ترجمة حفصة جودة
يعمل أحمد عبد الرحيم – 51 عامًا – منذ عقود رسامًا للمنازل في منطقة الشمايتين جنوب غرب محافظة تعز باليمن، لكن كسب العيش لم يكن سهلًا أبدًا خاصة بعد سنوات من الحرب، يقول عبد الرحيم: “حتى عندما أجد عملًا يكون الراتب غير كافٍ لشراء كل الاحتياجات الأساسية لأسرتي، كل شيء أصبح باهظًا هذه الأيام ولا أستطيع تحمل هذه التكلفة”.
لكن كل شيء تغير عند هذا الأب الذي يملك 3 أطفال منذ 7 أشهر عندما جاءت وجوه جديدة إلى القرية، يقول عبد الرحيم: “جاء سمسار من قريتنا وأخبرنا أن هناك مقاتلين يحاربون عند الساحل الغربي مستعدون لاستئجار منازلنا وسوف يدفعون مبلغًا جيدًا لقاء ذلك، في البداية كنا قلقين لكننا وافقنا لأجل المال والآن وجدنا أنهم أشخاص طيبون”.
ازداد عدد المقاتلين تحت قيادة طارق صالح – ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح – في المعارك التي يخوضها ضد المتمردين الحوثيين عند الساحل الغربي للبلاد، ومع غياب الثكنات العسكرية، يواجه المقاتلون أزمة سكن نوعًا ما ويسعون للحصول على منازل في المنطقة.
مثل بقية القرويين في ريف تعز، فتح عبد الرحيم أبواب بيته للمقاتلين من محافظات اليمن البعيدة، ومع انقسام السكان لفترة طويلة بشأن العواقب السياسية والأخلاقية لاستضافة هؤلاء المستأجرين الجدد، فهناك شيء واحد كان مؤكدًا: للأسوأ وللأفضل، هذا المجتمع المتنامي للمقاتلين سيغير الوضع في الشمايتين.
نعمة غير متوقعة
بعد سماع الأمر من سمسار العقارات، قسّم عبد الرحيم منزله إلى 3 وحدات صغيرة، وأجر وحدتين منهم بمبلغ 70 ألف ريال يمني (70 دولارًا) في الشهر، بينما يتشارك مع زوجته وأطفاله غرفة واحدة، بالمقارنة يبلغ متوسط راتب المُعلِم في اليمن نحو 60 دولارًا في الشهر.
كانت العديد من الأسر تعاني في القرية، أما الآن فالحياة أصبحت أسهل بعد أن أجروا نصف منازلهم وحصلوا على دخل جيد
في الماضي كان المقاتلون يدفعون الإيجار بالريال اليمني، لكن القرويين مؤخرًا أصبحوا يطالبونهم بالدفع بالريال السعودي أو الدولار الأمريكي، لانهيار العملة المحلية بعد أكثر من 6 سنوات من الحرب.
بعد حصولهم على دعم الإمارات العربية المتحدة بعد 2017، أصبحت قوات صالح تدفع بالريال السعودي، وهو ما يعد نعمة لأصحاب المنازل المحليين، يقول عبد الرحيم: “يحصل المقاتلون على رواتبهم بالريال السعودي، لذا فهم أغنياء ولا يترددون في دفع إيجار باهظ من أجل منازل صغيرة”.
ومع تدفق المزيد من المقاتلين كل يوم لمحاربة قوات الحوثيين في محافظة تعز، أصبح الطلب على المنازل في ازدياد، يسعى المقاتلون للحصول على منازل في القرى تحديدًا لأنهم يعتقدون أن القرى أكثر أمانًا من المدن، ونتيجة لذلك فإن إيجارات بعض المنازل في قرى تعز أغلى من المنازل في مدن مثل صنعاء وعدن وتعز.
يقول عبد الرحيم: “كانت هناك بعض المنازل المهجورة التي انتقل أصحابها للعيش في المدينة منذ عقود، لكن أصحابها عادوا الآن لترميمها وتأجيرها للمقاتلين، حتى إن بعضهم يستأجر المنازل القديمة على حالها لعدم وجود منازل كافية في القرية لتلبية الطلب المتزايد”.
يقول الرسام إن المقاتلين في قريته – الذين جاء بعضهم من محافظة ذمار – يتركون أسلحتهم في مدينة المخا بالقرب من خطوط المواجهة الأمامية، ويضيف: “إننا نعاني من المقاتلين المحليين الذين يواصلون إطلاق النار في القرية دون سبب، أما هؤلاء من المحافظات الأخرى فهم مهذبون ويحترموننا”.
كانت القرى تقتصر على المحليين فقط منذ قديم الزمان، لكن الآن صار بإمكانك سماع لهجات محلية أخرى في الشوارع كما لو أنك في المدينة
بالنسبة لعبد الرحيم فهذا التطور يعد تغييرًا إيجابيًا، يقول عبد الرحيم: “كانت العديد من الأسر تعاني في القرية، أما الآن فالحياة أصبحت أسهل بعد أن أجروا نصف منازلهم وحصولوا على دخل جيد، ليس لدي مشكلة في تقسيم منزلي ومشاركته مع أسرة مقاتل، المشكلة الحقيقية كانت عدم قدرتي على تلبية جميع احتياجات أسرتي”.
