ما زلنا مع تداعيات التحقيق الاستقصائي المنشور مؤخرًا في عدد واسع من كبريات الصحف العالمية، الذي أُعد بمجهود ثلاثي من مؤسسة “قصص مخفية” التي يقع مقرها في باريس، ومعمل الأمن الرقمي التابع لمنظمة العفو الدولية، وطيف واسع من المؤسسات الصحفية الاستقصائية دوليًا، بخصوص نشاط برمجية “بيغاسوس” التي تصدرها مجموعة NSO الأمنية، المقربة من الجيش الإسرائيلي، إلى عدد كبير من الحكومات التي لا تراعي حقوق الإنسان في العالم.
كشف التحقيق كثيرًا من الأمور المثيرة، دول عربية تتجسس على دول أوروبية كبيرة، كثير من رؤوساء العالم وقادته يخضعون للمراقبة، دول عربية تتجسس على بعضها البعض، تفاصيل جديدة عن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي المقتول في سفارة بلاده بتركيا قبل نحو 3 أعوام من الآن.
بيد أن أحد أكثر أوجه النتائج المضمنة في التحقيق إثارةً، ذلك الجزء المتعلق باستغلال جهات سعودية رفيعة البرمجية المتقدمة “بيغاسوس” من أجل تتبع عدد من الشخصيات المصرية المرموقة داخل النظام وخارجه، في شاهد جديد على أن العلاقات بين البلدين ليست بالضرورة على النحو الإيجابي الذي تبدو عليه من الخارج.
التجسس على شخصيات رفيعة المستوى
ما يؤكده الخبراء الرقميون العاملون على هذا الجهد الاستقصائي، أن التأكد من نجاح اختراق هاتف معين بشكل كامل هو أمرٌ يحتاج إلى جهد مضاعف وشخصي على كل حالة على حدة، لكَ ما يمكن القطع به أن عددًا ضخمًا من أرقام الهواتف المصرية التابعة لشخصيات رفيعة المستوى داخل النظام المصري كانت أهدافًا محتملةً لعملاء سعوديين لتلك البرمجية.
ولما كانت المجموعة الإسرائيلية القائمة على تطوير هذه البرمجية تقصر، وفقًا لما هو متاح من معلومات، بيع هذه الأدوات، على الكيانات السياسية الرسمية التي تحمل صفة الدولة، المعروف قربها على نحو ما من المصالح الإسرائيلية، أو أذرع هذه الدول الأمنية، فقد أمكن القول إن العملاء المتورطين في التجسس على النظام المصري من السعودية، هم أيضًا أطراف رفيعة المستوى من داخل النظام السعودي.
خلف رئيس الوزراء المصري الحاليً، من حيث الأهمية، يأتي وزراء مثل سامح شكري وزير الخارجية المصري وسفير القاهرة الأسبق في واشنطن الذي يحمل حقيبة الخارجية منذ 7 أعوام
وفقا لمادةٍ صحفية مقتضبة نشرها موقع “درج” المساهم في الجهد الاستقصائي المتعلق بأنشطة البرمجية الإسرائيلية، فإن الأهداف المصرية التي كانت في مرمى العملاء السعوديين كانت أهدافًا ثقيلة، على رأسها رئيس الوزراء المصري الحاليّ الدكتور مصطفى مدبولي، الذي كان ذراعًا فنيًا لنظام مبارك في مجال التخطيط العمراني وانضم إلى حكومة السيسي، وزيرًا للإسكان ورئيسًا للوزراء منذ عامين، خلفًا لكل من إبراهيم محلب وشريف إسماعيل.
خلف رئيس الوزراء المصري الحاليّ، من حيث الأهمية، يأتي وزراء مثل سامح شكري وزير الخارجية المصري وسفير القاهرة الأسبق في واشنطن الذي يحمل حقيبة الخارجية منذ 7 أعوام خلفًا لنبيل فهمي، وحسام عبد المجيد وزير العدل المصري وأحد الأسماء التي تحظى بثقة السيسي في مجال القضاء، إلى جانب وزير تقني آخر من الوزارات السيادية غير المباشرة، وهو محمد معيط وزير المالية المصري.
