كشفت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، عن مبادرة قالت إن زعيمها عبد الملك الحوثي، المدرَج في لائحة أمريكية كإرهابي خطير، وضعَ نصوصها بهدف وقف الهجوم على مأرب، وسلّمها للوفد العُماني الذي زارَ العاصمة اليمنية صنعاء يوم السبت 5 يونيو/ حزيران 2021، حاملًا معه المبادرة السعودية لوقف شامل لإطلاق النار في اليمن.
والمبادرة الحوثية التي جاءت ردًّا على المبادرة السعودية، تضعُ شروطًا لكي يقبل الحوثيون وقف الهجوم المتواصِل على محافظة مأرب اليمنية التي تأوي أكثر من مليونَي نازح، وهي إشارة في مجملها إن الحوثيين مصرّين على تعقيد مساعي السلام، وعرقلة مهمة المبعوث الأممي الجديد.
المبادرة التي نشرها رئيس وفد الجماعة المفاوض، محمد عبد السلام، على صفحته في تويتر، تخلو من العقلانية والمنطق، ولا تضع حلولًا منطقية تجعل الوسيط يطرحها للتفاوض، لكنها شروط من أجل تسليم المحافظة النفطية والغازية، بدلًا من الحديث عن وقف الحرب في اليمن بشكل كامل، كما المبادرات الدولية التي قُدِّمت.
وبحسب ما جاء في المبادرة الحوثية، فإنها تشترط تشكيل قيادة مشترَكة للمحافظة، وقوات أمنية مشترَكة، ولجان فنية مشترَكة؛ كما تشترط الحصول على حِصَص من النفط والغاز، إلى جانب إعادة تشغيل أنبوب التصدير من مأرب باتجاه ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر غربًا الخاضع لسيطرتها، وإتاحة المجال أمام عناصر الجماعة للتنقُّل من وإلى المحافظة، مع إطلاق الأسرى الموالين لها في سجون الحكومة الشرعية.
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) August 10, 2021
قراءة في المبادرة
من خلال المبادرة التي قدّمها الحوثيون للوسيط العُماني، وأُطلق عليها “مبادرة مأرب”، يؤكَّد رفضهم للمبادرة السعودية، وللجهود الدولية التي بُذلت في هذا السياق، وهذا يثبت أن الحوثي لا يرفض مباشرةً، لكنه يختلق مواقف لتتويه الوساطة العُمانية، حتى لا يفقد الحياد العُماني للحرب في اليمن.
وللتمعُّن في الشروط التسعة المنشورة بتلك المبادرة، فإن الجماعة تهدف للمراوغة من خلال خطوتها هذه، مراهنةً على الوقت لإسقاط مأرب التي استعصت عليها نتيجة قوة دفاع أسوارها، لكنها ترى أن استمرار الهجوم عليها قد يمكّنها مع الوقت من اختراق تلك الأسوار الحديدية، وانهيار دفاعاتها، ما يسهِّل لها السيطرة على آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال اليمن.
ورغم ذلك، قُدِّمت المبادرة قبل أكثر من شهرَين (يونيو/ حزيران 2021)، حملها الوسيط العُماني إلى المجتمع الدولي، لكن الدبلوماسيين الغربيين لم يكشفوا عنها أو يسرّبوها لوسائل الإعلام، ما يعني أن العُمانيين تجاهلوها، أو ما زالوا يقنعون الحوثيين بالتخلي عنها والقبول بالمبادرة السعودية، وأن تقديم هذه الشروط في هذا الوقت هو تحايل وهروب من الضغوط الدولية، بل سيكشف للمجتمع الدولي أن الحوثيين هم من يعرقل السلام.
وما يؤكد هذا هو لجوء الحوثيين إلى تسريبها ونشرها بأنفسهم، ما يعني أنهم يريدون استثمار ذلك على المستوى الداخلي والخارجي، وقبل ذلك يضعون سلطنة عمان أمام الأمر الواقع، لتقديمها للمجتمع الدولي على أنها مبادرة حوثية من أجل وقف الهجوم على مأرب.
