ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما يتعلق الأمر بأسئلة التغذية المهمة، إليك سؤالا يدور الكثير من الجدل حوله: هل من الجيد تناول الطعام في وقت متأخر من الليل؟ تقول أخصائية التغذية المسجلة ماندي إنرايت، مؤلفة كتاب “وصفات طبخ تدوم 30 دقيقة لفقدان الوزن“، إن هناك الكثير من المعلومات غير الصحيحة في وسائل الإعلام حول موعد تناول الطعام، لا سيما حول تنظيم توقيت الوجبات.
يعتمد تأثير الوجبات في وقت متأخر من الليل على مجموعة متنوعة من العوامل. وتقول إنرايت: “الحقيقة هي أن ما تأكله وكميته لا يقلان أهمية عن وقت تناول الطعام، هذا إن لم يكونا أكثر أهمية”. لتوضيح هذا الموضوع المحير، تحدثنا مع العديد من أخصائي التغذية المسجلين للحصول على رأيهم. إليك ما تحتاج لمعرفته حول تناول الطعام قبل النوم.
الأكل في وقت متأخر من الليل وزيادة الوزن
حسب جينيفر فيسك، أخصائية تغذية مسجلة في دالاس بولاية تكساس، إن خطر اكتساب الوزن عادة ما يكون السبب الرئيسي الذي يجعل الناس يعتقدون أنه من السيئ تناول الطعام في وقت متأخر من الليل. وتضيف فيسك: “السبب الأكثر تداولا الذي سمعته هو زيادة الوزن. غالبا ما يرتبط تناول الطعام في وقت متأخر بعدم ضبط النفس وتناول الأطعمة السريعة”.
إن تناول الوجبات الليلية يرتبط في أذهان الكثيرين بصور الأشخاص الذين يشاهدون التلفزيون بينما يتناولون رقائق البطاطا والمثلجات، وترسخ هذه الصورة العناوين الجذابة. ومع ذلك، فالأمر ليس بهذه البساطة. توضح فيسك: “العديد من عملائي لا ينظرون إلى ما وراء العناوين لتحليل ما هو صحيح أو خطأ. إنهم ببساطة يأخذون مقولة ‘لا تأكل في وقت متأخر وإلا’ على محمل الجد دون التشكيك فيها”.
محور الاهتمام الآن هو معرفة كيفية تأثير الوقت من اليوم الذي نتناول فيه الطعام على نسبة السكر في الدم
يقول أخصائيو التغذية الآخرون إن العملاء يعتقدون أن زيادة الكوليسترول وحتى ضعف التحكم في الأنسولين هي آثار جانبية تلقائية لتناول الطعام في وقت متأخر من الليل. وأشارت أماندا ليبتاك، أخصائية تغذية مسجلة ومدربة عقلية في كليفلاند أوهايو: “يبدو الأمر كما لو أن جنية زيادة الوزن تزورنا بعد الساعة السادسة مساء في الليل، وتلوح بعصاها، ومن ثم قضي الأمر!”.
هل تغيرت المعتقدات حول تناول الطعام ليلا بمرور الوقت؟
حتى وقت قريب، كان العديد من الأشخاص – ومن بينهم الخبراء – يعتقدون أن إدارة الوزن تقتصر ببساطة على عدد السعرات الحرارية التي يتم استهلاكها وعدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم. لكن هذا التفكير تطور مع ظهور المزيد من الأدلة حول تأثيرات الهرمونات والتوتر وعلم الوراثة وعوامل أخرى على الوزن.
تقول أخصائية التغذية المسجلة ليزا أندروز، مالكة شركة “ساوند بايت نيوتريشن” في سينسيناتي أوهايو: “ظهر مصطلح بحثي جديد يُعرف باسم ‘إعادة تأهيل النظام الغذائي’ على مدار السنوات الخمس الماضية، وهو يسلط الضوء على كيفية تأثير توقيت الوجبات على الوزن وضغط الدم وسكر الدم والكوليسترول” .