ليست المرة الأولى ولكن
من المعروف للمهتمين بالشأن المصري والسعودي، أن الرياض تولي أهميةً كبيرة لرصد ومراقبة وتقييم كل ما يحدث في أم الدنيا، على نحو غير تقليدي، زادت وتيرته عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي أثارت قلقًا أمنيًا واجتماعيًا واسعًا لدى دوائر الحكم في السعودية.
أكد هذه المعلومة ما ورد في وثائق “ويكيليكس” قبل 6 أعوام من الآن، بخصوص النشاط غير المألوف للسفارة السعودية بالقاهرة، التي تتواصل مباشرةً مع أروقة الحكم في الرياض، لنقل معلومات مفصلة عما يحدث في مصر.
أبرز الأشخاص الذين خضعوا للمراقبة في الفترة التالية بعد الثورة في مصر وفقًا لما ورد في “ويكيليكس”، كانت قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك الرئيس الأسبق محمد مرسي والمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الذي قالت التقارير السعودية إنه كان ينسق مع دولة قطر عبر زيارات غير مرصودة من أجل الحصول على دعمها في السباق الرئاسي، قبل أن يحكم القضاء المصري بعدم جواز ترشحه، وآخرين، في الانتخابات الرئاسية، لأسباب تتعلق بعدم استيفاء المعايير القانونية المطلوبة للترشح.
على المستوى الاجتماعي، أبدت السفارة السعودية مخاوف واضحة من زيادة النفوذ الشيعي في مصر، كما تقول الوثائق، وبالأخص بعد محاولة قيادات شيعية التأثير على شيخ الأزهر لتحسين وضعها الفئوي في دستور ما بعد الثورة، أخذًا في الاعتبار أن الأزهر أقل تشددًا نحو الشيعة من الإسلام السعودي، ومع ذلك، فإن التقدير السعودي في هذه الفترة، كان أن جماعة الإخوان نفسها غير مستعدة للتقارب مع إيران.
ضغطت السفارة السعودية في تلك الفترة أيضًا على شخصيات مصرية نافذة من أجل عدم تكرار استضافة معارضين سعوديين في المحطات المصرية بعد الثورة، وبالأخص سعد الفقيه، كما كشفت الوثائق أن السعودية دفعت أموالًا لشخصيات مصرية رفيعة مثل مصطفى الفقي لكتابة تقديرات موقف لصالح السفارة عن الأوضاع بالداخل المصري، كما طلبت شخصياتٌ مصرية معروفة في المجال العام دعمًا ماليًا من السعودية لسبب أو لآخر، مثل مصطفى بكري وعمرو خالد.
إلا أن الجديد فيما كشفته تحقيقات “بيغاسوس” أن السعودية لم تتجسس على الإخوان المسلمين في مصر وحدهم، بالوسائل التقليدية مثل السفارة وشراء الذمم بالأموال، وإنما تجسست أيضًا، على شخصيات فاعلة في نظام السيسي المقرب منها، باستخدام أدوات أكثر تطورًا وأقل احتكاكًا بالواقع.. برمجيات مستوردة من الاحتلال.
شخصيات خارج الصندوق
كشف الجهد الاستقصائي أن محاولات الاستهداف السعودية للهواتف الرسمية المصرية، وقعت في مارس/آذار 2019، وعند تحليل نشاط الشخصيات التي تم التأكد من محاولة استهدافها سنجد لها نشاطات معلنة متقاطعة مع الشواغل السعودية في ذلك التوقيت بالفعل.
تنظر السعودية إلى العراق باعتباره ساحة صراع طائفي بينها وبين الدولة التي تمثل الشيعة
ففي تلك الفترة، برزت لأول مرة رسميًا بوادر آلية التعاون الثلاثي العربية الجديدة بين مصر والأردن والعراق، التي انبثق عنها لاحقًا مشروع “الشام الجديد” العملاق، الذي يمكن تلخيصه في عنوان: “النفط مقابل إعادة الإعمار”.
