القبة الحديدية.. حديد لا بأس فيه ولا منافع

1-368-scaled

حرب الأحد عشر يومًا، ندبة نخرت عميقًا في عظم الكيان الإسرائيلي، وأسقطت “حامي الأسوار” الذي فجّر الهستيريا العسكرية في وجه قطاع غزة، لشراء صورة نصر واحدة يحتفي بها الإعلام العبري، مسجِّلًا عجزًا فاضِحًا أمام تكتيكات المقاومة للتحايُل على القبّة، وتخطيها إلى عمق الأراضي المحتلة. 

وفي سجلّ الإخفاقات المتعاقبة، تبيّنَ أن منظومة القبة الحديدية حديد لا بأس شديد فيه، ولا منافع كثيرة له يقدّمها لجيش الاحتلال وحكومته والمستوطنين، أو المطبّعين الشركاء.

فبعد أن افتتحَ بازار التطبيع ماراثون التسلُّح الخليجي للفوز ببطاقة شراء القبّة الحديدية، يبدو أن السباق المستمر منذ أعوام سرًّا وعلنًا، قد تتثاقل خطواته جراء كابح الفشل المتتالي، الذي اعترض رغبة الأنظمة الخليجية المطبِّعة بتأمين حدودها من خطر التمدد الإيراني في المنطقة.

الخليج في ماراثون القبّة: الاستمرار أو الانسحاب

تدركُ الحكومات المطبِّعة في منطقة الخليج أن فشل القبّة الحديدية في اعتراض صواريخ المقاومة بالكامل خلال معركة “سيف القدس” الأخيرة، يعني الكثير في معادلة الأمن الخليجي.

فالسعودية مثلًا، التي سعت منذ العام 2012 لشراء المنظومة، وفقًا للإعلام العبري، لتؤمّن حدودها من الصواريخ الحوثية والإيرانية، لا تستطيع الهرب من الإجابة عن سؤال: “كيف ستنجح القبة في حماية الرياض، بعدما فشلت في حماية ذاتها بمواجهة المقاومة؟”.

يؤكد المتخصِّص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي هذه المخاوف، ويقول في كلمته لـ”نون بوست”: “ما ذُكر سابقًا حول اهتمامٍ بشراء منظومة القبّة الحديدية لتأمين منطقة الجنوب، لم يتم فعلًا، وظل مجرد تسريبات إعلامية، وبرأيي لن تتحقق، لا سيما بعد إخفاقات المنظومة في العدوان الأخير على قطاع غزة”.

ويضيف النعامي: “لم يؤثر هذا الفشل على دافعية الدول الخليجية فقط وتحديدًا السعودية لشراء هذه المنظومة، بل من المفترض أنه أثّر على دافعية دول أخرى بعدما تبيّن أن فاعلية القبّة أقل بكثير ممّا كانت عليه الانطباعات السابقة”.

ويشدِّد النعامي على أن “تقرير صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية بشأن إصابة عدد من جنود الاحتلال المسؤولين عن تشغيل القبّة بأورام سرطانية جراء الإشعاعات الناتجة عنها، يشكّل عاملًا إضافيًّا يقلِّص الرغبة بشراء هذه المنظومة”.

هل يسمح كيان الاحتلال لدولة عربية أيًّا كانت، ولو بلغ التطبيع لبَّ نخاعها، هل يسمح لها بامتلاك القبّة الحديدية؟

وفي رؤية موازية يرى الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية رامي أبو زبيدة، في حديثه لـ”نون بوست”، “أنه لن يكون لمعركة “سيف القدس” أثر كبير في مجال صفقة توريد القبّة الحديدية، لأن كيان الاحتلال يروِّج لإمكاناته العسكرية، وهو قادر على تجاوز أي خلل يصيب القبّة عبر الصناعات العسكرية الإسرائيلية”.

ويؤكد أبو زبيدة أن “الدول الخليجية المطبِّعة ترى في الصناعات العسكرية الإسرائيلية نموذجًا قويًّا، وأن صفقات السلاح بين الكيان وكل من الإمارات والسعودية، والمعارض العسكرية المشتركة، يدلُّ على وجود تفاهُم متبادَل وتوافق كبير في هذا المجال”.

ولكن، هل يسمح كيان الاحتلال لدولة عربية أيًّا كانت، ولو بلغ التطبيع لبَّ نخاعها، هل يسمح لها بامتلاك القبة الحديدية؟ وهل يصل العداء الخليجي إلى مفاتيح المنظومة الدفاعية الإسرائيلية؟

يجيب أبو زبيدة: “الدول الخليجية والمطبِّعة أصبحت رهينة للابتزاز الصهيوأميركي مقابل الحماية. ومن الواضح أن الاحتلال لن يسمح لدول منطقة الخليج بحرّية التحكم في منظوماته الدفاعية، بل سيعمل على تشغيلها تحت إشرافه شخصيًّا، أو إشراف الجيش الأميركي، المساهم الأبرز في بناء المنظومة”.

