ترجمة حفصة جودة
عندما سمع محمد قبلان عن زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي لسوريا الشهر الماضي، قرر أن يقوم برحلة مدتها ساعتين من بيروت إلى دمشق، يقول رجل الأعمال اللبناني الذي يعمل مستشارًا للشركات الصينية التي تتطلع للعمل في البلاد التي مزقتها الحرب: “كانت الزيارة مهمة للغاية وأردت أن أكون هناك للحصول على معلومات”.
كانت زيارة وانغ التي تزامنت مع أداء اليمين الدستورية للرئيس بشار الأسد، محل ترحيب لدى الحكومة السورية وهللت لها دمشق وفسرتها بأنها علامة كبيرة على دعم بكين.
أشاد وزير الخارجية الصيني بإعادة انتخاب الأسد بنسبة أصوات وصلت إلى 95% كعلامة على قوة البلاد – رغم رفض الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي للنتائج بشكل واسع – وقدم دعوة لسوريا للانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
يقول وانج: “نرحب بسوريا كشريك جديد في مبادرة الحزام والطريق، وندعم سوريا في معارضتها للعقوبات أحادية الجانب لتخفيف المعاناة الإنسانية”.
في عام 2013 أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق كمبادرة تنموية واستثمارية قدرها تريليونات الدولارات، وتسعى للمساعدة في تمويل الطرق والسكك الحديد والطرق البحرية في أكثر من 70 دولة.
سوريا تأمل في الانضمام لمبادرة الحزام والطريق وتعزيز التعاون مع الصين في الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والتعليم
أثار المشروع الجديد القلق بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فقد شهد توسع النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
تأمل حكومة الأسد – مثل قبلان – في أن الدعم السياسي الذي تقدمه بكين قد يأتي باستثمارات مالية للمساعدة في نهوض سوريا بعد أن هدأ الصراع الذي دمر البلاد لعشر سنوات.
تقول التقارير إن الأسد قال ليانغ: “سوريا تأمل في الانضمام لمبادرة الحزام والطريق وتعزيز التعاون مع الصين في الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والتعليم، ودمشق ستتبنى سياسة تتجه نحو الشرق”.
وفقًا للبنك الدولي فإن الاقتصاد السوري مدمر حتى أكثر من بعض مدنه وقراه المقصوفة، وقد تقلص بنسبة أكثر من 60% منذ بداية ثورات الربيع العربي.
مع زيادة انهيار الاقتصاد بسبب العقوبات الأمريكية والانهيار المالي في لبنان المجاور، حاول الأسد كثيرًا جذب الاستثمار الصيني لسوريا ما بعد الحرب.
هناك شرطان رئيسيان للعمل مع الصين: من الناحية السياسية يجب أن نكون أصدقاء، ومن الناحية الاقتصادية يجب أن يستفيد كلانا
يقول كرم شعّار رئيس مركز السياسات والعمليات – وهي مجموعة بحثية سورية في تركيا -: “عند الحديث من الناحية الاقتصادية فإن الحكومة السورية لم تعان أبدًا مثل هذه المعاناة الآن، إذا أرادت الصين، بإمكانها إنقاذ النظام السوري”.
الأسد في حاجة ماسة لدعم الصين
رغم أن الصين لم تنشر قواتها في سوريا مثل روسيا وإيران، فقد كانت داعمًا مخلصًا بشكل علني للأسد على الساحة الدولية، وتحدّت الضربات الجوية الغربية ودافعت عن دمشق في الأمم المتحدة.
من بين 16 مرةً استخدمت فيها الصين حق الفيتو في مجلس الأمن، كانت 10 مرات منها لحماية الأسد، تقول ناتاشا هال الباحثة في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية: “ترى الصين في الأسد الشخص الذي سيحكم سوريا في المستقبل، والنظام في حاجة ماسة لهذا الدعم الدبلوماسي”.
تقول إليانا إبراهيم مواطنة صينية ورئيس الرابطة العربية الصينية لتعزيز التبادل الثقافي والتجاري في بيروت إنها تتفق مع الدعم السياسي الذي تقدمه الصين للأسد، لكنها تشكك في الأساس الذي يمكن عليه بناء علاقات اقتصادية عميقة.