وتضيف أندروز: “أن محور الاهتمام الآن هو معرفة كيفية تأثير الوقت من اليوم الذي نتناول فيه الطعام على نسبة السكر في الدم، وكذلك على وزن الجسم. وقد يؤدي تقليص المجال الزمني الذي يمكن خلاله تناول الطعام إلى الحد من الآثار الأيضية للأمراض المزمنة”. من جهتها، تضيف فريسك أن الصيام المتقطع هو الأكثر شيوعا، لكن الكثير من هذا البحث لا يزال تمهيديا.
ماذا يقول البحث؟
قد يكون تناول الطعام قبل النوم مقبولا تماما – وحتى جيدا لبعض الأشخاص – ولكنه يعتمد أيضا على عادات الأكل أثناء النهار وما تأكله واحتياجاتك الشخصية من السعرات الحرارية. تقول فيسك: “كما هو الحال مع العديد من جوانب التغذية، أرى بحثا يدعم استنتاجات متعددة حول تناول الطعام قبل النوم” وهذا السبب في أن السؤال “هل الأكل قبل النوم مضر؟” محير جدا.
في حين أن تناول الطعام ليلا لن يؤدي بالضرورة إلى زيادة الوزن، فإن التأثير على الوزن يعتمد على توزيع بقية السعرات الحرارية اليومية. هذا يعني أنك إذا قمت “بتوفير” 200 سعرة حرارية لوجبة خفيفة ليلية، فقد يكون كل شيء جيدا. ولكن إذا كنت تتناول 200 سعرة حرارية إضافية ليلة بعد ليلة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن بشكل كبير بمرور الوقت.
تشير بعض الأبحاث إلى أن تناول الطعام في الليل قد يقلل من احتمال تناول وجبة الإفطار – وقد يؤدي تخطي وجبة الإفطار إلى الشعور بالجوع الشديد والإفراط في تناول الطعام في وقت لاحق من اليوم. وفي بحث نشر في مجلة السمنة، كان ما يقرب من 20 ألف امرأة يابانية تناولن وجبات العشاء في وقت متأخر أو وجبات خفيفة قبل النوم أكثر عرضة لتخطي وجبة الإفطار.
حيال هذا الشأن، تقول إنرايت: “إن تناول العشاء في وقت متأخر أو وجبة خفيفة قبل النوم كان مرتبطا باحتمال أكبر للإصابة بزيادة الوزن أو السمنة”. وتربط الأبحاث أيضا بين تناول الطعام السكري ليلا وزيادة خطر تسوس الأسنان. هذا ليس مفاجئا حقا، لأن النصيحة لطالما كانت عدم إعطاء الأطفال العصير في وقت النوم لخطر مماثل، أو السماح لهم بالنوم مع زجاجة في فمهم.
وجدت دراسة صغيرة نشرت في سنة 2017 في مجلة “كوميونيتي نتال هيلث” شملت 128 فتاة قبل سن المراهقة تناولن وجبات خفيفة من السكريات قبل النوم أنهن معرضات لخطر تسوس الأسنان بشكل متزايد. ما الذي تغيّر؟ هو كيفية النظر إلى الوجبات الليلية بالنسبة للرياضيين. تقول فيسك: “لقد زاد الرياضيون من احتياجاتهم الغذائية، لذا فإن تناول الطعام قبل النوم يمكن أن يدعم التعافي ويضمن تناول كمية كافية من المغذيات. هذا المفهوم معروف جيدا في مجال التغذية الرياضية منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فقد اكتسب شعبية في السنوات الأخيرة”. وينطبق ذلك بشكل خاص في حالة ممارسة الكثير من التمارين المكثفة في فترة المساء.
هل هناك إجابة قاطعة؟
لا تزال النقاشات مستمرة – وربما ستظل كذلك دائمًا – حول إيجابيات تناول الطعام قبل النوم وسلبياته.
