كثفت كل من تركيا والجزائر تحركاتهما الدبلوماسية فيما يتعلق بالأوضاع المتقلبة في تونس بعد انقلاب الرئيس قيس سعيد على دستور بلاده ومؤسساتها الشرعية، تحركات ينتظر العديد من التونسيين أن تثمر وتساهم في حلحلة الأزمة في بلادهم، في ظل سعي بعض الدول الأخرى لتوتير الوضع ودفع الرئيس لاتخاذ إجراءات كيدية ضد فئات مختلفة من الشعب لتوطيد حكمه.
تحركات مكثفة
لم تنتظر العديد من الدول كثيرًا لإبداء موقفها مما حصل ليلة 25 من يوليو/تمُوز الماضي في تونس من انقلاب دستوري قاده رئيس البلاد بهدف الاستحواذ على كل السلطات، منهم من عبر عن رفضه المنطلق وتنديده بتحركات سعيد، ومنهم من ساند، ومنهم من دعا لتغليب صوت الحكمة ومنطق العقل لتجاوز الأزمة.
سنركز هنا على الموقفين التركي والجزائري، فعقب الانقلاب مباشرة أفاد بيان للرئاسة الجزائرية بأن الرئيس عبد المجيد تبون تلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره التونسي، وذكر بيان الرئاسة أن تبون وسعيد تحدثا عن تطورات الأوضاع في تونس وسبل تعزيز العلاقات.
ما يلاحظ هنا أن بيان الرئاسة الجزائرية لم يحمل أي موقف للجزائر مما حدث في تونس، وهو موقف ليس بجديد على الدبلوماسية الجزائرية التي لا تحبذ كثيرًا المواقف العلنية في الملفات الحساسة، ودائمًا ما تختار البقاء على الحياد علنًا.
لكن لم تكتف الجزائر بهذا الاتصال، فقد جمع رئيسي البلدين اتصال ثانٍ، كما حل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بتونس، في مناسبتين وهو ما لم يحدث من قبل، وذلك للتعرف على الأوضاع عن كثب.
الجزائر وتركيا كانا أكثر بلدين تحركا بخصوص الملف التونسي والتغييرات الأخيرة في هذا البلد العربي
أما تركيا فسرعان ما أكدت رفضها ما حصل في تونس، إذ علق المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن قائلًا: “نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب التونسي الصديق والشقيق، وندين المبادرات التي تفتقر للشرعية الدستورية والدعم الشعبي، ونعتقد أن الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذه العملية”.
فيما أبدت وزارة الخارجية التركية “قلقها البالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس”، وأعربت عن أملها في إعادة إرساء الشرعية الديمقراطية في إطار أحكام الدستور التونسي بأسرع وقت”، وشددت على أن حماية هذه المكانة الاستثنائية لتونس ومكتسباتها الديمقراطية تحمل أهمية كبيرة بالنسبة للبلاد والمنطقة أيضًا.
أردوغان يؤكد في اتصاله مع سعيد أن استمرار البرلمان التونسي بأعماله رغم كل الصعوبات أمر مهم لديمقراطية تونس والمنطقة pic.twitter.com/U3Hywlgu9F
— يني شفق العربية (@YeniSafakArabic) August 2, 2021
بدوره أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي جمعه بنظيره التونسي قيس سعيد، أن استمرار البرلمان التونسي بأعماله رغم كل الصعوبات أمر مهم لديمقراطية تونس والمنطقة، وأشار أردوغان إلى أهمية الحفاظ على استقرار تونس وسلمها الداخلي المهم لاستقرار المنطقة، لافتًا إلى متابعته التطورات الأخيرة التي شهدتها تونس مؤخرًا من هذا المنظور.
وكثف أردوغان اتصالاته الخارجية في هذا الصدد، إذ اتصل بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون وبحثا التطورات الأخيرة في تونس، كما بحث أردوغان الأمر نفسه مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي في اتصال هاتفي.
تنسيق كبير
يلاحظ من هنا أن الجزائر وتركيا كانا أكثر بلدين تحركا بخصوص الملف التونسي والتغييرات الأخيرة في هذا البلد العربي، ذلك أن كلاهما يسعى إلى عدم انزلاق الأوضاع هناك نحو الفوضى والعنف لما فيه من خطر على المنطقة ككل.
وتفيد العديد من المؤشرات إلى وجود تنسيق كبير بين البلدين – الذين تشهد العلاقات بينهما تقاربًا لافتًا في الآونة الأخيرة – بخصوص ما يحدث في تونس، وتقوم السياسة التركية والجزائرية على قاعدة رفض كل الانقلابات في أي مكان بالعالم وتحت أي ظروف.