تبلغ تكلفة إعادة إعمار سوريا بين 250 إلى 400 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لدولة كان إجمالي ميزانيتها في 2018 بالكاد 9 مليارات دولار، كما أنها منعزلة عن النظام المالي العالمي، تقول إليانا: “إنني أتساءل أين التمويل؟ وأين عائدات الصين وأرباحنا؟ هناك شرطان رئيسيان للعمل مع الصين: من الناحية السياسية يجب أن نكون أصدقاء، ومن الناحية الاقتصادية يجب أن يستفيد كلانا”.
في 2016 أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن تركيزها كان أكبر على دول الخليج الغنية بالنفط والدول الأكثر استقرارًا بشكل نسبي مثل مصر والجزائر
رغم أن دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يتمتعان بعلاقات دافئة مع دمشق، فإنه من غير الواضح ما إذا كان بإمكانهما تجاوز عقوبات الاتحاد الأوروبي وأمريكا على سوريا.
منذ استعادتها لأكثر من 70% من البلاد أكدت حكومة الأسد على الوضع المميز الذي سيحصل عليه حلفاؤها مثل الصين إذا شاركوا في إعادة بناء المناطق المقصوفة، يقول شعّار: “يعتقد السوريون حقًا أنهم بإمكانهم الحصول على شيء ما من الصينيين”.
في 2018 قال الرئيس شي جين بينغ إن سوريا ستحصل على ملايين الدولارات كمساعدات وتمويل لإعادة البناء، قبل ذلك بعام وعدت بكين باستثمار ملياري دولار في التجمعات الصناعية في أنحاء البلاد، تقول إليانا: “لم يتحقق الدعم المالي حتى الآن، ولم أر أي شركات صينية مملوكة للدولة تستثمر في سوريا بعد”.
جني الأموال
من المؤكد أن بصمة الصين الاقتصادية ازدادت في المنطقة بشكل أوسع، في 2016 أصبحت أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن تركيزها كان أكبر على دول الخليج الغنية بالنفط والدول الأكثر استقرارًا بشكل نسبي مثل مصر والجزائر.
يقول قبلان إن ما يعيق الشركات الصينية ليس الوضع الأمني، لكنها الأزمة الاقتصادية والعقوبات الغربية، ويضيف “البلاد آمنة، لكن الصين قلقة أكثر بشأن العقوبات، فهم لا يريدون افتعال المشكلات مع الأمريكيين”.
بينما تنحت الشركات الصينية الكبرى جانبًا، ظهرت شركات خاصة أصغر تبحث عن قطاعات مناسبة يمكن من خلالها تحقيق أرباح في الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب.
إن الأنشطة الاقتصادية للصين ربما تظل محصورة في المشاريع الصغيرة في المستقبل القريب
يقول شون تاو – مقاول أمني صيني عمل في سوريا حتى 2018 – متحدثًا عن رجال الأعمال المنجذبين للبلاد: “هؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم قراصنة، يمتلك الكثير من رجال الأعمال الصينيين روحًا مغامرة، فهم يقولون: لنذهب إلى سوريا ونجمع المال، لكن معظهم يخسر ماله، ومع ذلك نجح القليل منهم”.
من بين هؤلاء رجل أعمال مقيم في دمشق يُدعى دايون، يقول دايون أنه جاء إلى سوريا قبل 3 سنوات بحثًا عن الفرص، وأسس شركة لاستيراد مصابيح “LED” من الصين ويبيعها بالجملة والتجزئة.
يقول دايون إن الوضع صعب بسبب الحرب وانهيار العملة، والناس لا يملكون المال، ومع ذلك ينوي دايون البقاء ويدّعي أنه يعرف الكثير من رجال الأعمال الذين سيأتون إلى سوريا من الصين.
وفقًا لقبلان فإن الوضع الاقتصادي جعل الأمور صعبة، لكن رجال الأعمال الصينيين مبدعون، تعاني سوريا من نقص حاد في النفط، لذا نمت صناعة مربحة حول استيراد الألواح الشمسية من الصين من أجل مشروعات يمولها مستثمرون سوريون.
لكن مع وقوع أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر ولا توجد أي علامات على انتهاء العقوبات الغربية، فإن الأنشطة الاقتصادية للصين ربما تظل محصورة في المشاريع الصغيرة في المستقبل القريب.
تقول هال: “في الوقت الراهن، هذه الأماكن ليست جذابة للمستثمرين، لكنني أعتقد أن الصين تنظر إلى الطريق الطويل أمامها وتخطط بشكل إستراتيجي”.
المصدر: ميدل إيست آي