يتحدث الحوثيون في أول بند من بنود ما يطلقون عليها “مبادرة مأرب”، عن تشكيل قيادة مشترَكة للمحافظة، وقوات أمنية مشترَكة مع أبناء المحافظة (أي الحوثيين وأبناء المحافظة الموالين لهم)، دون أن يُذكر موقف الحكومة اليمنية من هذه القيادة المشترَكة، ما يعني أنهم وضعوا شروط استسلام وليس مبادرة سلام، ليُأخذ ما لم يستطع بالحرب بهذه المبادرة.
وتُعتبر هذه الشروط شروطًا مذلة للشرعية اليمنية، وليس لها مبرر إلا ضعف الأخيرة التي لا تزال تستجدي من الحوثي السلام، دون أن يكون هناك موقف واضح وحاسم أمام المماطلة الحوثية المستمرة، ورفض تنفيذ اتفاق الحديدة، وكذلك المبادرات الدولية لوقف الحرب في اليمن.
يعلم الحوثيون أن الشروطَ التي قدّموها في هذه المبادرة مذلةٌ، لكن توقيت نشرها يهدف إلى إرسال عدة رسائل، حيث تريد أن تقول للقبائل اليمنية، خصوصًا قبائل مأرب التي حاولت الميليشيا غير مرة إغراءهم بالمال للتخلي عن المحافظة النفطية، إن الجماعة أصبحت تفرض الشروط، وإنه لا مكان لهذه القبائل بعد أن يقوم المجتمع الدولي بتسليم المحافظة للميليشيا.
شرط الحوثي الخاص، إخلاء مأرب مِن مَن تعتبرهم “داعش” والقاعدة، فهي تحاول أن توهم المجتمع الدولي بأنها تحارب التنظيمَين.
وهذا يعني أن الحوثيين فشلوا في إسقاط مأرب عسكريًّا، ولجأوا إلى تخويف وترهيب القبائل اليمنية التي تمنعهم من إسقاطها، وأنه لن يكون هناك مكان لمن يرفض التواجد الحوثي، وسيدفعون الثمن، وهذا ما قد يثير حفيظة بعض القبائل التي ستفتح معهم خطَّ تواصُل، بحسب ما يعتقده الحوثيون.
أما شرط الحوثي الخاص، إخلاء مأرب مِن مَن تعتبرهم “داعش” والقاعدة، فهي تحاول أن توهم المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، بأنها تحارب تنظيمَي “داعش” والقاعدة، وتريد القول إن مقرَّ التنظيمَين في مأرب.
إن هذا اتِّهام خطير لأبناء اليمن بشكل عام، مفاده أن من يرفض المشروع الإيراني هو “داعش” والقاعدة، مع أن الواقع يؤكد أن الحوثيين أبرموا اتفاقات كثيرة مع التنظيم، وقد أفرجت عن قيادات من القاعدة بهدف زعزعة استقرار المحافظات اليمنية المحرَّرة.
ووضعُ الحوثي شرط الحصول على حصص النفط والغاز، يؤكِّد أن مأرب بالنسبة إلى الحوثي هي “النفط والغاز والكهرباء”، وأن مسألة الحديث عن حرية التنقل للمواطنين ما هي إلا دغدغة مشاعر، وذلك ممرّ لهدف أكبر وهو الاستيلاء على مأرب ونفطها وغازها، قبل أن يتّجه إلى بقية المحافظات المحرَّرة في جنوب وغرب اليمن.
ومن ضمن المبادرة أو الشروط، يدعو الحوثيون إلى تشكيل لجنة مشترَكة، لمعالجة الجوانب الفنية اللازمة لإصلاح أنبوب صافر-رأس عيسى، واستئناف ضخّ النفط وإصلاح غازية مأرب الكهربائية وإيداع إيرادات النفط والغاز في حساب خاص لصرف الرواتب ودعم الجوانب الإنسانية.
يشبه هذا البند أحد بنود اتفاق ستوكهولم الموقّع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018، فيما يخصّ الحديدة وموانئها، على أن تذهب إيرادات الموانئ للبنك المركزي فرع الحديدة وتخصَّص كرواتب للموظفين، لكن الحوثيين رفضوا الالتزام بذلك، ولا تزال عائدات موانئ الحديدة تذهبُ لصالح المجهود الحربي الحوثي، ولحساب القيادات الحوثية التي بانَ عليها الثراء الفاحش.
