فشلت المؤسسة العامة للمناطق الحرة التابعة للنظام السوري، في جذب المستثمرين وأمراء الحرب للاشتراك في المزاد العلني الخاص باستثمار المنطقة الحرة بحلب، ما دفعها للإعلان عن المزاد للمرة الثانية مؤخّرًا.
يرجع الفشل المفترض في جذب المستثمرين إلى مجموعة من العوامل، أهمها وقوع المنطقة بالقرب من خط التماسّ بين مناطق سيطرة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (YGP) وقوات النظام السوري شمال حلب.
بالإضافة إلى خسارتها لأهم مقومات عملها من اتصال بالطرق الدولية والسكة الحديدية وانقطاع الطرق التجارية مع تركيا، ناهيك عن حجم الدمار الذي حلَّ بالمنطقة بسبب القصف الجوي والبرّي لقوات النظام، خلال السنوات السابقة أثناء سيطرة المعارضة السورية.
المزاد العلني
أعلنت المؤسسة العامة للمناطق الحرة التابعة للنظام في 1 أغسطس/ آب، عن طرح المنطقة الحرة في حلب للاستثمار، وحدّدت المؤسسة موعدًا لانعقاد المزاد نهاية الشهر ذاته، وهذا هو الإعلان الثاني للمؤسسة بعدما أعلنت للمرة الأولى عن المزاد في 10 يونيو/ حزيران، والذي كان من المفترَض أن ينعقد في 12 يوليو/ تموز.
قالت المؤسسة في إعلانها، الذي نشرته على حسابها في فيسبوك، إنه “تمّ الإعداد لمزايدة علنية لإعادة تأهيل وتجهيز المنطقة الحرة بحلب، وإدارتها واستثمارها كمنطقة حرة خاصة تحت إشراف ورقابة المؤسسة العامة للمناطق الحرة ومديرية الجمارك العامة، وكذلك استثمار الأرض الزراعية الملحقة بها لأغراض الزراعة فقط”.
وأضافت أن “التأمينات المؤقتة هي 250 ألف دولار بموجب شيك مصدَّق أو كفالة مصرفية مدّتها لا تقل عن 90 يومًا، وبمدة عقدية تحدَّد من قبل العارض المرشَّح الذي رست عليه المزايدة العلنية، وفق معيارَي المدة وبدل الاستثمار الأفضل للمؤسسة”.
وأشارت إلى أنها ستتلقّى طلبات الاشتراك بالمزايدة العلنية حتى ساعة افتتاح الجلسة الخاصة بالمزايدة العلنية، المقرَّرة في 30 أغسطس/ آب 2021، مضيفةً أن ثمن الحصول على دفتر الشروط الخاص بالمزايدة يبلغ 2000 دولار أميركي.
استثمار المنطقة
تتداول الأوساط التجارية المقرَّبة من النظام في حلب، معلومات عن احتمالات رسو المزاد على أحد أمراء الحرب المقرّبين من النظام والميليشيات الإيرانية.
كما ترجِّح أن يكون المزاد من نصيب “مجموعة القاطرجي الدولية”، التي يملكها عضو مجلس الشعب حسام قاطرجي وأخوته، وذلك بالتعاون مع الفرقة الرابعة المهيمنة على مساحة واسعة شمال المدينة التي تتواجد فيها المنطقة الحرة، والتي تُعتبر عقدة مواصلات مهمة يلتقي فيها عددًا من طرق وممرّات التهريب.
قال الخبير في اقتصاديات الشرق الأوسط، خالد التركاوي، لـ”نون بوست”، إن “المنطقة الحرة في حلب فقدت قيمتها بسبب وقوعها في منطقة عسكرية شبه مغلقة، وموزّعة على عدة قوى مسلحة شمالًا، وإمكانية إعادة تشغيلها كما كانت قبل العام 2011 تبدو مستحيلة في الوقت الحالي، وذلك لعدة أسباب”.
يعدّد التركاوي أهم تلك الأسباب بـ”انقطاع الطريق الدولي الذي يصلها بتركيا التي كانت المصدر الرئيسي للبضائع القادمة من تركيا و أوروبا، بالإضافة إلى صعوبة اتصالها بباقي المحافظات السورية وتحديدًا مناطق شمال شرقي سوريا وصولًا إلى الحدود العراقية السورية، والطرق التي تربط المحافظات تتحكم فيها مجموعة كبيرة من التشكيلات والميليشيات التي تعرقل الحركة التجارية، وتزيد من تكلفة النقل بسبب الضرائب التي تفرضها”.
