ترجمة حفصة جودة
غادرت العداءة البيلاروسية كريستسينا تسيمانوسكايا طوكيو هذا الأسبوع بعد انتهاء دورتها في الأولمبياد، لكنها لم تكن عائدة إلى وطنها الأم، بل ذهبت إلى وطن جديد في بولندا، فقد حصلت تسيمانوسكايا على تأشيرة إنسانية من الحكومة البولندية بعد أن ادّعت أن لجنة الأولمبياد البيلاروسية تحاول إجبارها على العودة إلى مينسك حيث تكون حياتها عرضة للخطر.
وفقًا لتسيمانوسكايا فإن فريقها أوضح لها تمامًا أنها ستواجه عقوبة حال عودتها للبلاد، لذلك سعت إلى الحماية واللجوء.
لم تكن تسيمانوسكايا الرياضية الوحيدة التي تحاول الهرب في اليابان، ففي 16 من يوليو/تموز غادر رافع الأثقال الأوغندي يوليوس سسكيتوليكو معكسر التدريب وترك ملحوظة يقول فيها إنه يأمل في العثور على عمل في اليابان.
عاد سسكيتوليكو الآن إلى أوغندا حيث يواجه تهمة التآمر والاحتيال للسفر إلى اليابان دون امتلاكه أي مؤهلات لهذه الألعاب.
تاريخ طلبات اللجوء
كتبت المؤرخة باربرا كيز أن مسابقات الرياضة الدولية توفر فرصة جذابة للناس للهرب من الظروف الصعبة في بلادهم التي يكون أغلبها قمعًا سياسيًا، رغم أن غالبية طلبات لجوء الرياضيين تداخلت فيها الدوافع الاقتصادية والسياسية، فإن أشهر انشقاقات الرياضيين كانت مرتبطة بشدة بالجغرافيا السياسية في أثناء الحرب الباردة.
انشق أكثر من 100 رياضي في أثناء أولمبياد ميونخ، لكن بعض المراسلين يفضلون الحديث عن الدوافع السياسية من بين الأسباب الأخرى عند سرد قصصهم
في دورة ألعاب لندن عام 1948 كانت مدربة الجمباز ماري بروفازنيكوفا أول منشقة عن الأولمبياد عندما رفضت العودة إلى تشيكوسلوفكيا بعد الانقلاب الشيوعي الذي أطاح بحكومة بينس الديمقراطية، قالت بروفازنيكوفا إنها طلب اللجوء لانعدام الحرية في براغ.
في أثناء الحرب الباردة، عبّر الرياضيون الذين يسعون إلى الهروب من الدول الشيوعية إلى الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية عن دوافع مختلفة، لكن الصحف حشدت الكلمة السياسية “انشقاق” كتعبير عام عن كل هذه الدوافع.
كان أكبر عدد لطالبي اللجوء في دورة أولمبية من المجريين الذين انشقوا في أثناء دورة ميلبورن عام 1956، جاءت دورة الألعاب الأولمبية بعد الغزو السوفيتي الدموي للمجر بفترة قصيرة، الذي أنهى الإصلاحات السياسية في البلاد، ساعد مخططو وكالة المخابرات المركزية في إقناع الرياضيين المجريين بالانشقاق حتى مع مواجهتهم للرياضيين السوفييت في أحواض السباحة وعلى المضمار.
ومع ذلك تقول المؤرخة جوهانا ميليز إن بعض هؤلاء المنشقين اكتشفوا لاحقًا أن الحياة في أمريكا ليست بالضرورة جيدة مثل المجر الشيوعية.
فعلى سبيل المثال شارك لازسلو تابوري المجري بطل العدو مسافة ميل منزلًا مكونًا من 3 غرف مع 12 رياضيًا آخر في كاليفورنيا، في النهاية عاد ربع هؤلاء المنشقين إلى المجر.
في عام 1972 انشق أكثر من 100 رياضي في أثناء أولمبياد ميونخ، لكن بعض المراسلين يفضلون الحديث عن الدوافع السياسية من بين الأسباب الأخرى عند سرد قصصهم.
يلتزم الموقعون على هذا الاتفاق بعدم إعادة اللاجئين إلى بلدهم الأم، كما توفر معاهدات دولية أخرى قواعد ومبادئ أساسية بشأن معاملة اللاجئين في دول اللجوء
في أثناء أولمبياد مونتريال عام 1976، طلب الغواص السوفيتي سيرجي نيمتسانوف اللجوء إلى كندا، لكن يبدو أن انشقاقه كان متعلقًا بالحب وليس السياسة، فعبد أن انفصلت عنه حبيبته الأمريكية عاد مكسور القلب إلى الاتحاد السوفيتي.
دور القانون الدولي
بموجب بروتوكول 1967 لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بأوضاع اللاجئين فقد عرّفوا اللاجئ بأنه “أي شخص خارج بلاده وغير قادر أو لا يريد العودة نظرًا لمخاوف حقيقية بشأن تعرضه للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو عضويته لجماعة اجتماعية معينة أو تبنيه لرأي سياسي محدد”.
