء المقاتلين الفلسطينيين على أجزاء من الأردن، أرسل العاهل الأردني آنذاك الملك حسين الجيش لطردهم من البلاد (وهو جهد طلب من أجله الدعم العسكري الإسرائيلي).
ومن المرجح أن تستأنف عمان توجيه الانتقادات إلى السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، دون الاقتراب من معاهدة السلام لسنة 1994
وخلال العملية، قتلت القوات الأردنية ما لا يقلّ عن 3000 مقاتل فلسطيني، حيث كان من بين القتلى عشرات المدنيين الفلسطينيين من بين القتلى.
عززت الأحداث المعروفة باسم “أيلول الأسود”، حاجة الأردن إلى حماية سيادته أمام الجهات الخارجية، كما أوضحت لحكامها أن المسلحين الذين كانوا يهدفون في البداية إلى ضرب “إسرائيل” من الأردن، من المرجح أن يوجهوا أسلحتهم إلى الداخل في نهاية المطاف. هذا ما يجعل الأردن يحتفظ بمصالح أمنية مشتركة مع “إسرائيل”.
ورغم أن المسؤولين الأردنيين والإسرائيليين يميلون إلى التزام الصمت بشأن التعاون الأمني بينهما، إلا أن شبكة “سي إن إن” أفادت بأن طائرات إسرائيلية مُسيّرة قد حلّقت على طول الحدود الأردنية السورية لمساعدة عمّان في إحباط هجمات تنظيم الدولة وشاركت في عمليات جمع معلومات استخبارية في سنة 2015.
وفي سنة 2017، قالت تقارير إن “إسرائيل” زوّدت الأردن بصور الأقمار الصناعية للأنشطة على حدود المملكة الهاشمية مع سوريا والعراق. كما تستفيد “إسرائيل” بشكل كبير من هذه العلاقات الأمنية، حيث تعتبر الحدود مع الأردن أكثر حدود “إسرائيل” هدوءا. بعبارة أخرى، لا يحتاج الجيش الإسرائيلي سوى إلى نشر ثلاث كتائب على طول الحدود مع الأردن.
لطالما كانت علاقات الأردن مع “إسرائيل” مشحونة. ورغم تركيز وسائل الإعلام على طبيعة علاقات الملك عبد الله مع مختلف القادة الإسرائيليين، هناك القليل من الإشارات على أن الحكومة الأردنية ستغير سياساتها بشكل جذري في ظل حكومة نفتالي بينيت.
ومن المرجح أن تستأنف عمان توجيه الانتقادات إلى السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، دون الاقتراب من معاهدة السلام لسنة 1994، حيث أن طبيعة المصالح الأردنية لا تقدم أي بديل آخر.
المصدر: فورين بوليسي