بالنسبة للسعودية، فإن هناك إرثًا تاريخيًا وذهنيًا ما زال له أسبابه الحاليّة من الشعور بالوصاية على المملكة الأردنية الهاشمية، التي أسست باسم “إمارة شرق الأردن” مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، استرضاءً للشريف حسين الذي قاد ما تعرف بالثورة العربية الكبرى انطلاقًا من شبه الجزيرة العربية ضد وجود الخلافة العثمانية في هذه المنطقة، ما أدى إلى تعاظم نفوذ آل سعود بمساعدة الإنجليز في النهاية.
كما تنظر السعودية إلى العراق باعتباره ساحة صراع طائفي بينها وبين الدولة التي تمثل الشيعة، إيران، وبالأخص بعد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية التي يفترض أنها كانت تقف في وجه المشروع السياسي الاستبدادي للرئيس الأسبق صدام حسين، وتمنع سقوط البلاد في يد أي قوة دينية متطرفة، سنية كانت أم شيعية، وذلك في عهد أوباما.
لذلك، كان مفهومًا أن تهتم السعودية بالتجسس على وزير الخارجية المصري سامح شكري والمتحدث باسم الخارجية السفير أحمد حافظ، إذ تنظر الرياض إلى جميع الدول الثلاثة في هذا التحالف الناشئ حينئذ على أنها دولٌ تقع في صميم نفوذها، تاريخيًا وجغرافيًا وسياسيًا وأمنيًا.
كما قد يكون مفهومًا أن تتجسس السعودية على رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي وقيادات من وزارة المالية في تلك الفترة التي شرع النظام المصري خلالها في تأسيس صندوق سيادي بقيمة 200 مليار جنيه، ومن المعروف أن السعودية مشغولة بالاقتصاد المصري من زاوية كونه اقتصادًا متلقيًا للدعم المالي السعودي، ومن زاوية التقصي عن تفاصيل الصندوق السيادي الجديد، في ظل تنافس عدة دول عربية في المنطقة على الاستثمار في صناديق ذات طبيعة خاصة.
وهو ما ينطبق، إلى حد ما، على التجسس على وزير العدل المصري حسام عبد المجيد، في ظل انشغال الدوائر القانونية الرسمية المصرية في هذا التوقيت بالعمل على التعديلات الدستورية التي أشرف عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتسمح ببقائه في الحكم حتى عام 2030، وتوسع صلاحياته على باقي السلطات التشريعية والقضائية، وتمنحه بعض “مساحيق التجميل” الخاصة بتحسين وضع الشباب والمرأة.
لكنَ ما يصعب فهمه، على الأقل إلى الآن؛ وهو: لماذا تتجسس السعودية، كما ظهر في تحليل تبعية أرقام الهواتف المستهدفة من الرياض في القاهرة، على موسى مصطفى موسى، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، والوحيد، أمام السيسي في انتخابات عام 2018، التي وصفت بالمسرحية، بعد إقصاء السيسي لكل المرشحين الذين يشكلون خطرًا عليه بشكل أو بآخر، إلى جانب وزير الاتصالات المصري السابق ياسر القاضي.
ليس ثمة إجابة محددة عن سبب الاهتمام السعودي بالاسمين الأخيرين في هذا التوقيت، لكنَ التحليلات الأولية التي تطفو على السطح إزاء هذه الأسماء، تكشف تطلعًا سعوديًا كبيرًا لمعرفة أدق التفاصيل عن الأمور في مصر على أرض الواقع، دون الاكتفاء بالمعلومات المباشرة المذاعة في الإعلام أو تلك المكتوبة بواسطة السفارة، إلى حد التطلع للوصول إلى المعلومات عن طريق أصحابها شخصيًا دون علمهم.
كما يؤخذ في الاعتبار أن ياسر القاضي، وهو تقنيٌ مرموق عمل في عدة مناصب قيادية في شركات أجنبية، من خلال فروعها في المنطقة، ومؤسسات حكومية محلية في مصر، قبل أن يصبح وزيرًا للاتصالات وتكنولوچيا المعلومات، كان قد عمل في الخليج بمنصب قيادي في شركة “الجريسي” التقنية في مستهل ذروة تطوره المهني.