يضيف التركاوي: “ينقسم المستثمرون في مناطق سيطرة النظام إلى 4 فئات؛ أولًا، المستثمر الروسي الذي يضع يده على مصادر الثروة والمواقع الحيوية، ولا تبدو المنطقة الحرة في حلب مغرية للروس ولا لرجالات الأعمال المقرّبين منهم، ويأتي المستثمر الإيراني ورجال الأعمال السوريين المقرّبين منه ومن الميليشيات ثانيًا، وتبحث هذه الفئة عادة عن المشاريع ذات الربح السريع كتجارة المخدرات وقطاع العقارات”.
مكملًا: “أما الفئة الثالثة فهي الطبقة التقليدية للتجّار ورجال الأعمال، وهؤلاء يبحثون دائمًا عن مشاريع مضمونة، وفي ظلّ هيمنة الميليشيات وتقاسُم النفوذ بين محسوبين على روسيا وآخرين على إيران، تقف هذه الطبقة مكتوفة الأيدي ومعظمهم غادر سوريا، أما الرابعة فهي طبقة المستثمرين الصغار، وهؤلاء لا يمكن أن ينافسوا في مشاريع كبيرة”.
يتيح هذا النوع من الاستثمار لـ”مجموعة القاطرجي” التي يشاع أنها تنوي استثمارها، أو أي جهة تفكّر باستثمارها، أن تعيد تشغيلها كمحطة لتجميع البضائع ومركز لأسطول النقل البرّي التابع للقاطرجي مثلًا.
يرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، أن “المنطقة الحرة في حلب لم تعد تشكّل أهمية استثمارية لرجال الأعمال، أو لأمراء الحرب، فالاستقرار في المنطقة الشمالية هشّ، ومعدّل المخاطرة بالنسبة إلى رجال الأعمال في هذا المشروع يفوق العوائد المتوقعة، فالمستثمرون عندما يتّخذون قرارهم الاستثماري يلحظون مستوى المخاطرة ومستوى العوائد المتوقع، ففي حال لم تتناسب العوائد مع المخاطرة يحجمون عن المشروع”.
وأضاف السيد عمر خلال حديث لـ”نون بوست”، أن “المنطقة الشمالية رغم الاستقرار النسبي فيها، إلا أنها مرشّحة في أي وقت للتصعيد، وفي حال حدوث هذا التصعيد فالخاسر الأول هي الاستثمارات، لذلك من الصعب إيجاد مستثمرين يقبلون باستثمار أموالهم من دون ضمانات باستمرار الاستقرار، ولا يوجد طرف واحد يستطيع منح هكذا ضمانات، فقضية مستقبل الأمن في شمال سوريا باتت قضية دولية أكثر منها داخلية”.
اللافت في إعلان المؤسسة العامة للمناطق الحرة أنه حدّدَ نوع الاستثمار في المنطقة الحرة بحلب بأنه خاص، حيث جاء في الإعلان: “إعادة تأهيل وتجهيز المنطقة الحرة بحلب وإدارتها واستثمارها كمنطقة حرة خاصة تحت إشراف ورقابة المؤسسة العامة للمناطق الحرة ومديرية الجمارك العامة، وكذلك استثمار الأرض الزراعية الملحقة بها لأغراض الزراعة فقط”.
ويتيح هذا النوع من الاستثمار لـ”مجموعة القاطرجي” التي يشاع أنها تنوي استثمارها، أو أي جهة تفكّر باستثمارها، بأن تعيد تشغيلها كمحطة لتجميع البضائع، ومركز لأسطول النقل البرّي التابع للقاطرجي مثلًا.
وإذا ما تعاونت الجهة المستثمرة مع الفرقة الرابعة، فبإمكانها الاستحواذ على معظم البضائع التي تتدفّق عبر ممرّات التهريب القريبة من المنطقة الحرة في حلب، والتي تنتشر في خطوط التماسّ مع وحدات الحماية والمعارضة السورية في ريف حلب الشمالي.
تشكّل هذه الممرات بديلًا حقيقيًّا عن الطرق الدولية التي كانت تربط المحافظة بتركيا ومنها إلى العالم الخارجي، فالوارد من خلالها من السلع والبضائع كبير ومتنوِّع جدًّا.
