ما الآلية القانونية التي استند إليها الرئيس التونسي قيس سعيد لتعيين مكلف بتسيير وزارة الداخلية؟ وهل يمكن أن يسبق هذا التكليف تعيين رئيس حكومة جديد؟ تساؤلات كثيرة رافقت قرار الأمر الرئاسي الذي أصدره الرئيس التونسي ليلة الخميس الـ28 من يوليو/تموز الحاليّ بتكليف رضا غرسلاوي بتسيير وزارة الداخلية.
انقلاب على الدستور
تحولت تونس إلى دولة الأرض الواقع بعد الانقلاب على النص الدستوري الذي تجسد في عدد من الأوامر الرئاسية، وقد ذهب فيها سعيد في مخالفة صارخة للفصل 80 بتجميد عمل المجلس النيابي وإعفاء رئيس الحكومة وصولًا إلى تعيين رضا غرسلاوي بتسيير وزارة الداخلية الذي فاجأ العديد من التونسيين، ولم يكن لهذا القرار أي آلية قانونية واضحة غير تفسير واحد وهو البحث عن إرضاء رغبة الرئيس في وضع اليد على جميع السلطات.
قال النائب المستقل الصافي سعيد: “هذا التعيين أتى نتيجة شعور رئيس الجمهورية بورطة وضع نفسه فيها، فقد كلف وزيرًا للداخلية قبل تعيين رئيس حكومة”.
قرر سعيد في البداية الانقلاب على الفصل 80 دون أن يحدد الإجراءات الاستثنائية التي تتمثل في استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، والإعلان عن التدابير في بيان إلى الشعب.
فهل انطلق سعيد بالانقلاب على الفصل 80 لتصفية حساباته السياسية ومن هناك بدأ في خرق ما تبقى من فصول الدستور؟ ما تبوح به الساحة السياسية في تونس تؤكد أن الرئيس سيواصل العبث بالدستور، لذلك بدأ انقلابًا ناعمًا بتفعيل فصل واحد حتى يستقر له الوضع بشكل تام ليصل في الأخير إلى تثبيت انقلابه.
ما أشبه الأمس باليوم، فبن علي استولى على السلطة عام 1987 واعدًا بإرساء الديمقراطية، لكن سرعان ما عدل عن ذلك، فاستهدف الإسلاميين إلى حدود تفوق الخيال وكان في صفه ويسنده أغلبية النخب التونسية، لكن سرعان ما توهم أن المجتمع التونسي ونخبته خاصة لا تطالبه بالديمقراطية ليكمل طريقه ويستفرد بالسلطة بل وكان فوق السلطة.
اليوم سعيد بعد سنة ونصف في قصر قرطاج توهم أن المجتمع والنخبة بقيت على حالها منذ 1987 ولا تطالبه بالديمقراطية ووجد في ذلك شرعية لنسف ما تم بناؤه والجموع تهلل وتصفق وسيفهم بسرعة أن الطريق مفتوح أمامه إذا نجح في تحييد الغرب وسيواصل ويستفرد بالسلطة ويكون أعتى من بن علي.
أصبحت مقاومة الانقلاب الدستوري حتمية، ليس عبر الاحتجاج بل بتقديم خطة بديلة قابلة للتنفيذ في إطار الواقع الذي هو في صالح الرئيس الذي استقوى بالشارع واستفرد بتفسير أحادي للقانون والدستور، فعلى الجميع البحث عن مخرج للأزمة في إطار حوار وطني مع الضغط على الرئيس التونسي للالتزام بفترة محددة للإجراءات التي اتخذها وعدم تمطيطها.
هذا وقد حذر الناشط السياسي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو المقرب من مواقف سعيد “من أي تمديد للعمل بالفصل 80 من الدستور الذي كان قد أعلن رئيس الدولة قيس سعيد تفعيله”، منبهًا من اعتبار تونس دولة خارج الشرعية، مضيفًا “أي تمديد للفصل 80 يُعد أمرًا خطيرًا، لأن المجتمع الدولي بصدد مراقبة تونس”.
العودة إلى الشرعية
العواصم الخارجية صعّدت هي الأخرى من لهجتها بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها سعيد، فموقف البيت البيض يشهد بعض المراجعات وهو ما لاحظه الرئيس التونسي الذي يحاول أن يُظهر من خلال كل تصريح أو مناسبة أنه سيعود إلى الشرعية في أقرب وقت ممكن.
إن ما حدث في تونس هو انقلاب على الدستور، فتونس تعيش اليوم مخاطر الوقوع بين فكي المستبدين في المنطقة، السيسي والمشير خليفة حفتر بدعم إماراتي مفضوح، ورغم هذه المحاولات المخطط لها للإطاحة بالديمقراطية التونسية فإن العالم ما زال يعرف أن الديمقراطية البرلمانية في بلد الربيع العربي ليست لعبة قصيرة المدى وأن البلدان التي تخلت عن فوضى المناقشات البرلمانية للمرور إلى قرارات وإجراءات حاسمة باتت نادمة على ذلك.
فمحاولات الإفشال الممنهج للانتقال الديمقراطي في تونس التي صنعت التميز والأمل لدى التونسيين والشعوب الحرة في العالم سيتواصل، وهو ما جعل العديد من المواقف الدولية تدعو الشعب التونسي إلى التمسك بمؤسساته الشرعية ورفض الانقلاب وحل مشاكله بالحوار والتوافق الواسع عبر الحلول الدستورية لتجاوز الانسدادات القائمة والمفتعلة.
رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد قال: “نتمسك كمفوضية بالاحترام الصارم للدستور التونسي والحفاظ على السلام ورفض جميع أشكال العنف وتعزيز الحوار السياسي لحل القضايا المطروحة وفق بلاغ نشره الموقع الرسمي للاتحاد الإفريقي”.
المخاوف من العودة إلى مربع التضييق واللاشرعية تتجاوز الحدود التونسية لتتأكد يومًا بعد يوم عند شركاء تونس الاقتصاديين خاصة فرنسا التي تدعو إلى التسريع بتعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة يستطيعان تلبية تطلعات الشعب التونسي في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد مع ضرورة الحفاظ على الهدوء وهيمنة القانون وضمان العودة السريعة إلى العمل الطبيعي للمؤسسات الديمقراطية في تونس.
ودعت جهات خارجية إلى التحقيق في تدخل محتمل من السعودية والإمارات في الأزمة السياسية في تونس، ورأى الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إتش إيه هيليير “أن ما يحدث في تونس التي تعتبر رمز الثورة في المنطقة ستكون له آثار مضاعفة”.
كما اتهم رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في مقابلة تليفزيونية مع قناة “تي إر تي التركية” وسائل إعلام إماراتية بالضغط من أجل حدوث انقلاب في تونس.
أسماء مرشحة لترؤس الحكومة
يتردد أن من بين الأسماء المرشحة لخلافة هشام المشيشي رئيس الحكومة المقال، وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين الذي أقاله المشيشي في يناير/كانون الثاني الماضي وهو من المقربين لسعيد وكان مدير حملته الانتخابية في محافظة سوسة الساحلية، ويرجح أن يكون رئيس الحكومة الجديد مواليًا للرئيس التونسي، كما طرحت أسماء أخرى مثل وزير المالية السابق في حكومة إلياس الفخفاخ، نزار يعيش، وكذلك مديرة ديوان الرئيس نادية عكاشة، أو محافظ البنك المركزي مروان العباسي.