العلاقات ليست كما تبدو من الخارج
من المفهوم أن تتجسس السعودية على خصومها من جماعة الإخوان المسلمين، بالنظر إلى قلق قادة المملكة من ثلاثية: الثورة والحكم الديمقراطي الذي يجيء بالإسلام السياسي ورحيل الضباط عن مشهد السلطة، وتأثيرات كل ذلك على أمنها الداخلي ونفوذها في أكبر دولة عربية وواحدة من أكبر الدول الإسلامية في العالم، مصر.
السعودية استطاعت استعادة الجزر من النظام المصري، بفضل ما أسماه حزم ولي العهد محمد بن سلمان، ملمحًا إلى أنَ الجيش المصري من دبر خطة الانقلاب على مرسي والإطاحة بالإخوان المسلمين من المجتمع المصري
لكن لم تتجسس السعودية، باستخدام برمجيات مستوردة باهظة الثمن، من الاحتلال، على نظام السيسي، الذي لم يترك فرصة إلا وعبر فيها عن ولائه لها، وعلى باقة متنوعة من رموزه والشخصيات المتعلقة به؟
رغم التناغم الظاهر على السطح في مواقف البلدين، وبعيدًا عن الأحداث المتزامنة التي من المحتمل أن تكون قد دفعت الرياض إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، فإنَ الحكم في السعودية، يبدو، أنه لا يرضيه أن يكون هناك نظامٌ مستقلٌ في مصر بأي شكل، وإنما يتطلع إلى علاقة تبعية كاملة.
رغم ما قام به السيسي من أجل أمور كثيرة من بينها إرضاء النظام السعودي، بما في ذلك التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين على البحر الأحمر عام 2016، فإن ذلك لم يشفع للسيسي عند مموليه بالخليج كي يتسامحوا معه في أي قرار مستقل.
ففي عام 2015، رفضت الرياض عرضًا رسميًا من القاهرة لتكوين قوة عسكرية عربية بقيادة مصرية تنشط في أعمال حماية الأمن القومي العربي من الأخطار المختلفة، وقررت أن تخوض معركة عاصفة الحزم في اليمن منفردة، ضمن تحالف مماثل، تلعب فيه الدول الإسلامية الكبرى أدوارًا أقل من السعودية.
وفي نهاية عام 2016، نقض الحكمُ السعودي التزاماته الاقتصادية لدى النظام المصري، التي حصل بموجبها على الجزيرتين، من خلال وقف التدفقات النفطية الميسرة من “أرامكو” إلى الهيئة العامة للبترول في مصر، وتعطيل اتفاقيات تقوم من خلالها شركات مقاولات مصرية بالعمل في مشروعات سعودية بقيمة تتجاوز 20 مليار دولار، وذلك ردًا على اتخاذ القاهرة موقف مخالف للسياسة السعودية حيال الأزمة السورية في مجلس الأمن.
وقبل أشهر من الآن، أطلق السفير السعودي السابق في القاهرة أحمد القطان، الذي أشرف على الأنشطة السعودية المشار إليها في مصر خلال فترة بعد الثورة، ووزير الدولة للشؤون الأفريقية في المملكة سيلًا من الانتقادات المبطنة لنظام حليفهم السيسي.
خلال لقاء تليفزيوني في السعودية، قال القطان إن السعودية استطاعت استعادة الجزر من النظام المصري، بفضل ما أسماه “حزم ولي العهد محمد بن سلمان”، ملمحًا إلى أن الجيش المصري من دبر خطة الانقلاب على مرسي والإطاحة بالإخوان المسلمين من المجتمع المصري، ومشيرًا إلى أن شخصيات نافذة في الدولة العميقة المصرية أهدرت جزءًا من الأموال السعودية الموجهة لدعم النظام بعد الثورة، فيما وصف آنذاك بأنه انتقامٌ سعوديٌ غير مباشر من نظام السيسي، بسبب تجاهله إدانة تقرير المخابرات الأمريكية الذي يدين ابن سلمان في مقتل خاشقجي، خلافًا لمعظم الدول العربية التي أدانته، بما في ذلك قطر.
