ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الشهر الماضي، عرضت تركيا تولّي مسؤولية إدارة وحماية مطار حامد كرزاي الاستراتيجي في كابل، البوابة الرئيسية لأفغانستان غير الساحلية إلى العالم، بعد أن أكملت القوات الأمريكية وقوات الناتو انسحابها من الدولة التي مزّقتها الحرب.
بينما لا يزال الاتفاق بين طالبان والحكومة الأفغانية بعيد المنال والوضع الأمني في أفغانستان يتدهور بسرعة، هناك حاجة لاستكشاف دوافع تركيا لتقديم العرض. في الواقع، لطالما كانت تركيا، الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في حلف الناتو، ذات نفوذ دبلوماسي وسياسي في أفغانستان، حيث لا تتمتع فقط بعلاقات تاريخية وثقافية ودينية وعرقية عميقة الجذور مع أفغانستان، وإنما أيضا مع باكستان، الداعم الرئيسي لطالبان.
في الماضي، نظمت عدة اجتماعات قمة بين حكومتي باكستان وأفغانستان في محاولة لتحسين الحوار بين الدولتين المتجاورتين. وأثناء لعب دور نشط في الجهود متعددة الأوجه لإنهاء الصراع في أفغانستان منذ عقود، حافظت تركيا على علاقات وثيقة مع مختلف الفصائل العرقية والسياسية المتنافسة في البلاد، بما في ذلك طالبان.
لدى تركيا أكثر من 500 جندي في أفغانستان. في المقابل، لا تشارك هذه القوات في القتال، حيث تقتصر أنشطتهم على توفير الأمن للقسم العسكري في مطار كابل وتدريب قوات الأمن الأفغانية. ونظرا لدورها غير القتالي في أفغانستان، تتمتع تركيا بعلاقات أفضل مع طالبان مقارنة بأيّة دولة أخرى في حلف الناتو، حيث كُلّفت مؤخرا بتسهيل محادثات السلام بين كابل وطالبان.
وعلى الرغم من أن طالبان حذرت تركيا بالفعل من إبقاء قواتها في أفغانستان إلى ما بعد أيلول/سبتمبر سنة 2021، إلا أن أنقرة تضغط على المجموعة المقاتلة للتخلي عن اعتراضاتها على هذه الخطط من خلال حلفائها، باكستان وقطر. فضلا عن ذلك، قرّرت تركيا إجراء محادثات مباشرة مع طالبان في هذا الشأن.
تعدّ الجهود التركية للحفاظ على وجود مستمر في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة من خلال أن تكون حارس بوابة مطار كابل
نتيجة لذلك، أصبحت تركيا في موقع رئيسي لتوفير الأمن للمطار الرئيسي في أفغانستان في حقبة ما بعد الولايات المتحدة. ولأنقرة الكثير لتكسبه من تولي هذه المسؤولية الحاسمة ما يجعلها تظلّ لاعبا رئيسيا في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. عموما، لا يخفي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رغبته في زيادة نفوذ تركيا في العالم الإسلامي. في ظل حكمه، عزّزت تركيا نفوذها بشكل كبير في جنوب آسيا المسلم من خلال المشاريع الإعلامية والتعليمية. بالإضافة إلى ذلك، حققت الأعمال الدرامية التركية مثل “قيامة أرطغرل” نجاحا كبيرا في كل من باكستان وأفغانستان، مما ساعد على تحويل الرأي العام لصالح تركيا.
في السنوات الأخيرة، اتّخذت أنقرة خطوات مختلفة في السياسة الخارجية تهدف إلى عزل المملكة العربية السعودية ووضع تركيا كزعيم جديد للعالم الإسلامي السني. وشاركت بنشاط في الصراعات الإقليمية، مثل الحرب السورية، وكانت صريحة في انتقادها للرياض في مختلف القضايا، من حصار قطر إلى اغتيال جمال خاشقجي.
تعدّ الجهود التركية للحفاظ على وجود مستمر في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة من خلال أن تكون حارس بوابة مطار كابل، جزئيّا امتدادا لهذه الطموحات الجيوسياسية. من خلال الإصرار على تولّي دور رئيسي في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة، يريد أردوغان ليس فقط تحدي قيادة المملكة العربية السعودية للعالم الإسلامي السني، وإنما أيضا إظهار قدرات القوة الناعمة لتركيا للمجتمع الدولي الأوسع. بالإضافة إلى ذلك، يعدّ الحفاظ على دور نشط في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يساعد تركيا على تحقيق طموحاتها المتمثلة في زيادة أهميتها داخل حلف الناتو وإصلاح علاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة.
لا تزال تركيا والولايات المتحدة تتفاوضان، ولم يقع اتخاذ قرار نهائي بشأن من سيكلّف بتأمين مطار كابل بعد الانسحاب الأمريكي
في تموز/يوليو سنة 2019، حصلت أنقرة على صواريخ إس ـ400 من روسيا، التي وقع صنعها في الأصل لاستهداف معدات الناتو. وأدت عملية الشراء إلى توتر علاقات تركيا مع أعضاء الناتو الآخرين، الذين اعتبروا الخطوة تهديدا لأمنهم. في النهاية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا للتعبير عن استيائها. كما أدى الدعم الأمريكي للقوات الكردية في سوريا وعمليات تركيا ضد هذه الجماعات، فضلا عن رفض الولايات المتحدة تسليم الداعية الذي تحمله تركيا مسؤولية محاولة الانقلاب سنة 2016 ضد أردوغان، إلى توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
من خلال التطوع لتوفير الأمن لمطار كابل، وبالتالي، ضمان احتفاظ الناتو بوجود في البلاد بعد خروج الولايات المتحدة، تأمل تركيا في تحسين علاقاتها مع واشنطن. ومن خلال إبراز نفسها كلاعب مهم في أفغانستان، تأمل تركيا أيضا في تعزيز مكانتها ومقامها في حلف الناتو. في الآونة الأخيرة، خضعت تركيا للتدقيق من قبل حلفائها في الناتو بسبب سياساتها القائمة على التدخل في ليبيا والعراق وسوريا.
بالنظر إلى الماضي، ساعد وجود تركيا في أفغانستان بعد انسحاب قوات الناتو سنة 2014 على زيادة أهميتها في الحلف من خلال مهمة “الدعم الحازم” لحلف الناتو. كنتيجة لذلك، تأمل تركيا على الأرجح في تحقيق نتائج مماثلة بالبقاء في البلاد بعد استكمال الانسحاب الأمريكي. علاوة على ذلك، سيظل مطار كابل يتمتع بأهمية استراتيجية لدول الناتو التي ترغب في الحفاظ على وجود دبلوماسي هناك خلال الأشهر والسنوات المقبلة. عموما، سيساعد ضمان أمن المطار بلا شك تركيا على اكتساب مكانة مرموقة في أعين هذه الدول.
لا تزال تركيا والولايات المتحدة تتفاوضان، ولم يقع اتخاذ قرار نهائي بشأن من سيكلّف بتأمين مطار كابل بعد الانسحاب الأمريكي. تبدو واشنطن مهتمة بعرض تركيا، لكنها لم توافق حتى الآن على تلبية شروط تركيا، بما في ذلك الدعم المالي واللوجستي والدبلوماسي. في غضون ذلك، استضافت إيران وروسيا وفدي طالبان والحكومة الأفغانية في محاولة لإحياء محادثات السلام المتوقفة. وفي حال كانت تركيا تريد حقا هذا الدور، فعندئذ يكون الوقت جوهريا.
المدصر: الجزيرة