لا يتوانى نظام ما بعد الثالث من يوليو/ تموز 2013 عن مساعي تبييض صورته، عبر تشويه معالم التاريخ الحديث، ومحاولة طمس كل الجرائم المرتكبة، التي لو كانت هناك قوة للقانون وقيمة للمبادئ الحقوقية لحوكم عليها على منصات العدالة الدولية، كونها جرائم حرب تستهدف الإنسانية في أبهى صورها.
ويحشد هذا النظام بكل أذرعه لغسل عقول المصريين، عبر تغذيتها بمداد درامي وفني مؤدلَج، له تأثيره السحري في فرض تموضُع جديد لمنظومة الأفكار داخل المجتمع المصري، تخلق في النهاية صورةً ملائكية للسلطات الحاكمة وتشيطن المعارضين لها.
ومن أكثر الجرائم الوحشية التي يسعى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لطمس هويتها، وتشويش سرديتها، والعبث في تفاصيلها لوأدها من الذاكرة المجتمعية رغم حداثتها، مذبحة “فض رابعة”، 14 أغسطس/ آب 2013، تلك المذبحة الموثَّقة بالصوت والصورة وتمثِّل وصمة عار في جبين جنرالات الحكم في مصر.
عامًا تلو الآخر تنجح دولة ما بعد الثالث من يوليو/ تموز في اجتزاء أركان الرواية، مرة بالتشكيك وأخرى بحماية المجرمين ومحاكمة الضحايا، وثالثة بمحاولة استئصالها مجتمعيًّا عبر إجهاض أي محاولات للتذكير بها، لتصل إلى الحلقة الأهم هذا العام المتعلقة بتزوير تفاصيل المجزرة وتجميل الصورة السلطوية، في مقابل تشويه المجني عليهم كفصل أخير من مسرحية الطمس.
كرّست الدولة كل أجهزتها للخروج بمسلسل (الاختيار 2) في أبهى صورة لتحقيق أهدافه المنشودة
في رمضان الماضي عرضَ التلفزيون المصري المسلسل المثير للجدل “الاختيار 2″، الذي تناول أحداث ما بعد 30 من يوليو/ تموز 2013 وفضّ اعتصام “ميدان رابعة”، مستندًا إلى وجهة نظر النظام دون التطرُّق لا من قريب أو بعيد لوجهة النظر المقابلة، وهو ما فسّره نقّادٌ وقتها بأنه محاولة لتبرئة السلطات الحالية من التهم الموجهة إليها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في تلك المذبحة، وتبييض صورتها الملطّخة بدماء القتلى الذين كان من بينهم نساء وأطفال.
ومع الذكرى الثامنة لتلك الجريمة، وفي ظلِّ تراجُع الزخم الشعبي حيال تلك الواقعة الدامية، يبقى السؤال: هل نجح جنرالات الحكم في مصر في محو تلك المذبحة من الذاكرة المجتمعية عبر الدراما؟ وهل حقّق المسلسل المخابراتي أهدافه بالفعل؟ وما خيارات الإبقاء على هذه الذكرى على قيد الحياة بعيدًا عن الإفلاس الذي تعاني منه أطياف المعارضة في مصر؟
تجييش لكل الأجهزة
هذا العمل الدرامي (هو الجزء الثاني من مسلسل “الاختيار” الذي عرض عام 2020، وكان يتناول حينها الهجوم على كمين “البرث” في سيناء، وكيف تصدّت قوات الأمن له) من إنتاج شركة “سينرجي” المملوكة للمجموعة “المتحدة للخدمات الإعلامية”، التابعة للمخابرات العامة المصرية بحسب الكثير من التقارير الإعلامية.
كرّست الدولة كل أجهزتها للخروج بهذا المسلسل في أبهى صورة لتحقيق أهدافه المنشودة، بدءًا من جهاز المخابرات العامة المالك للشركة المنتجة، مرورًا بإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة التي وفرت الدعم اللوجيستي لفريق التصوير، لا سيما على المسار الدعائي، ثم إدارة العلاقات العامة التابعة لوزارة الداخلية، وصولًا إلى الحملات الإعلامية المكثفة من الآلة الإعلامية الداعمة والمدعومة من النظام الحالي.