لماذا لم يرد النظام المصري؟
بعض الدول أثارت ردات فعل متباينة تجاه نتائج تحقيق “بيغاسوس”، سواء كانت من الدول التي خضعت للتجسس أم تلك الدول المتهمة بالتجسس على دول أخرى أو نشطاء ومعارضين في الداخل، وهو ما يقودنا إلى السؤال عن سبب تجاهل النظام المصري اتخاذ أي موقف تجاه هذا الموضوع، هل كان سيتحلى بالصمت إذا كان من تجسس عليه دولة غير السعودية؟
من الضروري أن نتذكر أن الإعلام المصري، نتيجة حالة من “الضبط والربط” على مدار الأعوام الأخيرة بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، لا يستطيع أن يناقش أي قضية حساسة، دون تلقي ضوء أخضر مباشر من الجهات الأمنية التي تدير المشهد في البلاد.
السعودية حافظت على بعض ماء وجه النظام في مصر عندما نفت استخدامها لهذه البرمجية من الأصل
بدورها، تتحاشى السلطات المصرية، رغم بعض “التجاوزات” السعودية في حقها، أن تثير المشاكل مع الرياض، ولعل أحد أبرز الأدلة على ذلك، تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن محاولة البعض إحداث فتنة في العلاقات بين البلدين، بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي تخلت بموجبها القاهرة عن تيران وصنافير.
وفي وقت سابق، كانت السعودية قد تجنبت الانزلاق إلى التصعيد في مواجهة السيسي ورجاله شخصيًا، بعد الانقلاب وقبل أن يصل إلى الحكم بصورة رسمية، وذلك بعد تسريبات أذيعت للسيسي يقول فيها ما معناه إن دول الخليج، بما في ذلك السعودية، ليست إلا أموالًا متحركة، يمكن الاستعانة بهم لحل الأزمات المالية في البلاد.
كما أنَ النظام المصري وفقًا لتحقيقات صحافية مشابهة لتلك المتعلقة بـ”بيغاسوس”، متورط في حادثة مقتل خاشقجي، عبر استقبال فريق الإعدام السعودي في البلاد قبل أن يذهب إلى تركيا من أجل مده بتقنيات ومواد كيميائية متعلقة بالعملية، وفي حال إثارة النظام في مصر الحديث عن تجسس السعودية على كوادره، قد تقود نفس المناقشات إلى الدور المصري في جريمة اغتيال الصحفي السعودي بشكل أو بآخر.
وبصورة أقل، فإن الأجهزة السيادية المصرية رأت أن دولًا كبرى وحكام دول عظمى تعرضوا إلى نفس الأمر بواسطة نفس الأداة، مثل فرنسا وتركيا، ومن ثم فإنه ليس ثمة اختراق فادح للأمن القومي، خاصة أنه ليس هنالك بعد ما يدل على أن قيادات عسكرية وأمنية مصرية وقعت في نفس الشرك.
في الوقت ذاته؛ فإن السيسي يميل إلى حل تلك الاختراقات الأمنية، حتى لو كانت فادحة، بنوع من الهدوء والحكمة، وهو ما ظهر في تعامله مع “تسريبات” سابقة خطيرة، تضمنت مكالمات من قلب مكتبه، بعضها كان لمدير مكتبه السابق عباس كامل، ومع ذلك، فقد ترقى الأخير إلى منصب مدير المخابرات العامة دون أي تعارض أو مشكلة.
وكانت السعودية قد حافظت على بعض ماء وجه النظام في مصر عندما نفت استخدامها لهذه البرمجية من الأصل، لكن المؤكد، أن هذا الموضوع، رغم عدم إثارته رسميًا ونفي الجانب السعودي، سيكون محل اهتمام الأجهزة الأمنية المتخصصة في مصر، وذلك بالأخص على ضوء اهتمامها بامتلاك تكنولوجيا “سايبر” متقدمة في الفترة الأخيرة، كما سيؤثر، خلف الكواليس، على العلاقات غير المستقرة أصلًا بين النظامين.