أدى الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي يوم الجمعة اليمين الدستورية كثامن رئيس للجمهورية الإسلامية، بعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في 18 من يونيو/حزيران 2021، ورغم الإقبال الضعيف على الانتخابات وبدء الحديث عن أزمة الشرعية التي تواجه النظام السياسي في إيران، فالمهم في نهاية المطاف وصول المرشح الذي أجمعت عليه الدوائر المهمة في إيران، والحديث هنا عن مكتب المرشد والتيار المحافظ والحرس الثوري، ليشكل وصول رئيسي تحولًا رئيسًا في الحياة السياسية الإيرانية، وسيكون عنوانه الأبرز “جمهورية المحافظين”، بعد هيمنتهم الكاملة على كل مؤسسات الدولة الإيرانية.
وقفت خلف عملية وصول رئيسي العديد من الضرورات السياسية والإستراتيجية التي تحيط بإيران، وهو الأمر الذي دفع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لوضع كل آماله على هذا الرئيس والفريق الذي سيرافقه في عملية إدارة الدولة لأربع سنوات قادمة، ويكفي أن خامنئي أشار لها في خطابه الأخير الذي ألقاه بمناسبة نهاية الدورة الثانية لحكومة الرئيس حسن روحاني، بأن الحكومة المقبلة ستصحح الإخفاقات التي أنتجتها الثقة الزائدة بالغرب، كما كرر في أكثر من مناسبة أنها “حكومة حزب الله” التي سيقودها الشباب الثوري والمتحمس لتحقيق الإنجازات.
كيف سيكون المشهد في الداخل والخارج؟
بعيدًا عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها إيران اليوم، التي لعبت دورًا رئيسًا في وصول رئيسي لمنصب الرئاسة، وأصبحت أيضًا جزءًا من حالة النظام في إيران، إلا أن السياسة بأبعادها المختلفة هي المحور الرئيس الذي سيتحرك من خلالها رئيسي، كونها المدخل المهم لمعالجة التحديات سالفة الذكر، وفي هذا الإطار يمكن القول إن المشهد المقبل سيوجه تحولات مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي:
– سنكون أمام رئيس مؤدٍ للسياسة وليس صانعًا لها، وذلك بسبب ضعف الخبرة السياسية لرئيسي، فهو رجل قضاء ولم يمارس دورًا سياسيًا قبل ذلك، بمعنى أننا سنكون أمام “استنساخ لتجربة خامنئي”، عندما كان رئيسًا للجمهورية، فقد كانت السياسة تدار في ذلك الوقت عبر شخصيتين مهمتين هما: الخميني ورفسنجاني، وهو مشهد قد يتكرر مع رئيسي أيضًا.
– سنكون أمام حالة اندماج عضوي لمؤسسات النظام السياسي، إذ يسيطر التيار المحافظ اليوم على مؤسسة الرئاسة والبرلمان والسلطة القضائية، بدعم وإسناد من الحرس الثوري، ما يعني أننا سنكون أمام صعود “بونابارتية إيرانية جديدة”، متمثلة بتحالف “المحافظ الثوري”.
– سنكون أمام صعود لثنائية “المحافظين والحرس الثوري” التوافقية، مقابل أفول ثنائية “الرئيس والحرس الثوري” الخلافية، وهذه النقطة هي السبب الرئيس وراء الدفع برئيسي لمؤسسة الرئاسة.
أما على الصعيد الخارجي، فيمكن القول إن إيران ستكون مقبلة على جملة من التحولات الرئيسة في الفترة المقبلة، وذلك على النحو الآتي:
– سنكون أمام وحدة في الخطاب الأيديولوجي الإيراني الموجه للخارج، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، والتحول من سياسة الانفتاح النسبي التي كانت سائدة في عهد روحاني، إلى سياسة الانفتاح المتردد، وهو ما جاء تأكيده على لسان خامنئي عندما تحدث عن ضرورة عدم الثقة بالغرب مجددًا.
– إعطاء الأمن أولوية مقدمة على أولوية الدبلوماسية، خصوصًا أن أكثر الملفات المعقدة التي تواجهها إيران في بيئتها الخارجية هي ملفات ذات بعد أمني، والحديث هنا عن ملف الصواريخ الباليستية والسياسات الإقليمية.
– إعطاء الحرس الثوري الدور المركزي في إدارة السلوك الإيراني في الجوار الإقليمي، وتحديدًا على مستوى إدارة العلاقة مع الجماعات المسلحة، بعيدًا عن تأثير ودور الأجهزة الإيرانية الأخرى، كالخارجية والاستخبارات.
خطاب مليء بالطموحات
من المتوقع أن يتخذ رئيسي نهجًا أقل تصالحية من سلفه، إذ يتولى منصبه في الوقت الذي توقفت فيه المحادثات النووية في فيينا، وتصاعد تهديد الهجمات التخريبية المتبادلة مع “إسرائيل”، واحتجاجات داخلية متصاعدة، فقد شدد رئيسي في خطابه أمام مجلس الشورى على احتضانه للدبلوماسية لرفع العقوبات الأمريكية، وإصلاح الخلافات مع دول الجوار في إشارة إلى المملكة العربية السعودية، وقال خلال خطابه الذي استمر نصف ساعة “يجب رفع العقوبات، سندعم أي خطة دبلوماسية تدعم هذا الهدف”، لكنه أشار أيضًا إلى أن إيران تسعى لتوسيع قوتها كقوة موازنة للأعداء في جميع أنحاء المنطقة.
خلال خطابه، استشهد رئيسي بالفتوى الدينية لخامنئي عام 2003، ضد السعي للحصول على أسلحة نووية، قائلًا: “مثل هذه الأسلحة ليس لها مكان في إستراتيجية الدفاع للجمهورية الإسلامية”، فغالبًا ما يستشهد المسؤولون الإيرانيون بالفتوى كدليل على أن طموحات البلاد النووية سلمية، لكن البعض تساءل عما إذا كانت الفتوى توجه السياسة بالفعل، ففي فبراير/شباط الماضي، قال وزير المخابرات والأمن الوطني الإيراني محمود علوي، إن إيران يمكن أن تتجاهل الفتوى، وتسعى لامتلاك أسلحة نووية إذا حوصرت في زاوية.
وفي مقابل هذه الطموحات، يتولى رئيسي منصبه دون تفويض شعبي كامل، فقد اختار غالبية الناخبين الإيرانيين عدم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة، إذ يخشى نشطاء حقوق الإنسان كيف ستتعامل الحكومة الجديدة، التي تواجه مستقبلًا غير مستقر، مع شعبها، وبالنظر إلى سجل رئيسي الطويل، لا شك أن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران ستزداد سوءًا، ومع ذلك، من الصعب أن نتوقع إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه الأمور في إيران خلال عهد رئيسي.