كعادة أبناء مدرسة مناهضة الانقلاب ومقاومته بشطريها “أبناء عودة د/ مرسى للحكم” و”أبناء ما بعد 3/ 7 وماوراء مذبحة رابعة”، في جميع القضايا والمستجدات على الساحة السياسية والمشهد الثوري، مختلفون أشد الاختلاف ومتفاوتون لدرجة استحالة الجمع بينهما في كليات المشهد الثوري والسياسي وقضاياه، فضلاً عن جزئياته وتفاصيله؛ مما يعرقل خلق رأي عام ضاغط يصب في مخزون الكتلة الحرجة لفعل ثوري حقيقي شعبي كامل وتوجيه الضغط والغضب الشعبي الكامن والخامل وتثويره في مراحل تغيير وعي الأمة ومنطلقاتها.
وهذا الاختلاف تتجلى صوره في جزئيات المشهد وكلياته في صورة تشاحن وتناحر يصل لحد العداء والتباغض بين طرفي المدرسة حتى في القضية الأساسية – مع الاتفاق بينهما على أن ما حدث في 3/ 7 انقلاب عسكري دموي فاشي ولو قالت الإنس والجن بغير ذلك – وهي قضية كيف نقاوم الانقلاب؟
هل نقاوم الانقلاب كجملة واحدة ورزمة ثورية واحدة وبلك سياسي كامل ابتداءً من 3/ 7 وعلى أرضية ما قبل 3/ 7 على اعتبار أن الانقلاب حدث في وجود رئيس جمهورية منتخب طبقًا لقواعد الديمقراطية الإجرائية؟ “وهذا تصور أبناء عودة د/ مرسى للحكم كالإخوان والوسط وبعض أبناء التيار الإسلامي الثوري والأحزاب الصغيره”.
أم نقاوم الانقلاب بالقطعة بمعنى أننا تحولنا من الاعتراف بأن ما حدث في 3/ 7 انقلاب عسكري دموي إلى حكم عسكري سلطوي فاشي يجب ما قبله، فيحتاج الضغط عليه في جزئياته وتفاصيله كقضايا منفصلة، تخلق رأي عام حول كل قضية لتكسبها ثم تنتقل لما بعدها وهكذا؟ “وهذا تصور الاشتراكيين الثوريين و6 أبريل وحزب مصر القوية وبعض أبناء التيار الثوري”.
وتظهر تلك الفكرة ومدى الاختلاف فيها بوضوح في تناول كل طرف من شطري المدرسة لقانون التظاهر الذي أقره الانقلاب لمنع أي حراك ميداني يصب في اتجاه الثورة الصادقة ومقاومة الانقلاب ومناهضته.
حيث يقر أبناء ما بعد 3/ 7 أن الانتصارات الصغيرة أفضل من الهزائم الكثيرة والتي منيت بها الثورة بعد 3/ 7، فالانقلاب نفسه هزيمة كبرى تبعتها هزيمة “التفويض بالقتل” والتي نتج عنها مذابح ومجازر كبيرة كالمنصة ورابعة والنهضة بغطاء مجتمعي ودعم دولي وعربي، ثم هزيمة “دستور 2014″، وهزيمة” السيسي رئيسًا”، ويقول الناشط الثوري “هيثم محمدين”: “كما تعلمنا تكتيكات الهجوم في المد الثوري، فلابد من تعلم تكتيكات التراجع وإدراة المعركة حتى لا تُضرب الثورة في خطوطها الأمامية ويحدث فصل شاسع بين الثوار والظهير الجماهيري”، ويردف محمدين قائلاُ: “ومن أهم أدوات إدارة المعركة في الوقت الحالي؛ رفع شعارات مطلبية صغيرة دون التخلي عن الأهداف الاستراتيجية والتي منها إسقاط الانقلاب، ولابد من النضال بقوة لتحقيق انتصارت صغيرة لمنع تسرب الإحباط إلى الثوار والحاضنة الشعبية لهم، كما أن الانتصارات الصغيرة تفتح مساحات كبيرة لمطالب أكبر”.
