إزاحة “إسرائيل” من الاتحاد الإفريقي.. استفاقة عربية متأخرة

تقود الجزائر حملة دبلوماسية عربية داخل الاتحاد الإفريقي لإزاحة “إسرائيل” عن هذا الكيان القاري بعد أسبوعين من حصولها على عضويته بصفة مراقب، وذلك للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعم القضية الفلسطينية.
تسعى الجزائر من خلال هذا التحرك بالتعاون مع 13 دولة عربية وإفريقية تشكيل لوبي ضاغط على رئاسة الاتحاد لإعادة النظر في قرار قبول عضوية دولة الاحتلال بعد أكثر من عقدين من المحاولات المستميتة التي استجاب لها رئيس المفوضية، موسى فكي محمد، بشكل فردي دون التشاور مع معظم الأعضاء الـ55 داخل هذا الكيان، الأمر الذي أثار حفيظة الكتلة العربية بجانب بعض الدول العربية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وتقدمت تلك الدول باعتراض رسمي طالبت بإدراجه على جدول أعمال الجلسة المقبلة للاتحاد للبت في هذه المسألة التي تمثل نقطة فاصلة في مسار التوغل الإسرائيلي في مفاصل القارة الإفريقية والعمل على تعزيز أجندتها التوسعية هناك بما يهدد مصالح القارة والدول العربية على حد سواء.
تكتل دبلوماسي بقيادة الجزائر
كانت الجزائر الدولة العربية الأولى التي اعترضت على قبول “إسرائيل” بالاتحاد، وفي 25 من يوليو/تموز الماضي، أعلنت وزارة خارجيتها، في بيان لها، رفضها هذا القرار الذي وصفته بأنه “اتخذ دون مشاورات”.
ونجحت الدبلوماسية الجزائرية في حشد عدد من الدول العربية والإفريقية لدعم موقفها لإلغاء قرار الاتحاد الذي يتعارض مع المصلحة العليا له وقيمه التاريخية، لافتين في بيان لهم أن “قرار موسى فكي شكّل تجاوزًا إجرائيًا وسياسيًا غير مقبول منه لسلطته التقديرية”.
البيان طلب إدارج مذكرة الاعتراض على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي “وفقًا للفقرة 5 من القسم الثاني من الجزء الثاني من معايير منح صفة مراقب”، فيما اعتبرت الدول الموقعة أن الخطوة تتعلق “بمسألة سياسية وحساسة أصدر بشأنها الاتحاد الإفريقي على أعلى مستويات صنع القرار فيه ومنذ زمن طويل مقررات واضحة تعبر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية والمدين لممارسة “إسرائيل” بأشكالها كافة في حق الشعب الفلسطيني، التي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وقيمه ومثله ومقرراته”.
انضمام مصر لتكتل الدول الساعية لرفض قبول “إسرائيل” عضوًا بالاتحاد الإفريقي أثار الكثير من التساؤلات في ظل العلاقات القوية التي تجمع بين القاهرة وتل أبيب
الدول المعترضة “تأسفت على أن رئيس المفوضية لم ينظر في الطلب الإسرائيلي على نحو ما سار عليه سابقوه وفقًا للمبادئ والأهداف الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي والمقررات الصادرة عن أجهزة الاتحاد المختلفة، وكذلك المصلحة العليا للاتحاد وآراء وانشغالات الدول الأعضاء ومعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الإفريقي التي اعتمدها المجلس التنفيذي في 2005، وهو ما يمثل تجاوزًا إجرائيًا وسياسيًا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التقديرية”، وأشار البيان إلى المواقف الإفريقية الثابتة والداعمة للحقوق الفلسطينية المشروعة” بحسب البيان.
وأجرت الجزائر اتصالات مكثفة خلال الأيام الماضية لحشد رأي عام قاري ضد هذا القرار الذي كان ضمن أجندة زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الأخيرة إلى القاهرة، التي نجح خلالها في تحريك المياه الراكدة إزاء هذا الملف بعد أسبوعين من إعلان قبول دولة الاحتلال.