كثير من الفنانيين المصريين ممن كانوا نجومًا في السابق انضموا إلى الفريق المعارض للنظام الحالي، لماذا لا يتوحّدون فيما بينهم من أجل تقديم عمل مضاد يجهض تلك الأكاذيب المقدمة عبر الدراما السلطوية؟
كان الهدف هو تقديم عمل يمحو بشكل كامل السردية الحقيقية للمجزرة، بحسب توثيق شهود العيان والمنظمات الحقوقية، واستبدالها برواية رسمية أخرى، تقدِّم قوات الأمن والسلطة حينها في صورة الكيان الطاهر الطيب الذي حاول قدر الإمكان إنهاء الوضع بصورة ملائكية إنسانية، دون وجود أي إرادة للعنف أو إراقة الدماء، في مقابل شيطنة الطرف الآخر، المعتصمين العُزّل، والإيحاء بأن ميدان رابعة كان ثكنة عسكرية مكتظة بشتى أنواع الأسلحة رغم تطويقه بإدارات الأمن والجيش معًا من الاتجاهات كافة.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يلجأ فيها نظام السيسي إلى القوى الناعمة لتمرير أجندات وسياسات بعينها، وشرعنة واقع ما بصرف النظر عن قانونية وجوده، مستندًا إلى حجم تلك القوى وتأثيرها في المجتمع المصري تحديدًا، حيث تحتلّ مكانة وقدسية كبيرتَين في مكوّن الشعب العقلي والعاطفي معًا.
تشويه ممنهج للحقائق
رغم أن قطاع كبير من المصريين شهدَ تفاصيل عملية الفض، إمّا بالمشاركة الفعلية وإمّا بالتوثيق المباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، وما تلاها من روايات لشهود عيان عايشوا تلك اللحظات الدامية، فإن المسلسل أصرَّ على تقديم سردية مغايرة تمامًا لما جرى، معتمدًا على الذاكرة السمكية التي يعاني منها المجتمع المصري الذي يؤمن بالمقولة الشعبية “الزن على الأذن أقوى من السحر”.
الكاتب الصحفي والأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة، قطب العربي، وهو أحد من شاركوا في اعتصام رابعة وكان متواجدًا يوم الفضّ، قدّم شهادته على تزييف العمل الدرامي للوقائع والحقائق الخاصة بالمجزرة.
فقد عدّدَ في تصريحات لـ”عربي 21” الأكاذيب التي أوردها المسلسل، “من الأكاذيب عدم السماح للمعتصمين بمغادرة الميدان من إدارة الاعتصام، وهو غير حقيقي، ومحاولة تصوير أن جميع المعتصمين من فئات “دنيا” أي بسيطة كالسائقين والعمّال والفلاحين والصعايدة هي إشارة إلى قيام إدارة الاعتصام بالتغرير بهم، لكن الحقيقة أن الاعتصام جمعَ كل أطياف المجتمع المصري وطبقاته دون استثناء”.
وردًّا على الاتهامات الخاصة بأن الاعتصام كان مسلحًا، وأن هناك تضييقات على الصحفيين للدخول لعدم كشف هذا المخطط، قال: “إننا في حركة “صحفيون ضد الانقلاب” دعونا الصحفيين والإعلاميين المحليين والأجانب للدخول إلى الميدان لرصد ما يحدث داخله والتأكد بأنفسهم من عدم وجود أسلحة، وأنه اعتصام سلمي طوعي لا سلاح فيه ولا إجبار، وذللنا لهم سُبل التجول والتصوير ولكنهم لم يستطيعوا نشر شيء لأن الإعلام المملوك والخاضع لسيطرة المخابرات لم يسمح لهم بنقل الحقيقة”.
فيما كذّب مؤسِّس تيار الأمة ورئيس حزب الفضيلة، محمود فتحي، أحد شهود العيان من داخل مذبحة الفض، الرواية التي تبنّاها العمل الدرامي بشأن تخطيط المعتصمين لتفجير ميدان التحرير في 30 من يونيو/حزيران 2013، لافتًا إلى أنه كان أحد المشاركين بجانب مؤسسة الرئاسة للحيلولة دون وقوع أي جرائم أو تفجيرات في الميدان.
