ما زالت محافظة درعا جنوب سوريا تتربع على عناوين الأخبار والأحداث، وسط ترقب السوريين إلى ما ستؤول إليه الأحداث في مهد ثورتهم، فنظام الأسد ما زال متعنتًا بحلّه الأمني ضاربًا بعرض الحائط اتفاقيات التسوية والتهدئة، وأهل درعا ما زالوا متمسكين بالكرامة وأن الزمن لن يعود إلى ما كانت عليه الأمور قبل 2011، لكن قوات النظام حلولها واحدة: حصار وقتل وتجويع وإهانة وتعفيش!
في ظل هذه الأحداث المتلاحقة بدرعا وغياب واضح لمؤسسات المعارضة كالائتلاف السوري وغيره، تبرز في درعا لجنة المفاوضات التي تضم وجهاء المدينة، وتعمل هذه اللجنة على تحصيل أكبر المكاسب للأهالي عبر عملية التفاوض مع النظام وروسيا، ويبدو أن هذه اللجنة في حالة انعقاد دائم وبيدها وُضعت أمور الحل والعقد، وهي الوحيدة المخولة بالحديث أو التفاوض عما يحصل، خاصة بعد غياب الفصائل العسكرية المعارضة وأجسامها بعد اتفاق التسوية الذي حصل في يوليو/ تموز 2018.
ما هي لجنة المفاوضات؟
بعيدًا عن التصريحات الإعلامية العشوائية والإشاعات التي تصدر في مثل هذه الأوقات، تعمل لجنة مفاوضات درعا بشكل دؤوب للوصول إلى حل يضمن كرامة الأهالي في المحافظة وأمنهم وبقائهم في مدنهم وبلداتهم، الجدير بالذكر أن ما يحصل يتم عرضه في بيانات شبه يومية، من نتائج للمفاوضات أو المحادثات التي تجري بين اللجنة وقوات النظام أو القوات الروسية التي تعتبر الضامن لاتفاق التسوية المعقود عام 2018.
في تصريحات مقتضبة يقول المتحدث باسم لجنة أهالي درعا المحامي عدنان المسالمة لـ”نون بوست”: “التصريحات الكثيرة والعشوائية تؤثر بشكل سلبي على العملية التفاوضية”، مشيرًا إلى أن الأخبار الجديدة تصدر عن طريقه هو كناطق رسمي ومفوض بالتصريحات”، مضيفًا “أهل درعا وضعوا كامل ثقتهم باللجنة وفوضوها بإيجاد الحلول لتأمين أمنهم والحفاظ على كرامتهم وهذا ما نعمل عليه وفق الإمكانات المتاحة”.
وتتكون لجنة درعا من قياديين ثوريين سابقين مدنيين وعسكريين إضافةً إلى وجهاء العشائر في المنطقة، ومن أهم الوجوه في اللجنة، الشيخ فيصل أبازيد رئيس مجلس عشيرة آل أبازيد والمحامي عدنان مسالمة عضو بمجلس عشيرة آل مسالمة وهو ناشط بالمجال الحقوقي والجمعيات والمنظمات، إضافةً للعقيد محمد الدهني أبو منذر قائد فرقة 18 آذار التي كانت إحدى فصائل درعا قبل التسوية، كما تضم اللجنة أبو شريف محاميد قائد كتيبة بلواء التوحيد وأبو علي محاميد وهو أحد الوجهاء البارزين في المدينة.
بعض أعضاء اللجنة كانت لهم تصريحات قوية بخصوص المفاوضات، وتظهر هذه التصريحات ثباتًا في موقفهم الرافض لعودة درعا وحوران إلى سيطرة الأسد الكاملة، وفي السياق يقول أبو علي محاميد أحد أعضاء اللجنة: “ما يحدث اليوم في درعا البلد هو نقطة فارقة في تاريخ الثورة السورية منذ انطلاقتها من درعا البلد، لذلك يسعى النظام وإيران وروسيا للسيطرة على درعا البلد آخر معاقل الثورة السورية لإنهائها ووأدها في مكان انطلاقتها، ويرددون بدأت من درعا البلد وستنتهي في درعا البلد، ما حصل في محافظة درعا في مسرحية الانتخابات الهزيلة التي أجراها النظام أثبت للعالم أن درعا لا تزال متمسكة بالثورة رغم ما مرت به من ظروف عصيبة، وترفض نظام الأسد وتتوق للحرية والديمقراطية”.
