أظهرت وسائل الإعلام الإماراتية فضلًا عن قيادة البلاد، فرحًا كبيرًا بعد انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على دستور بلاده ومؤسسات الدولة الشرعية، فرحة جاءت بعد سنوات من المساعي الحثيثة لدولة الإمارات للإطاحة بالتجربة الديمقراطية في تونس، خشية أن تصل إليها رياح الحرية ويتأثر شعبها ويحصل ما لا تتوقعه، فهل حققت الإمارات أهدافها في تونس وأجهضت تجربة الانتقال الديمقراطي هناك؟
عيد عند الإماراتيين
استبق الإعلام الإماراتي قرارات سعيد الأخيرة بالحديث عن خطورة الأزمة في تونس ووضع المسؤولية كلها على كاهل حركة النهضة، وانخرطت هذه المؤسسات في حملة التجييش ضد مؤسسات الدولة في تونس من خلال نشر تقارير منها المزيف ومنها المبالغ فيه، وحرضت التونسيين على الخروج للشارع والتظاهر بهدف إسقاط منظومة الحكم في بلادهم.
ما إن أعلن قيس سعيد انقلابه الدستوري ليلة 25 من يوليو/تموز الماضي – تزامنًا مع الاحتفال بعيد الجمهورية في تونس – حتى بدأ الإعلام الإماراتي التهليل والتصفيق، واصفًا ما حدث بأنه انتصار جديد على جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن كونه مثل “سقوط آخر معاقل الإخوان”.
أعلن الإعلام الإماراتي الأفراح والليالي الملاح مُستبشِرًا بإبادة سياسية جديدة للإسلاميين في العالم العربي، بعد ما حصل لهم في مصر بدعم مباشر من أبو ظبي، كما أشاد بتحركات سعيد، واصفًا إياه بالبطل الذي لجأ إلى الدستور بعد غضبه من الأوضاع في تونس و”خلص تونس من براثن الإخوان”.
على امتداد السنوات الماضية، أمدت الإمارات حلفاءها في تونس بالمال وسخرت دكاكينها الإعلامية للترويج لهؤلاء وبث الفوضى في البلاد
كما أثنى على تحركات الجيش لتنفيذ قرارات الرئاسة، وقال: “الجيش التونسي درع طمأنينة من غدر الإخوان”، كما حذر من سيناريوهات ما وصفه ببث الفوضى الإخوانية عبر “خطة التمكين 2028” التي تهدف – وفق الإعلام الإماراتي – إلى سيطرة الإسلاميين على شمال إفريقيا بقيادة تركية لإنشاء “دولة إخوانية” تتخذ من طرابلس عاصمة لها.
ليس هذا فحسب، فقد اشتغلت حسابات النشطاء الإماراتيين بالتغريدات والمباركات بعد قرارات قيس سعيد الانقلابية، وكان من بين المهنئين نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان الذي تنبأ في تغريدة له قبل أيام قليلة بما سيحدث في تونس، حين غرد قائلًا: “أخبار سارة.. ضربة جديدة.. قوية.. جاية للإخوانجية”.
اما ان تنهوا الإخوان وأما ان ينهوكم…الجماعة مصرة على تغيير الانظمة واستبدالها بنظام الإخوان…من لا يصدقني اليوم سيندم غدا.
— ضاحي خلفان تميم (@Dhahi_Khalfan) July 31, 2021
كشف تحليل نشره الأكاديمي والخبير البريطاني مارك أوين جونز، مؤخرًا، تلاعبًا مصدره السعودية والإمارات بتوجهات المغردين في الشأن التونسي، بالتزامن مع انقلاب الرئيس قيس سعيد على الحكومة والبرلمان والنيابة العامة في البلاد.
وخلص جونز إلى أن تريند “تونس تنتفض ضد الإخوان” هو بروباغندا يقودها مؤثرون سعوديون وإماراتيون، ويروج لها أشخاص موجودون في البلدين الخليجيين، بالإضافة إلى مصر، وتشمل تلاعبًا من خلال حركة حسابات وهمية.
مساعٍ كبيرة للإطاحة بالتجربة التونسية
هذا الفرح الكبير لما يحدث في تونس، جاء نتيجة مساعي الإمارات الحثيثة للإطاحة بالتجربة الديمقراطية التونسية، حتى إن رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وجه في حديث لصحيفة التايمز البريطانية، أصابع الاتهام للإمارات العربية المتحدة، مؤكدُا أنها تقف وراء انقلاب الرئيس قيس سعيد على الدستور.
ونقلت التايمز عن الغنوشي قوله: “أبو ظبي مصممة على إنهاء الربيع العربي”، مضيفًا “اعتبرت الإمارات الديمقراطية الإسلامية تهديدًا لسلطتها وأخذت على عاتقها أن تموت فكرة الربيع العربي التي بدأت في تونس مثلما انطلقت منها”.