وأضاف: “أحدهم اتصل بي وأبلغني بوجود مركب بالنيل به بلطجية ومتفجرات يعتزمون استخدامها في ميدان التحرير وإلصاقها بأنصار الرئيس مرسي، فبادرت بالاتصال بالرئاسة وقاموا من فورهم بالتحرك وضبط المركب ومن عليه”.
وقد وصف العمل بأنه “جزء من الكذب وتزوير التاريخ والحقائق التي يصنعها العسكر من أجل تضليل الناس، والحقيقة أني حضرت أيضًا اجتماعًا مع الرئيس مرسي في أول أيام الاعتصام في قصر القبة، وقد أكّد حينها الرئيس على ضرورة عدم الانجرار للعنف تحت أي ظرف أو سبب”.
أما الفنان المصري المعارض هشام عبد الله، المقيم خارج بلاده، فيعيد التأكيد مرة أخرى على أن “المخابرات المصرية دائمًا تسعى إلى ترسيخ الأحداث في ذهن المواطن والمشاهد المصري، سواء الزائفة أم الحقيقية، من خلال الأعمال الدرامية سواء أفلام سينمائية أم مسلسلات رمضانية، لأنها تخاطب الوجدان ويبقى أثرها لسنوات طويلة”.
كما لفت إلى أن “نظام السيسي الآن يقوم على الصورة، وهكذا تفعل المخابرات المصرية، الاهتمام بصناعة الدراما والسينما والإعلام من خلال التحكم في الفن وشركات الإنتاج وتسخير كل الأدوات والأساليب من أجل تبرير جرائم النظام وتزييف الحقائق، وهو ما أحاول إثباته في برنامجي الرمضاني لكشف هذا التزوير والتدليس”.
توثيق المجزرة دراميًّا.. ما المانع؟
طالب الفنان المصري، الذي وصفَ ما حدث بـ”المجزرة الوحشية”، بضرورة المقاومة بالأسلحة نفسها التي يستخدمها النظام المصري، خاصة أن تأثيرها مضمون ويتناسب بصورة كبيرة مع العقلية المصرية.
حيث قال: “دعوت مرارًا لتوثيق مجزرة رابعة من خلال عمل درامي محترف على مستوى عالمي يطوف العالم ويكشف حقيقة ما جرى، لكن لم تجد للأسف أذنًا صاغية، وبدلًا من ذلك تلقفتها السلطات المصرية وصنعت محتوى معاكسًا تمامًا”.
على مدار السنوات الثلاثة الماضية، كثّفت السلطات المصرية بأجهزتها السيادية المختلفة من جهودها لإنتاج العديد من الأعمال الفنية والدرامية، التي تسوِّق لأجندة النظام وتفنِّد أي اتهامات يواجهها في محاولة لغسل سمعته داخليًّا، والتنصُّل من موجات الانتقادات الحقوقية التي يتعرض لها ليل نهار.
أنفقت الدولة مئات الملايين من الدولارات من أجل إنتاج تلك الأعمال، فيما سخّرت القوات المسلحة والشرطة وأجهزة الإعلام كل إمكاناتها لخدمة هذا المشروع القومي، لتبييض الصورة وتنقيتها من الشوائب التي خلّفتها الجرائم والانتهاكات المرتكَبة منذ عام 2013 وحتى اليوم.
وبعد مرو 8 سنوات على المذبحة، وفي ظلّ الخطة الدرامية السلطوية لتعزيز وجهة النظر الرسمية، يبقى السؤال: لماذا لا يقدِّم المعارضون للانقلاب عملًا فنيًّا دراميًّا يوثِّقون من خلاله هذا الحدث الأكثر وحشية في تاريخ مصر، لا سيما في وجود كثير من الشهود الأحياء على مئات القصص الواقعية من داخل المذبحة؟
الحديث عن قدرة مطلقة لمثل تلك الأعمال الدرامية -مهما كانت ضخامة إنتاجها والترويج لها- في محو الذاكرة المجتمعية الخاصة بتفاصيل تلك المذبحة الدموية، حديث يفتقد للمنطق والواقعية معًا.
كثير من الفنانيين المصريين ممن كانوا نجومًا في السابق، انضموا إلى الفريق المعارض للنظام الحالي، لماذا لا يتوحّدون فيما بينهم على تقديم عمل مضاد يجهض تلك الأكاذيب المقدَّمة عبر الدراما السلطوية؟ ربما تكون الإجابة غياب الدعم وعدم وجود الميزانيات الكافية لإنتاج عمل موازٍ، خاصة أن هذه الخطوة تحتاج إلى ميزانيات ضخمة.