تغيير الطابع الريفي
في العديد من قرى الشمايتين، انتقل آلاف المقاتلين من محافظات ذمار وصنعاء والحديدة مع أسرهم، في العام الماضي انتقل ياسين – 40 عامًا من محافظة ذمار – حيث ترك منزله وانضم إلى قوات صالح في المعركة عند الساحل الغربي لليمن.
يقول ياسين: “هناك عشرات آلاف المقاتلين النازحين الذين يبحثون عن منازل في مدينة التربة، لكن لا توجد منازل كافية للجميع، لسنا سعداء بدفع هذه الإيجارات المرتفعة، لكن أصحاب المنازل أجبرونا على ذلك لأننا لا نملك خيارًا آخر، فالبكاد نستطيع أن نجد منزلًا لنعيش فيه فنقبل بدفع أي مبلغ”.
تقع ذمار الآن تحت سيطرة الحوثيين، لذا فعودة ياسين إليها ليست خيارًا متاحًا لأنه سيكون عرضة للاعتقال، يقول ياسين إن القرى في منطقة التربة بالشمايتين أكثر أمانًا، فمناخها الجبلي يشبه ما اعتادوه في ذمار.
يشرح ياسين قائلًا: “الطقس عند الساحل الغربي حار للغاية ولا تستطيع أسرنا العيش فيه، كما أننا جئنا من القرى أيضًا ولا نستطيع العيش في المدن”، يجب على المقاتلين والمحليين أن يعتادوا التغييرات التي تجلبها تدفق هؤلاء السكان الجدد.
يقول عاطف: “لا أدعم أي طرف في هذه الحرب السخيفة التي دمرت بلادنا، إنني ضد تأجير المنازل للمقاتلين وجلبهم للعيش في قرانا، لكنني لا أملك أي مصدر آخر للدخل إلا ذلك، لقد شلّت الحاجة الماسة أيدينا”
يقول محمد عبد الله – معلم في الشمايتين – إن قريته كانت تقتصر على المحليين فقط منذ قديم الزمان، لكن الآن صار بإمكانك سماع لهجات محلية أخرى في الشوارع كما لو أنك في المدينة، ويضيف “في بعض الأحيان لا يستطيع كبار السن فهم اللهجة التي يتحدث بها المقاتلون حتى لو كانوا يتشاركون نفس المنزل”.
رغم صعوبات التأقلم، بدأ المقاتلون في محاولة الاندماج بالمجتمعات المحلية حتى إن بعضهم تزوج نساءً من قرى الشمايتين.
حرب سخيفة
ومع ذلك فالعديد من القرويين ليسوا سعداءً بهذا التدفق للمحاربين في مجتمعاتهم، اعتاد عاطف العمل في مصنع بمدينة تعز حتى فقد وظيفته في 2015، حينها عاد إلى قريته في منطقة الشمايتين.
يقول عاطف: “لا أدعم أي طرف في هذه الحرب السخيفة التي دمرت بلادنا، إنني ضد تأجير المنازل للمقاتلين وجلبهم للعيش في قرانا، لكنني لا أملك أي مصدر آخر للدخل إلا ذلك، لقد شلّت الحاجة الماسة أيدينا”.
يعتقد عبد الله أن القروين لم يقبلوا بوجود المقاتلين بينهم إلا من أجل المال وليس أي شيء آخر، ويضيف: “هناك قبول مجتمعي للمقاتلين الموالين لصالح، لكن ذلك لا يعني أن القرويين يدعمون صالح، فأستطيع أن أرى أنه حتى معارضي صالح من حزب الإصلاح يؤجرون منازلهم لمقاتلي صالح، لذا من الواضح تمامًا أن الناس في حاجة ماسة للنقود ولم يغير تفكيرهم سواها”.
لا يلقي عاطف اللوم على القرويين المحتاجين رغم ذلك، قائلًا إنهم اضطروا لصنع حظهم بأيديهم دون مساعدة أحد، ومع ذلك فلديه كلمات قاسية لهؤلاء الذين يستفيدون من الصراع.
يقول عاطف: “إنني أعارض الأغنياء الذين يعملون مع كلا جانبي الحرب، فهم يأجرون منازلهم في القرى لمؤيدي صالح بالدولار الأمريكي، ويعملون مع الحوثيين في صنعاء، إنني ألعن هؤلاء الناس بالليل والنهار فهم لا يأبهون لقراهم أبدًا”.
لا يملك عاطف مشكلة مع أي يمني من المحافظات الأخرى، لكنه ما زال معارضًا بشدة لدعم أي طرف في حرب لا يؤمن بها، يقول عاطف: “لقد فتح القرويون منازلهم للنازحين دون مقابل لأنهم ضحايا الحرب وهذا سلوك جيد منهم، ومع ذلك فإن تأجير المنزل لمقاتل يقتل اليمنيين يعد كارثة”.
المصدر: ميدل إيست آي