جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حول ضرورة العمل الدولي على ردع إيران، بعد الهجمات التي شنّتها على سفينة إسرائيلية في الأيام الماضية في بحر عُمان، كي تؤسِّس لنهج استراتيجي جديد بدأت تعتمده إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حيال إيران، عبر تفعيل منظومة الأمن الجماعي.
فالخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه إيران هذه المرة، أنها استهدفت 4 قوى في آن واحد: السفينة (“إسرائيل”)، القتيل (بريطاني)، منطقة العمليات (الولايات المتحدة)، خطوط النقل الدولي (المجتمع الدولي).
وتحاول الولايات المتحدة هذه المرة إخضاع إيران عبر تفعيل منظومة الإجماع الدولي ضدّها، خصوصًا أن هذا التحول الأميركي يأتي مع الأيام الأولى من وصول الرئيس الإيراني المنتخَب إبراهيم رئيسي، وهذا يبدو واضحًا عبر خلق إجماع دولي حول ضرورة أن تدفع إيران الثمن جراء هجومها الأخير، كما عبّر عن ذلك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
ورغم عودة إيران إلى اعتماد سياسة الإنكار عن ضلوعها في الهجمات الأخيرة، مع أن قناة “العالم” الإيرانية كانت قد أعلنت بعد وقوع الهجوم بدقائق، أن هذا الهجوم يأتي كردٍّ من محور المقاومة على الهجمات التي سبق وأن شنّتها “إسرائيل” على مطار الضبعة السوري، والذي راح ضحيته عنصرٌ في الحرس الثوري وعنصرٌ في حزب الله اللبناني؛ إلا إن هذا الإنكار لم يعد مقنعًا للمجتمع الدولي، الذي يبدو أنه أصبح على دراية واضحة لطبيعة السلوكيات الإيرانية.
هناك تصميم إسرائيلي واضح بالردّ على إيران.
تفعيل منظومة الأمن الجماعي ضد إيران
يعني تفعيل هذه المنظومة عودة الملف الإيراني مرة أخرى لمجلس الأمن الدولي، كون الفعل الذي تقوم به مهدِّد للسلم والأمن الدوليَّين، وهذا يعني أننا سنكون أمام قرارات دولية قريبة ضد إيران.
فالتحشيد الدولي الذي تقوم به الولايات المتحدة الآن، يشبه إلى حدٍّ كبير التحشيد الذي مارسته ضد العراق، وعلى ما يبدو أن سيناريو الهجوم الجوّي الذي شنّته على العراق عام 1998، المعروف باسم عملية “ثعلب الصحراء”، عبر استهداف عدة مواقع مهمة، سيجد طريق تطبيقه ضد إيران أيضًا.
وفي مقابل ذلك، تبدو إيران متهيّئة لمثل هذا السيناريو، عبر نصب العديد من صواريخ إس-300 ومنظومات دفاع جوي في محيط العديد من المواقع النووية، إلى جانب تفعيل منظومة الدفاع الساحلي.
وفضلًا عن ذلك، قامت إيران مؤخّرًا بنصب العديد من منظومات الرادار على الحدود العراقية السورية، إلى جانب تغيير مواقع بعض نقاطها العسكرية داخل سوريا، كإجراء احترازي لأي ضربة تشنّها “إسرائيل” في الأيام المقبلة.
كما يطرح الهجوم السيبراني نفسه كخيار مهمّ في منظومة الرد على إيران، خصوصًا أنه المجال الذي حقّقت فيه “إسرائيل” والولايات المتحدة نجاحات مهمة، من خلال تطبيق العديد من الاختراقات في منظومة الأمن الإيرانية، وتحديدًا المنشآت النووية.
“إسرائيل” مستعجلة للردّ
أشارت المطالعات الصحفية الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، إلى أن هناك تصميمًا إسرائيليًّا واضحًا للردّ على إيران، وإن إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا ضرورة الردّ على إيران، هو بمنزلة ضوء أخضر لـ”إسرائيل” للبدء بهذه المهمة.
فقد أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، أن بلاده تعرف كيف “تردّ بمفردها” على إيران، وذلك بعد تأكيد واشنطن أنها تدرس “ردًّا جماعيًّا مع الشركاء الدوليين” على طهران، عقب اتهامها باستهداف ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية قبالة ساحل عُمان.
كما قال بنيت أيضًا، خلال زيارة أجراها إلى مقرّ قيادة المنطقة العسكرية الشمالية، برفقة رئيس الأركان أفيف كوخافي وعدد من القادة العسكريين، بحسب بيان لمكتبه: “بخصوص السفينة والملف الإيراني بشكل عام، فنحن نعمل على حشد العالم، ولكن في موازاة ذلك، نعلم أيضًا كيف نعمل بمفردنا”.
تحاول “إسرائيل” أن تنعكس عملية الردّ المفترضة بصورة مباشرة على المفاوضات الجارية في فيينا.
أما صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، فأشارت إلى أن “الحديث عن عدم قدرة “إسرائيل” على تجاهل الهجوم الخطير الذي شنّته إيران على السفينة “ميرسر ستريت”، يعني أنها من المتوقع أن تردَّ، وهي بذلك تخترق خط المواجهة في وسائل الإعلام، وترى الهجوم على السفينة هجومًا عليها، ولذلك فإنه من الصعب أن نفهم سبب الحرص الإسرائيلي على خوض المعركة”.
وأشارت إلى أن “هذه السفينة مملوكة لليابانيين، وتديرها شركة بريطانية، ومالكها إسرائيلي، لكن ذلك لا يجعلها سفينة إسرائيلية، كما أن القتلى في الهجوم نقيب روماني وحارس أمن بريطاني، فلماذا إذًا تنظر “إسرائيل” إلى الهجوم على أنه هجوم على سفينة إسرائيلية، مع العلم أنه لدينا مصلحة واضحة في عدم خوض المعركة ضد إيران وحدها، في ما يتعلق بأمن الملاحة البحرية”.
الذي يبدو واضحًا هو أن الإصرار الإسرائيلي على الردّ، يوضِّح الرغبة الإسرائيلية في توظيف الإجماع الدولي حول حقها في الردّ على الهجوم الإيراني.
كما إن “إسرائيل” تحاول أن تنعكس عملية الردّ المفترضة بصورة مباشرة على المفاوضات الجارية في فيينا، خصوصًا أنها قد أبدَت تحفُّظاتها على المسار الذي تجري بموجبه المفاوضات النووية، وتحديدًا التعهدات الأميركية التي تحفظ لإيران على الأقل الاحتفاظ بقاعدة نووية يمكن إحياءها في أي وقت تريده إيران.
ومن المؤكد أن “إسرائيل” لا تريد أن يتم ذاك الأمر، وسوف تعمل على إجهاضه في أي مناسبة تُتاح لها، وهو ما تُحاول تأكيده في إصرارها الحالي بالردّ على إيران، في الزمان والمكان المناسبَين لها.