ثم يختتم كلامه الثورى “إن أكبر حماقة يرتكبها الثائر أن يرفع شعارات ثورية كبرى في لحظات التراجع الثوري، وأن أي تنازل تقدمه سلطة الانقلاب مهما كان صغيرًا مثل الإفراج عن المعتقلين، هو انتصار يرفع المعنويات ويعيد للجماهير ثقتهم في نفسهم الثوري بعيًدا عن الشعارات الوهمية كالانقلاب يترنح وغيره، نعم .. نحن ثوار ضد قانون التظاهر، نعم .. نحن ثوار الإفراج عن المعتقلين، نعم .. نحن ثوار دعم مطالب العمال الاقتصادية، نعم .. نحن ثوار نقاوم حتى يأتي دورنا في الهجوم، نعم .. نحن ثوار لا نتراجع أبدًا عن هدفنا الاستراتيجي وهو إسقاط النظام”.
ورغم الخلاف الشديد الواضح بين شطرى الثوار – قادة وشبابًا – من حيث الأيدولوجيا والأهداف والوسائل، إلا أنه في الإمكان التراجع خطوة للوراء لما قبل 11 فبراير متحرفين للنضال ضد عدو واحد ومتحيزين لفئة الثورة وطائفة الثوار الصادقين في ميدان واحد وتحت شعار واحد وهو إسقاط دولة العسكر وجمهورية ضباطها فقط بعيدًا عن التشاكس والتنافر والتناحر في الأيدولوجيا والأهداف والوسائل، وذلك بتكوين جبهة وطنية ثورية حقيقية بين طوائف الثورة وقواها السياسية من الإخوان و6 أبريل والاشتراكيين الثوريين ومصر القوية والوسط وباقي القوى الثورية الصادقة سواء الإسلامية منها واليسارية والليبرالية.
ولعلني أجد أنه لا خلاص لثورتنا من ورطتها ومحنتها بل ونكستها هذه إلا بوحدتنا الحقيقية صفًا واحد كالبنيان الثوري المرصوص، وقوتنا نحن وضعف عدونا يكمنان في صف ثوري واحد يضع مصر الثورة أمامه متناسيًا لأخطاء الآخرين ومتجاوزًا لمصالحه الحزبية والفصائلية الضيقة وشاهرًا سيف الثورة في وجه الظلم كل الظلم، فكيف تجمعنا زنزانة واحدة ولا يجمعنا ميدان واحد بهدف واحد وشعار واحد “الشعب يريد إسقاط النظام.”
ووحدتنا سهلة وبسيطة والقواعد المشتركة بيننا موجودة وأهدافنا المتماثلة والمتشابهة كثيرة، فالمشترك الإنسانى الثوري بيننا كبير، لأن الحرية عند الجميع أصل ثابت مطلوب، والاستقلال السياسي أمر جامع مرغوب، والعدالة الاجتماعية هدف راسخ مأمول، فلننل جميعًا حريتنا المنقوصة ونسترد كرامتنا المسلوبة ونقتنص استقلالنا المكبل بالتبعية والانكسار لنحقق عدالتنا الاجتماعية وكرامتنا الإنسانية تحت مظلة التشاركية الثورية والنضال الميداني وبعيدًا عن النسبية العددية والاستعلاء الأيديولوجي.
ومع تصلب موقف النظام الانقلابي وانسداد الأفق السياسي وعدم نجاح التحالف في خلق ضغط شعبي كامل في مواجهة الانقلاب وعدم قدرته على تسويق ذلك داخليًا وخارجيًا، فلا سبيل أمامنا جميعًا إلا أن نقدم تنازلات للثورة وأهلها بدلاً من أن نقدمها جبرًا وقهرًا لأعدائها وأعدائنا.