هل يقطع الفشل الإسرائيلي الهواء عن التطبيع؟

أفرزت هزيمة جيش الاحتلال أمام المقاومة في “سيف القدس” شكوكًا كبيرة حول جدوى منظومة القبة الحديدية، وبالتالي جدوى مسار التطبيع نفسه، لكن هذه المعادلة تبلغ من التعقيدات ما لا يمكن أن تلتقي فيه الحكومات مع القاعدة الجماهيرية العريضة.

ووفقًا للخبير العسكري رامي أبو زبيدة: “كان التطبيع في الأصل ثمنًا دفعته الأنظمة العربية مقابل الحصول على بعض المطالب، وبالتالي فإن موافقة الكيان على نشر منظومة القبّة الحديدية في الخليج جاء نتيجةً لهذا الثمن”.

ويكمل أبو زبيدة: “إن التأثير الأكبر لنتائج معركة “سيف القدس”، ليس في إضعاف التطبيع الخليجي الإسرائيلي، وإنما اقتناع الحاضنة الشعبية للمقاومة، والدول العربية، بأن هيبة الاحتلال قد كسرت، وأن الكيان ليس البعبع القادر على فرض سيطرته على الجميع بفعل تفوقه العسكري وقوة سلاحه”.

وفي مقارنة سريعة، يقول أبو زبيدة: “أما الأنظمة المطبِّعة فهي عبارة عن منفذ يقتصر دوره على دفع الثمن المالي والسياسي، مقابل الحماية من تهديد الصواريخ قصيرة المدى أو خطر التمدد الإيراني”.

ويذهب أبو زبيدة إلى وجود “مصلحة إسرائيلية في نشر منظومة القبّة بمنطقة الخليج، حتى يتوفر للكيان الصهيوني ساحة إضافية لاختبار أسلحته، وبالتالي تطوير منظوماته الدفاعية دون تعريض المستوطنين للخطر، بالإضافة إلى أن ذلك يجعل الكيان قريبًا من الوجود الإيراني وتحركاته العسكرية، بما يمكّنه من الاطِّلاع على تطور الأسلحة الإيرانية، وصنع منظومات دفاعية رادعة”.

نُسفت رواية الأنظمة المطبِّعة التي كانت تراهن على أنه لا يمكن هزيمة الكيان.

وعلى المقلب الآخر، يؤكد المختص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، أن “نتائج “سيف القدس” أثّرت بشكل كبير على مسار التطبيع. فبالإضافة إلى نسفها رواية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن التهافت إلى عتبات التطبيع يدلّ على أن القضية الفلسطينية قد ماتت، ولم تعد تؤثر على جدول الأعمال الصهيوني”. 

ويتابع النعامي: “كذلك نُسفت رواية الأنظمة المطبِّعة التي كانت تراهن على أنه لا يمكن هزيمة الكيان، وبالتالي يجب بناء شراكات استراتيجية معه. فتعزَّزَ الخطاب المناهض للتطبيع في العالمَين العربي والإسلامي، والمتمسّك بحق المقاومة خيارًا في المواجهة مع الاحتلال”.

الأداء أم التكلفة، أيهما الحكم؟ 

لا تكاد تخلو دولة خليجية من أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ الباليستية والطائرات الحربية المقاتلة، وقد اكتسبت هذه الأنظمة الدفاعية صيتًا واسعًا خلال حرب الخليج الثانية.

وفيما يختص نظام باتريوت في اعتراض الطائرات الحربية والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، تتصدى القبّة الحديدية للهجمات الصاروخية وقذائف الهاون قصيرة المدى، والطائرات المسيّرة.

ولكن الإصرار العجيب من الدول الخليجية المطبِّعة لشراء منظومة القبّة الحديدية، رغم فشلها الواضح في العدوان الأخير على غزة، يشير إلى احتمال التوجُّه إلى التكلفة الأقل ولو على حساب السمعة والأداء.

فبينما تبلغ تكلفة صاروخ باتريوت 3 ملايين دولار، لا تتجاوز تكلفة صاروخ القبّة الحديدية 62 ألف دولار، وهو فارق شاسع جدًّا، قد يكون وراء الرغبة بامتلاك القبّة. 

مع الأخذ بعين الاعتبار أن صواريخ القبّة فعّالة أكثر ضدّ الصواريخ التي يطلقها الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية، وتعتمدُ سياسة التوفير عبر تقييد الاعتراض في الصواريخ والقذائف التي تحدِّد المنظومة أنها ستستهدف أماكن يتوجّب حمايتها، ما يعني أن الصواريخ لن تطلَق عبثًا لملاحقة صواريخ وقذائف مضادة تسقط في منطقة غير مأهولة مثلًا.

وأيًّا تكن المسوِّغات العسكرية والمادية وحتى السياسية القائمة على الشراكة مع الاحتلال، يبقى الأهم كيف يسوِّق الجيش المهزوم مرارًا لأنظمته الدفاعية، ويحفظ مكانتها العالمية مع المنافسَين الأميركي والروسي؟ وكيف تلقى البروباغندا العسكرية آذانًا صاغية في منطقة الخليج بعدما رأت بأمّ عينَيها صواريخ المقاومة الفلسطينية تشوِّش الذاكرة التي من حديد، فيختلط عليها الأمر وتنسى كيف تعترضها؟