تصحيح المسار لا يكون بإغلاق المدرعات لمجلس النواب, رمز السيادة…
تصحيح المسار لا يكون باعتقالات ليلية لنواب انتخبهم الشعب…
تصحيح المسار لا يتم إلا عبر القانون و باحترام الدستور الذي عبثت و نكلت به..
ما يحدث في تونس انقلاب تام الشروط. #ضد_الإنقلاب_في_تونس #against_the_coup pic.twitter.com/V8CrRZisCd
— Bechir Yousfi ?????? (@yousfi_bechir) August 1, 2021
وأشار زعيم النهضة إلى الاهتمام الكبير الذي توليه وسائل الإعلام الإماراتية لما يحدث في بلاده، وتساءل قائلًا: “الإمارات بعيدة عنا ولا يوجد تضارب في المصالح بيننا، فلماذا تفعل هذا؟”، وقال إن الإمارات قلقة من أن يؤدي التوصل إلى اتفاق سلام في ليبيا، حيث دعمت المُنشق المناهض للإسلاميين خليفة حفتر في الحرب الأهلية، إلى تنظيم انتخابات، وأضاف أنهم خائفون من أن تمتد التحولات الديمقراطية إلى بقية المنطقة العربية.
منظمات المجتمع المدني أيضًا، أغلبها عارضت تحركات سعيد، وفيها من طالبت بضرورة اتخاذ ضمانات دستورية ترافق التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس
غير أن هذا الكلام لم يصدر عن الغنوشي فقط، فالعديد من التونسيين يشاطرونه الرأي استنادًا إلى مؤشرات عديدة، ذلك أن دولة الإمارات تكن حقدًا كبيرًا على التجربة الديمقراطية التونسية التي تعتبر الأبرز في العالم العربي، فالمسار السياسي في تونس والنجاحات التي حققتها لم ترق للإماراتيين عرابي الثورات المضادة.
وعلى امتداد السنوات الماضية، أمدت الإمارات حلفاءها في تونس بالمال وسخرت دكاكينها الإعلامية للترويج لهؤلاء الحلفاء وبث الفوضى في البلاد واستهداف البرلمان والحكومة والعمل على إسقاطهما وتغيير دستور فبراير/شباط 2014، كما سخرت دبلوماسيتها للترويج لهم خارجيًا.
ومعروف عن دولة الإمارات عدائها للثورات العربية وسعيها المتواصل منذ يناير/كانون الثاني 2011 لانتهاك سيادة الدول والوقوف في وجه محاولات الشعوب التحرر من الطغيان والاستبداد، وقد ظهر ذلك جليًا في ليبيا ومصر واليمن.
الوقت ما زال مبكرًا للفرح
تريد الإمارات تكرار تجربة مصر في تونس، بحيث يتم التنكيل بحركة النهضة وجميع داعمي الربيع العربي، لكن تونس ليست مصر، فقد لاحظ جميعنا الرفض الحزبي الذي رافق تحركات الرئيس قيس سعيد، فأغلب الأحزاب حتى التي كانت تدعم الرئيس عبرت عن رفضها لهذه التحركات وعارضت حل الحكومة والبرلمان، مُعتبرة إياه خرقًا دستوريًا، وعبرت العديد من الأحزاب عن خشيتها من انزلاق البلاد إلى حكم الشخص الواحد.
أساتذة القانون أيضًا، عبروا عن رفضهم لتحركات الرئيس وكيفية تأويله للفصل 80 من الدستور ورأوا في الأمر تعديًا على الدستور، كما أعلنوا مخاوفهم من مخاطر تجميع كل السلطات لدى رئيس الجمهورية، ودعت الجمعية قيس سعيد إلى الالتزام بمقومات الجمهورية التي أقسم على احترامها بما في ذلك الحريات الدستورية والحقوق.
قيس سعيد ليس له مشكل مع الفساد و الفاسدين، لأن كل الفاسدين يؤيدون التدخل الإماراتي و المصري في الشأن الداخلي التونسي، و لهم تعاون أمني و لوجستي مع ساكن قصر قرطاج و ليس مع الدولة التونسية. #قيس_سعيد_خائن #ضد_الإنقلاب_في_تونس #وينو_المشيشي https://t.co/q1aCgNTJmg
— طارق المنضوج Mandhouj Tarek (@AlloLiberte) August 4, 2021
منظمات المجتمع المدني أيضًا، أغلبها عارضت تحركات سعيد، وفيها من طالبت بضرورة اتخاذ ضمانات دستورية ترافق التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس مع تأكيد حرصها على التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة.
خارجيًا أيضًا، لم يجد قيس سعيد الدعم الكافي لاستكمال خطة الاستحواذ على السلطة في بلاده، فأغلب الدول أكدت ضرورة عودة المسار الديمقراطي في تونس وعودة البرلمان للعمل والكف عن تجاوز الدستور لما يشكله الأمر من خطورة على المنطقة.