وكانت كلٌّ من الجزائر وتونس ومصر وليبيا وموريتانيا وجزر القمر وجيبوتي قد اعترضوا رسميًا على قرار الاتحاد، فيما أكدت سفارات الأردن والكويت وقطر واليمن وفلسطين وبعثة جامعة الدول العربية لدى أديس أبابا، تضامنها مع هذا التحرك الدبلوماسي العربي.
ماذا عن الموقف المصري؟
انضمام مصر إلى تكتل الدول الساعية لرفض قبول “إسرائيل” عضوًا بالاتحاد الإفريقي أثار الكثير من التساؤلات في ظل العلاقات القوية التي تجمع بين القاهرة وتل أبيب، التي كانت مثار انتقاد بشأن الصمت الرسمي حيال إعلان تل أبيب هذا القرار، لكن يمكن تفهم هذا الموقف في ضوء عدد من السياقات العامة التي فرضت نفسها على المشهد مؤخرًا.
أول تلك السياقات يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أبدت “إسرائيل” ملاحظات عدة حيال الدور الذي تقوم به مصر فيما يتعلق بالوساطة وجهود التهدئة بين المقاومة ودولة الاحتلال، إذ اتهم الكيان الإسرائيلي الجانب المصري أكثر من مرة بعدم فرض الضغوط الكافية على حركة المقاومة حماس لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات، وهو ما أغضب القاهرة بشكل واضح وإن لم يتم إعلان ذلك بصورة رسمية إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تترجم هذا الامتعاض منها التلويح بإشراك تركيا في عمليات المفاوضات الخاصة بصفقة الأسرى.
ورغم العلاقات القوية التي تجمع بين نظامي الحكم في القاهرة وتل أبيب لا سيما خلال حكم رئيس الحكومة العبرية السابق، بنيامين نتنياهو، فإن اتساع رقعة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، والعبث بأمن ومصالح مصر في الناحية الشرقية والجنوبية على حد سواء، كان باعثًا لتحركات مصرية حثيثة لتطويق النفوذ الصهيوني وعدم الانخراط في سياقات وتفاهمات تخدم تلك الأجندة سواء كان ذلك بقصد أم دون قصد.
ملف سد النهضة كان حاضرًا هو الآخر في المشهد بصورة كبيرة، فانضمام “إسرائيل” لعضوية الاتحاد في ظل دعمها المتواصل للتحركات الإثيوبية والعلاقات القوية التي تجمع بين البلدين، ربما ينعكس بصورة سلبية على الموقف المصري إزاء هذا الملف.
العديد من التسريبات تذهب إلى تورط إسرائيلي واضح في مشروع بناء السد الذي يهدد الأمن المائي المصري ويضع مستقبل الملايين من المصريين على المحك، ورغم نفي تل أبيب تلك التسريبات، فإن مسار العلاقات بين “إسرائيل” وإثيوبيا يؤكد بشيء أو بآخر تعاونًا غير مسبوق في مختلف المسارات التي تقوي الموقف الإثيوبي وتشجعه على المضي قدمًا في قرارته الانفرادية رغم ما تحمله من تهديدات لمصالح مصر والسودان.
ومن ثم لا يرغب الجانب المصري في تعزيز أقدام “إسرائيل” بالقارة الإفريقية كي لا تضع قدمًا لها في أزمات مصر الجنوبية، ولذا عندما تتهيأ الفرصة أمام القاهرة لتحجيم الرغبة الإسرائيلية في توسيع النفوذ الإفريقي والعربي على حد سواء، لا تدخر جهدًا لانتهازها بالطرق الدبلوماسية قدر الإمكان.