وفي المقابل كرّس النظام كل جهده وماله لهذا الملف الحيوي بالنسبة إليه، مستعينًا بجيش كامل من الفنانين وكتّاب السيناريو والمخرجين، تحت مراقبة الجنرالات، حتى يخرج المنتَج النهائي الدرامي حسب رؤيته، بجانب توافر أماكن التصوير الحية والمعدات المتطوِّرة وتهيئة المناخ الكامل لإنتاج عمل قوي، وهو ما لم يتوافر لجبهة المعارضة.
لكن من ناحية أخرى لا يمكن إنكار وجود الكثير من المناهضين للانقلاب من أصحاب الأموال والمشروعات الناجحة، بينهم فنانون وكتّاب ومثقفون ومؤرِّخون، يمكنهم إنتاج عمل قوي قادر على المنافسة وتقديم الحقائق دون تزييف، مع الوضع في الاعتبار أن النسبة الأكبر من تمويل تلك المسلسلات والأفلام تذهب في صورة أجور للفنانين والمخرجين، وهو ما يمكن الاستعاضة عنه عند إنتاج عمل درامي يوثِّق المجزرة ويجسِّد تفاصيلها للعالم.
ورغم ترجيح جزئية الدعم والتمويل والميزانيات المطلوبة لكفّة سلطات الانقلاب، فإن المعارضة تمتلكُ أدوات ربما تثقل كفتها مستقبلًا، أهمها التوثيق العلمي الممنهَج لتفاصيل تلك المذبحة، وإيمان المنظمات الحقوقية الدولية بوحشية الجريمة وإدانتها الكاملة لها، واستعدادها المطلَق للوصول إلى أقصى محطة ممكنة لمحاكمة المتورِّطين في تلك المذبحة.
ومن أبرز التقارير التي وثقت مذبحة رابعة من خلال شهود عيان، وموادّ مصوَّرة من داخل الميدان، تقرير “هيومن رايتس ووتش” الصادر بعد عام على المذبحة في أغسطس/ آب 2014، فقد وثقت المنظمة تفاصيل ما جرى في ذلك اليوم وما سبقه منذ 3 من يوليو/تموز، حيث انقلب الجيش على الرئيس المدني ونصّب رئيسًا مؤقتًا.
التقرير فضحَ تورُّط الجيش المصري بالمذبحة، كما وثّق تعمُّد قوات الأمن استهداف المستشفيات الميدانية، بجانب تقديمه للعديد من الأدلة القوية التي تشير إلى تعمُّد قوات الأمن المصرية إشعال الحرائق في منصة رابعة والمستشفى الميداني ومسجد رابعة بعيد السيطرة على مكان الاعتصام، وهو ما يفنِّد شكلًا ومضمونًا ما تناولته الدراما السلطوية الرسمية.
هل تنجح الدراما في تصفير ذاكرة المذبحة؟
الحديث عن قدرة مطلقة لمثل تلك الأعمال الدرامية -مهما كانت ضخامة إنتاجها والترويج لها- في محو الذاكرة المجتمعية الخاصة بتفاصيل تلك المذبحة الدموية، حديث يفتقد للمنطق والواقعية معًا، لا سيما أن التجارب السابقة لم يكتَب لها النجاح في مثل هذه الملفات الحساسة، التي ترتبط بوقائع وأحداث لا تزال عالقة في مخيلة المشاركين فيها والمتابعين لها.
ورغم الجهود المتواصلة والتجييش المستمر طيلة 7 سنوات مضت، لتفتيت لُحمة الفريق المناهض للانقلاب والمؤيّد لوحشية المذبحة والمُطالب بضرورة محاكمة المتورِّطين فيها، باءت جميعها بالفشل، فالواقعة لم يمرَّ عليها الوقت الكافي للنسيان، كما أن أثارها لا تزال ممتدة حتى اليوم، بعض المشاركين تحت التراب وآخرين في السجون وثالثًا في المنفى، وسط معاناة مستمرة لذوي الضحايا ومعارفهم، ما يجعل من طمس الحقيقية في هذا الملف تحديدًا حرثًا في الماء.