إذا كنت ترغب في الاستمتاع بنسبة أكبر من إجمالي السعرات الحرارية اليومية خلال فترة النهار، فقد يصح تجنب تناول الوجبات الخفيفة ليلاً. أما إذا كنت تستمتع حقًا بعادة تناول وجبة خفيفة صغيرة بعد مشاهدة حلقة من مسلسلاتك التلفزيونية ليلًا، يمكنك إنجاح ذلك أيضًا. كل ما عليك فعله هو التأكد من أنك تأكل الطعام بصورة واعية – مما يعني أنك لا ترفق الوجبة بمهام أخرى، وأنك على دراية بما إذا كنت جائعًا حقًا أو كنت مشتهيا لتناول وجبة خفيفة فحسب.
إذا لم تكن تشعر بالجوع حقًا، فقد ترغب في تناول صنف أخف من الوجبات شريطة أن يستوفي نوع الطعام الذي تشتهيه في تلك اللحظة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون الجزر الصغير مُرضيًا إذا كنت تتوق إلى طعام مقرمش.
تقول ليبتاك إن “الناس عادةً ما يرغبون في الاستمتاع والاسترخاء بأمسياتهم. وحينها تبدأ الأمور بأخذ منحى خاطئ، حيث غالبا ما يصبح الناس أقل إدراكًا لإشارات الجوع لديهم. وهذا ما يجعل تناول كيس من رقائق البطاطا أمام التلفزيون طريقة لا بأس بها لتضييع الوقت، حتى وإن طلب منك جسدك أن تتوقف”.
من أكثر المستفيدين من الوجبات الخفيفة في الليل؟
إن بعض الأشخاص يحتاجون بالفعل إلى وجبة خفيفة ليلاً. وتوضح ليبتاك ذلك قائلةً: “في كثير من الأحيان، تكون هناك مؤشرات واضحة على أنك قد تستفيد من وجبة خفيفة ليلاً. على هذا النحو، هناك أشخاص معينون غالبا ما يستفيدون بشكل كبير من تناول وجبة خفيفة في المساء، مثل الذين يعانون من داء السكري أو من انخفاض نسبة السكر في الدم، أو الأشخاص الذين يجدون أنفسهم يستيقظون في منتصف الليل بسبب ارتفاع مستويات الكورتيزول”.
وأضافت أن “أهم ما في الأمر هو اختيار وجبة خفيفة غنية بالعناصر الغذائية لحل هذه المشاكل بالتحديد، والتأكد من أن الوجبة غنية بالبروتين للمساعدة في التحكم في نسبة السكر في الدم وإرضاء الرغبة على الأكل”. بالإضافة إلى ذلك، قد تستفيد الأمهات المرضعات من تناول الوجبات الخفيفة قبل النوم، حيث تؤكد فيسك أن “الإرضاع يتطلب طاقة إضافية، لذا فإن الاحتفاظ بالوجبات الخفيفة على مرمى اليد مفيد للغاية”.
إذا قررت تناول وجبة خفيفة، فلا تنس أمر هرمونات الميلاتونين والسيروتونين، التي تساعد في الحصول على قسط جيد من النوم ليلاً. تؤكد إنرايت أن “تناول وجبة خفيفة صغيرة من البروتينات – مثل الحليب أو الزبادي أو الحمص أو لفائف الديك الرومي – جنبًا إلى جنب مع بعض الكربوهيدرات مثل الفاكهة أو الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة أو حبوب الإفطار، بإمكانه أن يساعد في رفع معدلات هرمونات النوم مثل السيروتونين والميلاتونين لتحفيز الجسد على الدخول في نوم مريح وعميق”.
هل يمكن أن يؤثر تناول الطعام قبل النوم على الوزن؟
في المؤتمر الأوروبي والدولي حول السمنة لسنة 2020، قدم باحثون من جامعة أولستر في أيرلندا الشمالية دراسة توصلوا فيها إلى أن الأشخاص الذين يتناولون الطعام في وقت متأخر من الليل كانوا يتبعون أنظمة غذائية غير صحية ووزنهم أكثر من الأشخاص الذين تناولوا الطعام في وقت أبكر.