تغلغل إسرائيلي في مفاصل إفريقيا
منذ العزلة الإفريقية التي تعرضت إليها “إسرائيل” في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حين أُغلقت العديد من السفارات الإسرائيلية في الدول الإفريقية، ولم تتوان الدولة العبرية عن بذل الجهود الدبلوماسية لاستعادة حضورها القاري مرة أخرى.
وعبر عقود من الدبلوماسية، الناعمة أحيانًا والخشنة أحايين أخرى، مستندة إلى النفوذ المالي والسياسي، نجحت تل أبيب خلال السنوات القليلة الماضية في تجاوز مرحلة الخناق الدبلوماسي الذي كان مفروضًا عليها، مخترقة جدار العزلة حتى باتت اليوم تمتلك علاقات دبلوماسية مع 40 دولة من بين 45 دولة تتكون منها القارة السمراء، بينهم 10 دول بها سفارات كاملة على أعلى مستويات التمثيل، في حين أن 15 دولة إفريقية لديها سفارات دائمة في “إسرائيل”.
عرف الإسرائيليون جيدًا في علاقتهم المتأرجحة بالأفارقة من أين تؤكل الكتف، مستغلين الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية لمعظم دول القارة كباب واسع للدخول وتوسيع النفوذ هناك، فكان لهم ما كانوا، عبر حزمة مساعدات اقتصادية وشراكات استثمارية بمشروعات مليارية لكسب الدعم وشراء القرار السياسي لتك الدول، أو على الأقل التأثير فيه وعليه.
وتخطط “إسرائيل” بجانب استفادتها قدر الإمكان من الثروات الطبيعية لإفريقيا، لتدشين محور تحالفي جديد مع دول القارة، يحول دون التصويت ضدها في المحافل الدولية، أو على الأقل تلتزم تلك الدول الـ54 الحياد بدلًا من التصويت المضاد لها، كما حدث في السنوات الماضية.
التحرك الجزائري العربي الإفريقي لإزاحة دولة الاحتلال عن الاتحاد خطوة تأتي في الطريق الصحيح، وإن كانت متأخرة، لتأكيد بقاء القضية الفلسطينية على رأس أولويات العقل العربي
التمدد الإسرائيلي في القارة تجاوز مرحلة توسعة رقعة النفوذ لتهديد مصالح بعض القوى العربية وعلى رأسها مصر، فالعبث الذي تقوم به تل أبيب في خاصرة الدولة العربية جنوبًا بات أمرًا مزعجًا للقاهرة، قيادة وشعبًا، لا سيما النشاط المثير للقلق في منطقة القرن الإفريقي وتعزيز العلاقات مع خصوم المحروسة إفريقيًا وفي المقدمة منهم إثيوبيا.
وفي المجمل لا بد من الإشارة إلى أنه ما كان لـ”إسرائيل” أن تتوغل في مفاصل القارة الإفريقية بهذا الشكل بمعزل عن التراجع العربي الواضح والانسحاب شبه الكامل من القارة لسنوات طويلة كانت أمريكا والغرب فيها قبلة العرب الأولى فيما تذيل أصحاب البشرة السمراء قائمة الاهتمامات والأولويات.
التحرك الجزائري العربي الإفريقي لإزاحة دولة الاحتلال عن الاتحاد خطوة تأتي في الطريق الصحيح، وإن كانت متأخرة، لتأكيد بقاء القضية الفلسطينية على رأس أولويات العقل العربي، مهما كانت الضغوط والإغراءات لإبعادها عن المشهد بأي طريقة كانت.
وبصرف النظر عن نتائج تلك الجهود التي تتوقف على مدى توظيف الدول العربية والإفريقية الرافضة لهذا الوجود، لإمكاناتها ونفوذها الاقتصادي والسياسي، وحجم الضغوط الممارسة على قيادة الاتحاد، إلا أن هذه الخطوة تعد في حد ذاتها رسالة واضحة المعالم برفض سرطان الاحتلال رغم المساعي الحثيثة للبحث عن شرعيتة عبر قنوات التطبيع التي لم تؤت ثمارها حتى الآن.