ينتظر العديد من التونسيين تحركًا جزائريًا وتركيًا أكبر لإعادة المسار الديمقراطي والدستوري في بلادهم
يرى الإعلامي الجزائري رياض المعزوزي أن “الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الجزائري تبون مع الرئيس التركي أردوغان بعد القرارات المفاجئة للرئيس التونسي قيس سعيد بحل الحكومة والبرلمان، دليل واضح على التنسيق المتكامل الأركان بين الجزائر وتركيا في رسم الغد التونسي”.
رفض للحلف المصري الإماراتي
يؤكد المعزوزي في حديثه لنون بوست أن السبب وراء هذا التنسيق أهمية تونس لكلا البلدين وأيضًا خشيتهما من سقوطها في يد الحلف المصري الإماراتي خاصة أن الطرفين كانت لهما نفس خريطة الطريق بليبيا للوقوف ضد التمدد المصري الإماراتي تحت لواء ميليشيات خليفة حفتر.
سارعت الجزائر إلى التدخل المباشر من خلال اتصالين هاتفيين بين تبون وقيس انتهت آخرها بإعلان سعيد عن قرب موعد إصدار قرارات مهمة، ما يعني أن للجزائر دور في تلك القرارات، وفق المعزوزي، إضافة إلى زيارتين متقاربتين لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي قال إن استقرار تونس من استقرار الجزائر.
أردوغان يبحث مع نظيره الجزائري التطورات في تونس #تركيا #الجزائر #أردوغان #تبون #تطورات_تونس
— أنباء الخضراء?? (@anbaaalkhadraa) July 30, 2021
يضيف محدثنا “المرحة المقبلة بتونس سيكون فيها اللاعب الرئيسي الجزائر، التي لا تريد أن ترى نموذج ليبيا آخر مكرر في المنطقة، ولا تريد رؤية خليفة حفتر آخر ولا “إسرائيل” أخرى على الحدود الشرقية، فالجزائر متيقنة أن سيطرة حلف الشر المصري الإماراتي سيكون تمهيدًا لتطبيع علني تونسي مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما لا تريده بعدما باتت حدودها الغربية مع المملكة المغربية تحت سيطرة السلام المغربي الإسرائيلي”.
“أما بخصوص التمدد الإماراتي المصري في المنطقة، فالجزائر اختصرت الرد عليه على لسان الرئيس عبد المجيد تبون في حواره الأخير مع قناة الجزيرة، بحيث أكد أن الجزائر كانت ستتدخل في ليبيا لمنع سقوط طرابلس، أي وقف التمدد المصري الإماراتي برعاية خليفة حفتر على الأرض”، وفق المعزوزي.
أردوغان يبحث مع نظيره الجزائري التطورات في تونس #تركيا #الجزائر #أردوغان #تبون #تطورات_تونس
— أنباء الخضراء?? (@anbaaalkhadraa) July 30, 2021
يرى الصحفي رياض المعزوزي أن الجزائر تواصل الوقوف ضد أي مشروع مصري إماراتي بتونس والمنطقة، لأنها متيقنة بأن ذلك يعني توطين آخر للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، حتى إنها مؤخرًا دخلت على خط سد النهضة الذي يعد ضغطًا آخر على مصر ومشاريعها التوسعية.
ويرى النظام الجزائري أن الحلف المصري الإماراتي ومعهم فرنسا يريدون لخبطة الأوضاع مجددًا في شمال إفريقيا بعد فشلهم في ليبيا، فهذا الحلف يسعى بما أوتي من جهد لزعزعة الوضع في المنطقة خدمة لمصالحهم وهو ما ترفضه الجزائر.
ويعتبر قرار إغلاق قناة العربية رسالة مباشرة للإمارات وحلفها المعادي لحرية الشعوب العربية، فالجزائر أرادت أن تقول لهذا الحلف إنها بالمرصاد له وإنه تحت أنظارها ومراقبتها والمنطقة لن تكون خلفية سهلة لهم.
نفس الأمر بالنسبة إلى تركيا، فأنقرة التي تدخلت في ليبيا ترى أن استقرار تونس يكمن في ابتعاد الحلف المصري الإماراتي عنها، كما أن تركيا لا تريد أن تخرج الأوضاع عن السيطرة في تونس لما له من انعكاسات كبيرة على المنطقة.
ينتظر العديد من التونسيين تحركًا جزائريًا وتركيًا أكبر لإعادة المسار الديمقراطي والدستوري في بلادهم، فهم لا يريدون أن تنحرف البلاد إلى الديكتاتورية مجددًا، ولا يريدون أن يسيطر الحلف المعادي للثروات العربية على قرارهم ودولتهم.