ترجمة وتحرير: نون بوست
في سنة 2012، كان محمد يكافح من أجل العثور على وظيفة في جامعة يمنية. عمل أستاذ اللغة الإنجليزية لسنوات كمدرس خاص، لكن العثور على وظيفة أكاديمية بدوام كامل كان أمرا مستحيلا. لذلك قرر المغادرة إلى المملكة العربية السعودية بحثا عن وظيفته المثالية.
قال محمد لموقع ميدل إيست آي: “كنت محظوظا بالعثور على وظيفة في إحدى الجامعات السعودية وكان هذا حلمي. تمتع المئات من الأساتذة اليمنيين بحياة طيبة وتمكنوا من إعالة عائلاتهم وأقاربهم الآخرين في اليمن”. لكن دون سابق إنذار أو تفسير، انتهى هذا الحلم.
في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، بدأت الجامعات في محافظات الباحة وجازان ونجران وعسير جنوب المملكة العربية السعودية إنهاء عقود جميع الأكاديميين اليمنيين. وحسب محمد، لم يتأثر الموظفون الأجانب الآخرون. وتابع محمد: “لقد أبلغتنا الجامعة أنه وقع إنهاء عقودنا ولدينا مهلة مدتها أربعة أشهر فقط لمغادرة المملكة العربية السعودية. حدث هذا فجأة ولا نعرف سبب هذا القرار”.
يبدو أن مئات اليمنيين في جنوب المملكة العربية السعودية قد تأثروا بهذا القرار. لم يقتصر الأمر على الأكاديميين فحسب، بل وقع الاستغناء عن المعلمين والأطباء وقيل لهم إن عليهم العودة إلى ديارهم، وفقا لوسائل الإعلام المحلية. في نجران وحدها، وقع تسريح 106 من موظفي الجامعة.
على غرار بقية اليمنيين في المملكة العربية السعودية الذين وقع التحدث إليهم في هذا الموضوع، لم يفكر محمد، الذي استخدم اسما مستعارا لأسباب أمنية، أبدا في العودة إلى اليمن حتى الآن. أصبحت حياة الأكاديميين في البلد الذي مزقته الحرب أكثر صعوبة من أي وقت مضى، لا سيما مع تدهور الاقتصاد اليمني في السنوات الأخيرة. تعمق التضخم وتضررت الاحتياطيات النقدية جراء الصراع هناك والحصار السعودي والسياسات المالية المنافسة من قبل الإدارات في صنعاء وعدن.
قال محمد: “لم يتقاض الأساتذة في اليمن رواتبهم منذ سنة 2016، لذلك لم يكن التفكير في العودة إلى اليمن مطروحا وخططت للبقاء في المملكة العربية السعودية حتى انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في اليمن”، مضيفا أنه يتوقع العودة إلى الديار في غضون شهرين.
كما أضاف: “أعتقد أن الذين سيحلون محلنا سيكونون من جنسيات أخرى، وليس من السعوديين، ولكن في كلتا الحالتين سنعود إلى اليمن قريبا ونبدأ في التفكير في المكان الذي يمكننا الانتقال إليه بعد ذلك لأن الأوضاع في اليمن صعبة”.
بيئة معادية
هناك حوالي مليوني وافد يمني يعملون في المملكة العربية السعودية. الآلاف من هؤلاء هم أصحاب مؤهلات عليا ويعملون في مجالات التعليم والطب ومهن أخرى في جميع أنحاء المملكة. ومع ذلك، أصبحت الحياة صعبة بشكل متزايد بالنسبة لهم. سعت الحكومة السعودية إلى توظيف المزيد من مواطنيها في القوى العاملة، حيث اشتكى اليمنيون في السنوات الأخيرة من إجبارهم على إفساح المجال للسعوديين.
لم تدل السلطات السعودية بأي تعليق بخصوص هذا القرار، ولم يتضح سببه بعد
وقعت عمليات طرد جماعي من حين لآخر في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، كان معظم الضحايا من العمال ذوي المهارات المتدنية أو غير الموثقين، وليسوا مهنيين من الطبقة الوسطى. في غضون ذلك، رفعت الرياض الرسوم المفروضة على عائلات اليمنيين، مما جعل العيش في المملكة العربية السعودية باهظ التكلفة بالنسبة للبعض.
يبدو أن هذه الموجة الحالية من تسريح الموظفين تؤثر على المهنيين المتعلمين فحسب. صرّح علي، وهو عامل يمني في سوبر ماركت في نجران، لموقع ميدل إيست آي بأن ن هذه العملية لم تشمله ولا أيا من زملائه. “سمعت أنه قد طُلب من الأساتذة والأطباء فقط مغادرة المحافظات الجنوبية من السعودية، لكن بالنسبة لنا ولغيرنا من العمال، فما زلنا نعمل بشكل طبيعي”.
