جاءت تصريحات المرشح السابق للانتخابات الرئاسية وأحد قيادات التيار الإصلاحي في إيران محمد صادقي، التي عبر فيها عن أن النظام الإيراني يستخدم الإصلاحيين للهروب من أزماته الداخلية والخارجية، وبعد انتهاء هذه الأزمات يرمي النظام الحكومات الإصلاحية في القمامة كالمناديل المتسخة، لتؤشر إلى الواقع المعقد الذي يعيشه التيار الإصلاحي في إيران، بعد سلسلة من الهزائم السياسية في الداخل الإيراني، سواء على مستوى الانتخابات التشريعية أم الانتخابات الرئاسية.
تصريحات صادقي جاءت بعد يوم واحد من الكلمة التي ألقاها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بمناسبة انتهاء الولاية الثانية لحكومة الرئيس حسن روحاني، وبدل أن يقدم خامنئي صورة إيجابية لحكومة روحاني، إلا أنه في المقابل حملها مسؤولية جميع الأزمات التي تمر بها البلاد، معتبرًا أن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه حكومة روحاني مع القوى الكبرى، لم يلب المصالح الوطنية العليا، ودليل ذلك استمرار العقوبات على إيران.
وبالإضافة إلى ذلك، نشر موقع خامنئي الإلكتروني مقابلة مع غريب آبادي ممثل إيران الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتحدث فيها عن عدة مواقف أمريكية متشددة حيال إيران، أبرزها رفض رفع العقوبات على شخصيات إيرانية، ورفض رفع العقوبات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية، وربط المفاوضات النووية بالقضايا الإقليمية، والأهم من ذلك، رفض الإدارة الأمريكية تقديم تعهدات بعدم الانسحاب من أي اتفاق جديد مع إيران، وهو ما يؤشر إلى مدى التعقيد الحاصل على مستوى بناء الثقة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا.
دعم رئيسي مقابل تسقيط روحاني
حاول روحاني في ظهوره الأخير خلال افتتاح العديد من المشاريع عبر الإنترنت كما جرت العادة كل يوم خميس، تجنب الحديث عن المفاوضات النووية، خصوصًا أن خامنئي كان قد وضع النقاط على الحروف في ظهوره الأخير، معتبرًا أن الثقة الزائدة بالغرب أوصلت إيران إلى الواقع الذي تعيشه اليوم، وهو بذلك يقدم رسائل واضحة لحكومة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، بضرورة العمل وفق نهج سياسي مغاير لنهج حكومة روحاني، خصوصًا أن خامنئي لعب دورًا كبيرًا في هندسة الانتخابات بشكل يجعل عملية فوز رئيسي أكثر سهولة.
هذا الوضع المعقد، يأتي بالوقت الذي تتصاعد فيه هجمات الظل بين طهران وتل أبيب، سواء في العراق وسوريا، أم في بحر عمان
ورغم التحديات الكبيرة التي تنتظر حكومة رئيسي، التي يأتي في مقدمتها الاحتجاجات الشعبية في الأحواز وطهران وجنوب أذربيجان، فإن المهمة الرئيسة على ما يبدو لحكومته، هي وضع خطوط عامة جديدة للسلوك التفاوضي الإيراني مع الولايات المتحدة، وتحديدًا أن رئيسي في تصريحات سابقة له، أشار إلى أن الاتفاق النووي غير مهم بالنسبة له، كونه لا يعطي إيران الحق في التصرف بالحقوق النووية التي سبق أن تم الاتفاق بشأنها مع القوى الكبرى.
هذا الوضع المعقد، يأتي بالوقت الذي تتصاعد فيه هجمات الظل بين طهران وتل أبيب، سواء في العراق وسوريا، أم في بحر عمان، إذ حملت “إسرائيل” إيران مسؤولية الهجوم الأخير الذي طال سفينة شحن كانت متجهة لدولة الإمارات في بحر العرب، إذ قالت شركة (Zodiac Maritime) الإسرائيلية، إن سفينة تديرها تعرضت لهجوم في بحر العرب قبالة ساحل عُمان، ما أسفر عن مقتل اثنين من أفراد الطاقم.
هذا إلى جانب إصرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على ضرورة أن توافق إيران على اتفاق المتابعة، الذي ينص صراحة على بحث ملف الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي، قبل التوقيع على أي اتفاق نووي مع إيران.
إن الضربات العديدة التي تعرضت لها حكومة روحاني، جعلت التيار الإصلاحي يعاني من وضع هش سياسيًا، كونه أصبح خاضعًا لشروط العملية السياسية التي يهيمن عليها التيار المحافظ اليوم، إذ تبرز العديد من التساؤلات عن المستقبل الذي ينتظر روحاني أو وزير خارجيته محمد جواد ظريف، الذي دخل في صدامات سياسية عديدة مع التيار المحافظ والحرس الثوري في الفترة السابقة، وأبرزها ما تمخضت عنه التسريبات الأخيرة له، إذ ما زال العديد من قيادات الإصلاح يعانون من سياسات الإقصاء والتهميش، ومثال ذلك ما واجهته هذه القيادات عقب الحركة الخضراء عام 2009، ومن ثم فإن روحاني هو الآخر قد لا يستطيع الإفلات من هذه السياسات.
الاعتياد الإيراني على ممارسة سياسة العصا والجزرة، لم تعد تلقى ذلك الاهتمام الأمريكي الكبير
آمال معقودة على رئيسي
رغم الآمال التي يعقدها خامنئي على حكومة رئيسي المقبلة، في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد، يلبي الحد الأدنى من طموحاته، فإن التصريحات القادمة من واشنطن، وتحديدًا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أشارت بوضوح أن إيران لن تحظى بفرصة الحصول على اتفاق نووي جديد، وذلك من خلال إعادة التفاوض على ما تم التوصل إليه في جولات فيينا الستة الماضية، وهو موقف يصعب من مهمة حكومة رئيسي.
فرغم الدعم الإيراني غير المباشر لمخرجات الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي العراقي الأمريكي، عبر رسائل حملها قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاني لقيادات الفصائل المسلحة في العراق في زيارته السرية قبل ثلاثة أيام، فإن الإدارة الأمريكية تبدو حريصة هذه المرة على عدم تقديم أي تنازلات لإيران، وذلك بعد صدور العديد من التقارير التي تشير إلى قرب وصول إيران للعتبة النووية.
إن الاعتياد الإيراني على ممارسة سياسة العصا والجزرة، لم تعد تلقى ذلك الاهتمام الأمريكي الكبير، خصوصًا في مسألة الهجمات الصاروخية التي تشنها الفصائل القريبة منها في العراق، ولذلك فإن التلويح بالتصعيد قد لا يخدم حكومة رئيسي المقبلة، التي تحاول أن تظهر بمظهر أكثر حدة عن حكومة روحاني، التي حاولت أن توازن بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري، وهذا بدوره يؤشر إلى أن هناك نهجًا سياسيًا فوضويًا قد تعمد إليه حكومة رئيسي في العراق أو سوريا، من أجل دفع واشنطن للتخفيف من شروطها في المفاوضات النووية.