الأهالي واللجنة
ينظر أهالي درعا في هذه الأيام للجنة على أنها ممثلهم الوحيد، خاصة مع خلو المنطقة من الفصائل العسكرية المنظمة التي كانت قبل يوليو/تموز 2018، ولم تعد توجد منظمات أو مؤسسات للمعارضة السورية يستطيع الأهالي اللجوء إليها، بدوره يقول الناطق باسم اللجنة عدنان مسالمة في حديثه عنها لـ”نون بوست”: “لجنة درعا البلد المؤلفة من أطباء ومهندسين ومحامين وضباط وقادة مجتمعيين وشباب ثوري ومعها عدد من الكوادر اكتسبت قوتها من خلال إجماع أهلهم عليهم وثقتهم بهم بصفتهم قادرين على إيصال البلد إلى بر الأمان من خلال المحافظة على أمن البلد وكرامتهم، وهذا جعل اللجنة تملك القرار الشعبي المحصن”.
الناشط الإعلامي محمد الشرع يقول لـ”نون بوست” في حديثه عن اللجنة: “الاختلاف بين هذه المفاوضات وهذه اللجنة وما كان في 2018 هو الثقة.. الأهالي يعرفون تمامًا أن المفاوضات صعبة والقوة العسكرية ليست في صالح أهالي درعا وبذات الوقت يرون من اللجنة ثباتًا على الموقف وسعيًا لتحصيل أقل الأضرار ودرء الخطر عن الناس ولذلك تعززت الثقة بهم، عكس ما حصل في 2018 عندما كانت اللجان وقتها تتنازل بشكل رهيب وتغلب مصالح أفرادها الشخصية فخسرت الحاضنة”.
ويبدو أن عدم وجود فصائل متناحرة وهيئات مختلفة أتى بالفائدة على أهل حوران ليجتمعوا على كلمة واحدة في ظل هجمة شرسة من النظام والميليشيات الإيرانية، ولا بد دائمًا من أصوات مخالفة مهما كان الأمر صعبًا، وفي السياق يقول الناشط محمد الشرع: “من المستحيل تحصيل إجماع على أي أمر وخاصة في مثل هذه المواقف التي يكون فيها الاختيار بين السيئ والأسوأ.. ستخرج دائمًا أصوات مشككة ومخونة وهذا طبيعي، لكن اللجنة حاليًّا تنال دعمًا شعبيًا كبيرًا وواسعًا والجميع على ثقة أن قرارها سيكون أفضل المتاح حتى إن كان صعبًا وقاسيًا”.
أعمال اللجنة
لم نجد تاريخًا رسميًا لتأسيس هذه اللجنة، لكن تقريبيًا يبدو أنها تأسست أو تشكلت بشكل أقرب للتوافق بين الوجهاء بعد اتفاق التسوية صيف عام 2018، وتعمل اللجنة على حل المشاكل الكبيرة في المدينة والعمل على فض النزاعات إضافةً إلى الاجتماع المستمر مع وفود النظام وروسيا للبت بقضايا الشأن العام في المنطقة، وبرز اسم هذه اللجنة في الشهور الأخيرة إثر هجوم النظام وحصاره لأحياء درعا البلد، فكانت أعمالها الأساسية الاجتماعات المستمرة مع قوات النظام وروسيا لإيقاف الهجوم وفك الحصار.
كما تعمل اللجنة على إصدار بيانات توضيحية للعموم على شكل مؤتمرات صحفية بشكل مستمر يلي كل اجتماع أو مفاوضات، وهو ما أكسبها الثقة بين الأهالي، وتبقى هذه اللجنة في حالة انعقاد دائم لمتابعة آخر المجريات، ولم يسلم أعضاؤها من قذائف قوات النظام، فقد استهدفت مدفعية النظام منزل عضو اللجنة أبو شريف محاميد وأدت إلى أضرار مادية وفقًا لما قاله أحد أعضاء اللجنة.