وفي حال نجحت الجهود الروسية في فتح الطرق الدولي، ومن بينها طريق حلب-غازي عنتاب، فإن المنطقة الحرة ستعود إلى العمل بشكل جزئي، وسيكون في الإمكان استقبال البضائع بشكل رسمي، وستكون الفعاليات الاقتصادية في باقي المحافظات بحاجة إلى التواصل البرّي مع منطقة حلب الحرة.
خريطة معقّدة
تُعتبر خريطة السيطرة في ريف حلب الشمالي من أعقد الخرائط العسكرية في الساحة السورية، تشكّلت خلال الأعوام 2016-2017-2018، وتتقاسمها قوات النظام والميليشيات الإيرانية والروسية وتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، بالإضافة إلى الجيش الوطني المعارض المدعوم من تركيا.
وتمتد خطوط التماسّ المتداخلة، التي تبدو مؤقتة بين القوى المسيطرة، في سهل واسع يصعب فيه رسم حدود فاصلة، ما جعلَ المنطقة تعيش حالةً من التوتر الدائم الذي حوّلها إلى منطقة عسكرية لا تجذب المستثمرين وأمراء الحرب.
سيطرَت المعارضة السورية على المنطقة الحرة في حلب نهاية العام 2012، وتقع المنطقة على طريق حلب-المسلمية وبين سجن الأحداث شمالًا وسجن حلب المركزي جنوبًا، وتُعتبر من أكبر المناطق الحرة في سوريا.
حوّلها “لواء التوحيد” إلى منطقة عسكرية بسبب قربها من سجن حلب المركزي، الذي كان إحدى أهم نقاط تمركُز قوات النظام التي انسحبت من كليّة المشاة شمال حلب، وفي الربع الأخير من العام 2015 خسرت المعارضة المنطقة لصالح تنظيم “داعش”، الذي سيطر في الفترة ذاتها على كليّة المشاة وعددًا كبيرًا من القرى والبلدات في ريف حلب الشمالي، بينها تل قراح والأحداث وفافين وأم حوش وحربل وأم القرى وقرامل والوحشية وغيرها.
وتزامن هجوم التنظيم حينها مع هجومٍ لقوات النظام، التي قد أوشكت أن تطبِّق الحصار على الأحياء الشرقية في حلب، عبر رأس حربتها “دبيب النمل” القادم من منطقة السفيرة، والذي وصل إلى بلدتَي نبل والزهراء في فبراير/ شباط 2016.
في نهاية العام 2015 وبداية العام 2016، بدأ كل من النظام ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG) عمليتَين عسكريتَين متزامنتَين، وبغطاء ناري جوّي روسي ضد تنظيم “داعش”، وتمكّن النظام والوحدات من السيطرة على مساحات واسعة من ريف حلب الشمالي، وانسحب التنظيم من المشاة والمنطقة الحرة.
كما أُجبرت المعارضة أيضًا على الانسحاب من تل رفعت وعشرات القرى لحساب تقدُّم وحدات الحماية، والتي باتَت في منطقة وسط شمال حلب، أي بين النظام جنوبًا والمعارضة شمالًا، وتُعتبر المنطقة الحرة الخط الفاصل بين مناطق وحدات الحماية وقوات النظام، وتتمركز فيها الآن قوات من الفرقة الرابعة، تضع حاجزًا عسكريًّا أمام باب المنطقة.
كما تشترك الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية مع وحدات الحماية في السيطرة على كلية المشاة، فالأخيرة تهيمنُ على الجزء المطلّ على بلدة فافين، في حين تهيمن الميليشيات الإيرانية على معسكرَي التدريب الجامعي وقسم الإنتاجية المطلّ على بلدة بابنس، والمنطقة الصناعية في الشيخ نجار.
ويُعتبَر مثلث السيطرة، كلية المشاة والمنطقة الحرة وسجن حلب المركزي، قاعدة عسكرية كبيرة تتمركز فيها الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية، بما فيها ميليشيات نبل والزهراء.
وتُدار من خلال المثلث المفترَض معظم عمليات تهريب البشر والبضائع التي تتم في خط التماسّ مع وحدات الحماية والمعارضة، في الشريط الممتد من أطراف مدينة الباب وحتى ريف عفرين الجنوبي، الذي يحتوي على عشرات الممرات ونقاط عبور المهرّبين، وذلك بسبب قدرة عناصر الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية على الدخول إلى مناطق وحدات الحماية، لإجراء عمليات التبديل في النقاط العسكرية المشتركة.