أشار علي، الذي بدء العمل في السعودية منذ سنة 2013، إلى أن عشرات الآلاف من اليمنيين يشغلون مختلف الأعمال في نجران، وستحدث “كارثة” إذا طُلب منهم مغادرة السعودية. وأردف قائلا: “سمعت الكثير من الإشاعات حول هؤلاء الأساتذة، لكنني أعتقد أنه قرار متعلق بوزارة التعليم العالي ولا ينطبق على جميع العاملين، وأتمنى ألا يشملنا قرار مماثل في المستقبل”.
لم تدل السلطات السعودية بأي تعليق بخصوص هذا القرار، ولم يتضح سببه بعد. وقد طلب موقع “ميدل إيست آي” من السفارة السعودية في لندن بإدلاء تعليق حيال ذلك.
عودة صعبة
بالنسبة لمروان محمد، الذي عاد إلى بلاده السنة الماضية بسبب الرسوم الباهظة التي باتت مفروضة على المغتربين اليمنيين، فإن اليمنيين في جنوب المملكة العربية السعودية ما زالوا في مأمن عموما، ويبدو أن هذه المشكلة مقتصرة على بعض المهن فقط.
في حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”، قال محمد: “أنهت السلطات السعودية عقود مئات الأكاديميين، وهذا رقم صغير جدًا مقارنة بإجمالي المغتربين اليمنيين في السعودية”.
لطالما عرفنا أن الدول المجاورة لبلدان النزاع تفتح الحدود أمام النازحين للفرار إلى مناطق آمنة، لكن السعودية تفعل العكس
تفيد بعض التكهنات بأن السلطات تحاول وقف التحويلات المالية التي تتدفق إلى اليمن بينما بين محمد أن هذه التحويلات ليست ذات أهمية بالنسبة للحكومة السعودية في واقع الأمر. وقال: “أعتقد أن وزارة التعليم العالي اتخذت القرار لأسباب خاصة بها”، مضيفًا أن العثور على عمل جديد في اليمن سيكون صعبًا للغاية بالنسبة للأكاديميين المصروفين عن الخدمة. “بالنسبة لي، كان من الصعب العودة إلى اليمن وما زلت أبحث عن أي فرصة عمل. أعتقد أن الأكاديميين سيواجهون صعوبة مماثلة في اليمن، لكنهم لا يملكون أي خيار آخر”.
لطالما توجه اليمنيون إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن فرص عمل، وتعززت علاقة الجوارمنذ تدخل الرياض في حرب اليمن في سنة 2015. مع قيام المملكة العربية السعودية وحلفائها بفرض حصار على اليمن والمساهمة في تصعيد أزمته من خلال الحرب ضد جماعة الحوثيين، يعتقد العديد من اليمنيين أنه ينبغي على الرياض أن تقدم لهم كل مساعدة ممكنة، بدلاً من السعي لترحيلهم. الآن، يعتمد حوالي 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على أحد أنواع المساعدات، حيث وصفت الأمم المتحدة ما تشهده البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
في هذا الشأن، قال أبو بكر الربوعي، وهو رجل نازح في تعز جنوب اليمن، إنه “يجب أن تستقبل المملكة العربية السعودية المزيد من النازحين اليمنيين لأن اليمن يشهد حربًا، وهي دولة مجاورة للمملكة. عوضا عن ذلك، هاهي تجبر اليمنيين على العودة للعيش في الحرب. لطالما عرفنا أن الدول المجاورة لبلدان النزاع تفتح الحدود أمام النازحين للفرار إلى مناطق آمنة، لكن السعودية تفعل العكس”.
كان الربوعي نفسه يحاول الفرار إلى السعودية بمساعدة المهربين، لكن الأمر خطير للغاية. لذلك فقد تخلى عن ذلك وقرر البقاء في تعز في الوقت الراهن. وتعليقا على ذلك، قال: “قبل الحرب، لم أفكر في مغادرة اليمن لأن عملي كان جيدا وأعيش في بيئة آمنة. لكننا بدأنا بعد ذلك بالتفكير في الرحيل. لا شك أن للمملكة العربية السعودية الحق في طرد اليمنيين، إلا أن الوقت ليس مناسبا لذلك، لأنها تقود حربًا في بلدنا، لكنها لم تساعدنا في الحصول على حياة جيدة”.
المصدر: ميدل إيست آي