ويُرجع الناشط الشرع شعبية اللجنة وفوزها بثقة الأهالي إلى “ثبات موقفها ورفضها للتنازل وقبل ذلك صدقها في إطلاع الشارع على كل جديد.. الناس لا تطلب المستحيل وتعرف صعوبة الأمر وكل ما تطلبه من المفاوضين أن يكونوا صادقين معهم ويبلغهم بكل ما يحصل وهذا ما نجحت فيه اللجنة”.
تخوف من إيران
تتخوف لجنة مفاوضات درعا من التوغل الإيراني المستمر في الجنوب السوري بشكل عام، الأمر الذي جعلها تطلق تحذيرًا من هذا الأمر أكثر من مرة، إذ طالبت في أحد بياناتها “وفود المعارضة بالانسحاب من المسارات السياسية السورية في جنيف وأستانة وتعليق عضويتهم، إذا لم يتم رفع الحصار عن مدينة درعا البلد خلال مدة أقصاها 48 ساعة، ووقف محاولات الاقتحام من قوات النظام والميليشيات الإيرانية المساندة له”، وحذر البيان من “مشروع إيراني للهيمنة على الجنوب السوري”.
وعلى ما يبدو فإن اللجنة تحاول جعل المفاوضات كلها مع القوات الروسية، فالجميع يعلم في سوريا أن لا كلمة لبشار الأسد وقواته دون ضوء أخضر روسي، ودعت اللجنة “روسيا إلى احترام التزاماتها، والتحلي بالمسؤولية اللازمة بصفتها الدولة الضامنة لاتفاق التسوية بدرعا”، مشيرة إلى أن النظام يحاول إنهاء هذه التسوية، ما يعني ضربة لجهود روسيا كطرف ضامن للتسويات في سوريا.
وفي حديث لقناة “الحرة” قال أبو علي المحاميد عضو لجنة المفاوضات: “لم يكن هناك خلال الأيام الماضية مفاوضات بمعنى المفاوضات، هناك طرف قوي وطرف ضعيف. الطرف القوي هو النظام السوري، مدفوعًا من إيران، والتشكيلات الموالية لها مثل الفرقة الرابعة لا تزال تحشد حتى الآن وتريد نشر حواجز بين منازل المدنيين”، مضيفًا “ضمن اجتماعاتنا لم يطرح مسؤولو النظام الأمنيين إلا الشروط وقالوا: نريد تطبيقها كاملة وإلا أمامنا الاقتحام والحرب”.
وفي حديثه عن المفاوضات يشير المحامي عدنان المسالمة إلى أن “المفاوضات متوقفة الآن حتى يحضر الجنرال الروسي الجديد المسؤول عن المنطقة”، وبحسب المسالمة فقد تم إنها تكليف الضابط الروسي المدعو أسد الله الذي كان مكلفًا بإدارة العمليات الروسية في المنطقة وكانت لجنة المفاوضات تجتمع معه، ويذكر أن أسد الله عقد اجتماعات مع وجهاء درعا، وطالب بتسليم قطع سلاح فردي ومتوسط، وهدد “بإفساح المجال للميليشيات الإيرانية والقوات الرديفة للجيش السوري أمام عمليات اقتحام واسعة”.
إلى ذلك تعمل لجنة المفاوضات بعيدًا عن أي إملاءات إقليمية كما يقول عدنان المسالمة: “لا يوجد أي تواصلات بشكل رسمي مع دول الجوار أو دول أخرى وقرارنا محلي”، ويبدو أن هذا الأمر يسهل عليهم العمل ويجعل منهم محل ثقة على خلاف ما رأينا من لجان أخرى في مناطق مختلفة من سوريا تدخلت بها الدول وأصبحت ألعوبة تعمل لغير صالح الشعب السوري، وهو الأمر الذي لا يريد أهل حوران أن يروه بلجنتهم التي منحوها الثقة.