من شأن تناول الطعام ليلا أن يؤثر على نوم الفرد في حالة تناوله قبل موعد النوم بفترة قصيرة جدا. لذلك، عادةً ما أشجع العملاء على ترك فترة بين آخر وجبة في اليوم
حسب ليبتاك “أظهرت النتائج بوضوح أن نوعية الأطعمة كانت أهم عامل فارق بين الأشخاص الذين يتناولون الطعام في وقت مبكر من اليوم، وأولئك الذين يأكلون في وقت متأخر من الليل، مما يؤكد أمرا لطالما عرفناه، وهو أن الوزن يتأثر بعادات الشخص وأسلوب حياته بشكل أكبر من مواعيد وجباته”.
كما هو الحال مع إدارة الوزن بشكل عام، فإن تناول الطعام بصورة واعية وإيلاء الاهتمام لإشارات الجوع أمر أساسي طوال اليوم. وتقول ليبتاك إن “هذا يشمل تناول وجبات متوازنة على مدار اليوم، وعدم الانتظار لفترات طويلة لتناول الطعام، وعدم ادخار السعرات الحرارية لوقت لاحق إذا كنت تخطط لتناول وجبة في مطعم. من شأن كل ذلك أن يمنع الإفراط في تناول الطعام في الليل، لأنه يساعد في إدارة نسبة السكر في الدم والسيطرة على الرغبة الشديدة في تناول الطعام”.
هل يمكن أن يؤثر تناول الطعام ليلا على نومك؟
الجواب المختصر: نعم. لكن فيسك توضح أنه “من شأن تناول الطعام ليلا أن يؤثر على نوم الفرد في حالة تناوله قبل موعد النوم بفترة قصيرة جدا. لذلك، عادةً ما أشجع العملاء على ترك فترة بين آخر وجبة في اليوم، سواء خفيفة أم لا، وموعد النوم بحوالي ساعة لإعطاء الجسم فرصة للهضم. ومع ذلك، هناك أشخاص لا يعانون من اضطراب النوم بسبب تناول الطعام قبل النوم، ما يعني أن ذلك يعتمد على طبيعة الفرد بشكل كبير”.
تدعم الأبحاث الحقيقة التي تفيد بأن ما تأكله قبل النوم هو المفتاح الرئيسي لضمان عدم زيادة الوزن. تقول أندروز إن “اتباع نظام غذائي منخفض الألياف وغني بالسكر والدهون قبل النوم قد يؤثر سلبا على جودة النوم. وقد وجدت دراسة صغيرة أن تبني هذا النوع من الأنماط الغذائية كان مرتبطًا بنوم أقل تجديدًا للنشاط“.
تناول العشاء في وقت متأخر من الليل قد يزيد من احتمال الإصابة بالارتجاع الحمضي، خاصة لمرضى السكري، وذلك حسب بحث نُشر في “الدورية الكندية لمرض السكري”. وقد تزيد الإصابة بالارتجاع من صعوبة الحصول على نوم جيد ليلاً.
إذن متى يجب أن يتوقف الناس عن تناول الطعام في المساء؟
تجيب فيسك: “عادةً ما أنصح بترك ساعة واحدة على الأقل بين آخر وجبة – سواء خفيفة أم لا – وموعد النوم”.
وجبات خفيفة ليلية يوصى بها:
إذا كنت ستأكل قبل النوم، فهناك وجبات خفيفة صحية ينصح بأخذها بعين الاعتبار، على غرار:
– قطعة جبنة مع معلقتين كبيرتان من الجوز غير المملح.
– حوالي 140 غراما من الزبادي اليوناني مع ربع كوب من الكرز الحامض المجفف.
– كرة بروتين بالشوكولاتة وزبدة اللوز.
– حصة من حلوى البودينغ مع حبوب الشيا والكرز.
المصدر: ذا هيلثي