ترجمة وتحرير: نون بوست
أعربت إدارة بايدن هذا الأسبوع عن قلقها مجددا بشأن الاستحواذ غير الدستوري على السلطة في تونس، وذلك بعد أن أعفى الرئيس التونسي سفير حكومته في الولايات المتحدة من مهامه بشكل مفاجئ ودون تقديم أي توضيحات.
يعتبر إعفاء السفير نجم الدين لكحل من مهامه أحدث قرار اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيّد ضمن سلسلة من الإقالات التي شملت مسؤولين رفيعي المستوى إلى جانب خطوات أخرى مثيرة للجدل. منذ 25 تموز/ يوليو، بدأ سعيّد ممارسة ما يزعم أنه سلطات تنفيذية بمرسوم رئاسي.
اكتسى مصير النظام السياسي في هذه الدولة الشمال أفريقية أهمية بارزة منذ أن مثّلت تونس الشرارة الأولى لانتفاضات الربيع العربي في المنطقة سنة 2011. بعد عقد من الزمن، يُنظر إلى تونس على نطاق واسع على أنها الديمقراطية الوحيدة التي صمدت بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة.
ولكن في الأيام الأخيرة، عزل سعيّد رئيس الحكومة وجمّد البرلمان في خطوة يبدو أنها مصممة لقص أجنحة الإسلاميين في تونس، وتحديدا حزب حركة النهضة الإسلامي المعتدل.
زادت أهمية حركة النهضة بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، ولكن الكثير من التونسيين الآن يلومون هذا الحزب على الجمود الذي يعاني منه البرلمان.
تظهر استطلاعات الرأي المحلية أن عددا كبيرا من التونسيين يدعم في الواقع تحركات قيس سعيّد الأخيرة المثيرة للجدل باعتبارها طريقة لإنهاء حالة الجمود وتحفيز النمو الاقتصادي الذي تحتاجه البلاد بشدّة، ولكن هذه التطورات تثير مخاوف واشنطن.
أعرب مسؤولون في إدارة بايدن عن قلقهم بشأن إمكانية عودة البلاد إلى الحكم الدكتاتوري بالنظر إلى أن تونس قد تفادت سابقا سيناريو الانتفاضات الإسلامية والعودة إلى الاستبداد.
أصرّ الرئيس سعيّد في اليوم ذاته على أنه لم يكن يحاول تقويض الديمقراطية التونسية أو نسف الدستور
في سؤاله عن الإقالة المفاجئة للسفير التونسي بواشنطن، علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن الولايات المتحدة تعتبر تحركات الرئيس التونسي سعيّد “وضعا زئبقيا”. وصرح برايس يوم الثلاثاء للصحفيين: “نحن نصب تركيزنا الآن على تشجيع القادة التونسيين على الالتزام بالدستور التونسي والعودة السريعة إلى الحكم الديمقراطي الطبيعي”، مضيفا أن “ما يهم أكثر من مسألة التسميات، من عدة نواحٍ، هو العمل الحاسم لدعم تونس من أجل العودة إلى المسار الديمقراطي، وهذا ما نركز عليه الآن”.
تأتي تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية بعد يوم من مكالمة هاتفية أجريت يوم الإثنين أوصل فيها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هذه الرسالة مباشرة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد. وفي مقابلة له مع “الجزيرة” خلال الأسبوع الماضي، أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن موقف الإدارة الأمريكية من التطورات التي تشهدها تونس.
قال بلينكن إن تونس لطالما اعتبرت “نموذجا بارزا للديمقراطية” خلال العقد الماضي، مشددا على أن الإدارة الأمريكية لها “مخاوف بشأن الانحراف عن المسار الديمقراطي واتخاذ قرارات تتعارض مع ينص عليه الدستور، بما في ذلك تجميد البرلمان”. وأضاف “نحن ندرك جيدا أن التونسيين يعانون بشكل كبير بسبب جائحة كوفيد-19 والصعوبات الاقتصادية”. وأكد وزير الخارجية الأمريكية أن التونسيين “بحاجة بالطبع إلى حكومة تستجيب لاحتياجاتهم ولكن ذلك يجب أن يتحقق بشكل يتوافق مع الدستور ويحترمه”.
أصرّ الرئيس سعيّد في اليوم ذاته على أنه لم يكن يحاول تقويض الديمقراطية التونسية أو نسف الدستور، ونفى أنه قام بانقلاب بعد اعتقال اثنين من أعضاء البرلمان.
قال سعيّد، وهو أستاذ قانون سابق، بحسب بيان من مكتب رئاسة الجمهورية: “أعرف النصوص الدستورية جيداً، أحترمها وقد درّستها، وبعد كل هذا الوقت لن أتحول إلى ديكتاتور كما قال البعض”.
لكن منتقدي الرئيس يقولون إن سعيّد لم يتخذ بعد الخطوات اللازمة لطمأنة التونسيين، بما في ذلك تعيين رئيس وزراء مؤقت وتحديد خارطة طريق لإنهاء الإجراءات الطارئة.
تمثل التطورات الأخيرة تحديًا سياسيًا دقيقًا لإدارة بايدن في ظل مساعيها إلى جعل تونس نموذجًا للديمقراطية في العالم العربي.
يقول شاران غريوال، الباحث في معهد بروكينغز، إن “استيلاء سعيّد على السلطة يمثل اختبارًا حقيقيا للديمقراطية الفتية في تونس“، مقارناً ما حدث بموجة من الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في سنة 2013، وكادت أن تعيدها إلى براثن الديكتاتورية.
كتب غريوال الأسبوع الماضي بعد قرارات سعيّد: “رد فعل الرأي العام التونسي والعالمي على إعلان سعيّد سيحدّد على الأرجح ما إذا كانت البلاد ستظل الديمقراطية العربية الوحيدة في العالم العربي أم أنها ستنحدر إلى ما يسميه علماء السياسة انقلابًا ذاتيًا أو استيلاء على السلطة”.
كتب الخبير بشؤون شمال أفريقيا، مجدي عبد الهادي، لبي بي سي، قائلا إن “الاقتصاد الراكد (تقلص بنسبة 8 بالمئة السنة الماضية)، والبطالة المتزايدة تُقدّر بـ 17 بالمئة)، والطبقة السياسية المنقسمة، كلها عوامل أقنعت عددًا متزايدًا من التونسيين بأن الديمقراطية لا تفيدهم”.
كتب عبد الهادي: “يشعر عدد كبير من التونسيين باليأس وفقدان الثقة في البرلمان والأحزاب السياسية في البلاد، وهذا يفسّر الفرحة في الشوارع بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذها سعيّد“.
وأضاف: “لقد سئم مؤيدوه من البرلمان بكل بساطة، وكانوا يتوقون إلى شخص، أو ربما رجل قوي، يمكنه إصلاح البلاد. ولكن هل يستطيع سعيّد إصلاحها حقًا؟”، مشيرا إلى تحذير أطلقته مجلة الإيكونوميست مؤخرًا، قائلة إن “تدخّل الرجل القوي ليس هو الحل لمشاكل تونس“.
المصدر: واشنطن تايمز