مبادرات خادعة
دائمًا ما يقدِّم الحوثيون مبادرات من أجل إنهاء الحرب، لكنهم فقدوا مصداقيتهم تمامًا فيما يخص عملية السلام والحوار معهم أو على الأقل مهادنتهم، فهم غالبًا ما ينكثون وينقضون الاتفاقيات السياسية والعسكرية، منذ حروبهم السابقة مع علي عبد الله صالح إبّان حكمه لليمن.
ونقضَ الحوثيون اتفاقيات مع الحكومة اليمنية في أعوام 2003 و2006 و2009، ومع السلفيين في اليمن عام 2012، ومع القبائل اليمنية في عمران عام 2014، ومع حكومة الرئيس هادي مرّتَين في عام 2014، وكذلك اتفاقية ستوكهولم الموقّعة في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 بينها وبين الحكومة اليمنية برعاية الأمم المتحدة.
وكانت الاتفاقيات التي يبرمونها مع خصومهم السياسيين، تمهِّد الطريق للوصول إلى أهدافهم التي يرسمونها، حتى اتفاقيات وقف إطلاق النار التي كانت في عامَي 2015 و2016، خرقوها ولم يلتزموا ببنودها.
الخلاصة
مبادرة الحوثيين أو ما أطلقوا عليها “مبادرة مأرب”، هي خدعة حوثية، وهروب من السلام، ومحاولة لجعل مأرب موضوع التفاوض بين الأطراف الدولية والحوثيين، لصرف المجتمع الدولي عن المشكلة الأساسية التي هي انقلاب الميليشيا الحوثية على الدولة.
الحوثيون ليسوا دعاة سلام، وإنما مشروع تدميري في المنطقة، يرفضون السلام، ويتنفّسون الصعداء كلما تحدث العالم عنهم.
الشروط الحوثية محاولةٌ لتجزئة الحلول العسكرية، وليس السياسية، بهدف إسقاط كل المحافظات بهذه الطريقة، من خلال إبرام اتفاقيات إدارة مشترَكة لكل محافظة من المحافظات التي ستسعى الجماعة للسيطرة عليها بأقل كلفة.
ويُتوقع إن نجح الحوثيون في جرّ المجتمع الدولي لهذه الشروط في مأرب، أنهم سيتّجهون بعد ذلك إلى محافظة شبوة (شرقي اليمن)، وهي الأخرى نفطية ويوجد فيها ثاني أكبر محطة غاز مسال في المنطقة.
يسعى الحوثيون إلى تشتيت المجتمع الدولي، ونسف المرجعيات الدولية التي تدعو لعودة الحكومة إلى صنعاء، وعودة الحوثيين كمكوِّن سياسي مثله مثل المكوِّنات السياسية اليمنية، من خلال إبرام اتفاقيات لكل محافظة من المحافظات اليمنية.
لهذا يجب على الحكومة اليمنية أن تغيّر من استراتيجيتها التفاوضية مع الحوثيين، وكذلك مع المجتمع الدولي، بعد 7 سنوات من الحرب، فاستمرارها بالنهج ذاته لن يكون لصالحها، وعليها أن تعيد حسابات الاتفاقيات السابقة التي أبرمها الحوثيون مع الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ عام 2003، وحتى الاتفاق الأخير عام 2018.
فالحوثيون ليسوا دعاة سلام، وإنما مشروع تدميري في المنطقة، يرفضون السلام، ويتنفّسون الصعداء كلما تحدث العالم عنهم وضغط على التحالف والحكومة لتحقيق سلام، كونهم يدركون أن عدم الحديث عن السلام يعني الحرب بديلًا عنه، وهو ما يعني نهايتهم.
فمنذ أن دخل الرئيس الأمريكي جو بايدن البيت الأبيض وتحدث عن السلام، نشطَ الحوثيون عسكريًّا، وسيطروا على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وحينما زاد المجتمع الدولي ضغطه على الحكومة اليمنية والتحالف لتقديم تنازُلات للحوثي، فهمَ الأخير ذلك بشكل مختلف، وأصبح يصيغ شروط استسلام، لا سلام عادل.. ولا سلام مع من يعتقدون أن لديهم أمرًا إلهيًّا بحُكم العالم، وتقسيمه بين سادة وعبيد!