يلتزم الموقعون على هذا الاتفاق بعدم إعادة اللاجئين إلى بلدهم الأم، كما توفر معاهدات دولية أخرى قواعد ومبادئ أساسية بشأن معاملة اللاجئين في دول اللجوء.
يرجع جوهر هذه الاتفاقات إلى أن طالبي اللجوء بحاجة لأن يكونوا بدنيًا في بلد أخرى للمطالبة باللجوء، وأن تكون أسباب عدم رغبتهم للعودة إلى بلادهم مرتبطة بالسياسة أو العرق أو أي شكل آخر من أشكال الاضطهاد وليس لأسباب اقتصادية.
يملك الرياضيون قدرة أكبر على أن يكونوا في الوضع المناسب لطلب اللجوء بسبب قدرتهم الكبيرة على التنقل، فعلى سبيل المثال، قبل انشقاقه في أولمبياد أتلانتا عام 1996 قال رافع الأثقال العراقي رائد أحمد إن المنافسات الدولية أفضل طريق للخروج من العراق إلى الأبد، وفقًا لأحد المراسلين.
نتيجة لذلك تستعد الدول المضيفة للمسابقات الرياضية الدولية لانشقاق الرياضيين، ومع ذلك يتعرض المسؤولون لمفاجآت على حين غرة، ففي أولمبياد لندن عام 2012 سعى أكثر من 12 رياضيًا لطلب اللجوء وبعد 3 سنوات كانت الحكومة لا تزال تنظر في طلباتهم، ويواجه بعض الرياضيين الذين يطلبون اللجوء ظروفًا صعبة من بينها التشرد.
يبدو أن عدد طالبي اللجوء من الرياضيين في ازدياد، ففي دورة ألعاب الكومنولث عام 2006 في ميلبورن، سعى 26 رياضيًا ومسؤولًا لطلب اللجوء، وفي دورة ألعاب جولدن كوست كومنولث بعد 10 سنوات من ذلك ارتفع العدد إلى 200 طلب لجوء، لكن الحكومة في النهاية رفضت غالبية هذه الطلبات.
للمفارقة، فإن العديد من الدول تستقبل الرياضيين الناجحين بسعادة وتضمهم إليها في حال تمكنهم من الفوز بميداليات ذهبية، فقطر والبحرين شاركا مؤخرًا بفريق أوليمبي يعج بالمهاجرين، في الحقيقة فإن 23 رياضيًا قطريًا من بين 39 شاركوا في دورة ألعاب ريو 2016 كانوا من مواليد الخارج.
اللجنة الأولمبية الدولية واللاجئين
يبدو أن المنهج المتفاوت للجنة الأولمبية الدولية تجاه اللاجئين يعقّد من استجابة الدولة لطلبات لجوء الرياضيين، فرسميًا لا تحتفظ اللجنة بأي سجل رسمي لطالبي اللجوء في أثناء الألعاب، وفي ردها على إحدى وسائل الإعلام الألمانية قالت اللجنة: “لا يوجد أي شرط في الميثاق الأولمبي يتعلق بهذا الأمر، فاللجنة الأولمبية الدولية لا تحتفظ بسجل للحالات التي ينشق فيها الرياضيين أو أعضاء في وفود الفرق أو حتى المسؤولين الرياضيين في أثناء حضورهم الألعاب الأولمبية”.
ومع ذلك فلأكثر من 25 عامًا عملت اللجنة الأوليمبية الدولية عن قرب مع لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لتشجيع الرياضيين في مخيمات اللجوء، والآن أصبح هناك فريق أولمبي للاجئين ينافس في الألعاب.
هذا الفريق اقترب من الحصول على أول ميدالية له في طوكيو عندما خسرت اللاجئة الإيرانية كيميا علي زاده في مباراة على الميدالية البرونزية في لعبة التايكوندو، كانت زاده قد تركت إيران بسبب القيود الصارمة التي يفرضها النظام على حقوق النساء، فقد قالت: “كانوا يستغلونني كلما كان الوضع مناسبًا، إنني واحدة من ملايين النساء المضطهدات في إيران اللاتي لعبت معهن لسنوات”.
في الوقت نفسه، فإن اللجنة الأولمبية الدولية لم تهتم بالمطالب الدولية لمعاقبة إيران بعد إعدامها مصارع قال نشطاء حقوق الإنسان إنه أعُدم لأسباب سياسية (قالت اللجنة إن رئيسها قدم التماسًا لقادة إيران لإظهار الرأفة بالمصارع).
فتحت اللجنة الأولمبية تحقيقًا في قضية تسيمانوسكايا وطالبت بيلاروسيا بالرد على ادعاءات محاولتها إجبار العداءة على ركوب الطائرة والعودة إلى مينسك الأسبوع الماضي، ربما تستطيع اللجنة معاقبة بيلاروسيا على الحادث، لكن الأمور لم تتضح بعد.
المصدر: ذي كونفرسايشن