السياسي والبرلماني المصري، محمد عماد صابر، يعتبر أن إنتاج أعمال فنية من هذا القبيل “تذليل وتسخير الدراما المصرية لدعم السيسي حتى لو كان على حساب المزيد من الانقسام وتقسيم المجتمع المصري”، منتقدًا عبر حسابه على فيسبوك “نكئ الجراح باستدعاء المجازر والمذابح التي وقعت بعد الانقلاب العسكري من أجل تبييض وجه السيسي”.
أما الناشط أحمد العربي، ففي تغريدة له على توتير استبعد قدرة تلك الأعمال على طمس الحقائق وتزييف ما حدث في المذبحة، التي لا تزال حاضرة وبقوة في مخيلة الكثيرين، قائلًا: “الأيادي التي قتلت الناس في مجزرة رابعة لن يغسل عارها مسلسل مخابراتي مزيف”.
يرى البعض ضرورة اعتماد مسارات جديدة وعملية لإحياء ذكرى الفض، تتوافق والمستجدات الأخيرة، بما يساعد في فضح كذب المتورِّطين في تلك المذبحة والكشف عن مسوّغات تقديمهم لمنصات المحاكم الدولية.
الذكرى الثامنة.. مسارات أخرى لإحياء القضية
إن كانت الوقفات الاحتجاجية التي تدشّنها المعارضة إحياءً لذكرى المذبحة، نجحت في السابق في التعريف بالجريمة دوليًّا، إلا أنها اليوم ما عادت تجدي نفعًا، لا سيما مع تراجُع الزخم الإعلامي والشعبي لها في ظل القبضة الحديدية التي يهيمن بها النظام على المعارضة، من هم في الداخل عبر الاعتقالات والملاحقات الأمنية، أو من في الخارج من خلال ابتزازهم بأهاليهم وذويهم المقيمين بالقطر المصري.
وعليه يرى البعض ضرورة اعتماد مسارات جديدة وعملية لإحياء ذكرى الفض، تتوافق والمستجدات الأخيرة، بما يساعد في فضح كذب المتورِّطين في تلك المذبحة والكشف عن مسوّغات تقديمهم لمنصات المحاكم الدولية، ومن أبرز تلك المسارات التوثيق الدقيق وجمع الأدلة عن كل من أمر ودبّر ونفّذ الجرائم في رابعة وغيرها، كما ذهبت رئيسة المجلس الثوري المصري، مها عزام.
وتؤمن المعارضة المصرية بسقوط النظام الحالي يومًا ما، وتقديم رموزه للمحاكمة جراء ما ارتكبوه من جرائم بحق هذا الشعب، ضاربة المثال بمتابعة النازيين طوال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ومعاقبتهم، حسبما أشارت في حديثها لـ”الجزيرة“.
أما منسّق الائتلاف العالمي للمصريين بالخارج، مصطفى إبراهيم، فلفت إلى مسارات ثلاث يجب اتباعها لملاحقة المتورِّطين في الجريمة قضائيًّا، أولها: التوثيق العلمي المحكم لكل الانتهاكات التي تمّت، ثانيًّا: محاولة إيجاد مؤيّدين للملاحقة الدولية لمرتكبي المذبحة في المنظمات الدولية، ويعتمد هذا المسار الثاني بصورة كبيرة على الأول.
أما المسار الثالث فيتعلق بوجوب تحرك منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج، والبحث عن كل الثغرات الممكنة لتسليط الضوء على تلك الجرائم بين الحين والآخر، لإبقائها حية لدى المواطن المصري رغم محاولات التهميش والطمس الممنهجة، مؤكّدًا أن “رابعة مجزرة لا تسقط بالتقادم، ولا بد من ملاحقة مرتكبيها رغم غياب منظومة العدالة الدولية”.
“التاريخ يكتبه المنتصرون”، كذا قالوا، ويحدث هذا فقط حين يستسلم أصحاب القضية والضحايا ويرضخون سامحين لسردية المنتصر الهزيلة أن تترسخ في وعي الأجيال دون مواجهتها بسردية أو سرديات حقيقية تنصف الحقيقية والتاريخ وتسهم بتحقيق العدالة وجبر الخاطر.