ترجمة وتحرير: نون بوست
لم تبدأ الفكرة الجديدة الأكثر رواجا هذه السنة في البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في وادي السيليكون بل في إسطنبول. ضخ المستثمرون التقنيون مليارات الدولارات في الشركات الناشئة التي تقوم بتوصيل البقالة في 10 دقائق فقط، وتبلغ قيمة رائدها، “غيتير”، الآن 7.5 مليار دولار. ولكن في سنة 2018، لم يرد أي أصحاب رؤوس أموال على مكالمات الشركة التركية الناشئة، وذلك وفقا لما ذكره أحد مؤسسي شركة “غيتير”، ناظم سالور.
قال سالور: “التمويل المناسب لم يكن موجودا”، مما دفعه إلى تأخير طموحاته في إطلاق “غيتير” في الخارج لما يقرب من ثلاث سنوات. “أردت الدخول بقوة والفوز في أسواق جديدة. هذا يحتاج إلى موارد، بشرية ومالية على حد سواء”.
يعد التحول في ثروات “غيتير” خلال السنة الماضية جزءا من تحول كبير في صناعة التكنولوجيا في تركيا. منذ الصيف الماضي، شهدت شركات التكنولوجيا التركية، بما في ذلك منصات التجارة الإلكترونية “ترينديول” و”هبسي بوردا” ومطوري الألعاب “بيك غايمز” و”دريم غايمز”، ارتفاعا في التقييمات الخاصة بهم فوق علامة المليار دولار التي يُنظر إليها على أنها علامة عالمية لنجاح الشركات الناشئة.
ذكر هانزاد دوغان، مؤسس منصة “هبسي بوردا”، التي تقدر قيمتها الآن بحوالي 4.4 مليار دولار بعد طرح عام أولي في ناسداك الشهر الماضي أن “سوق التجارة الإلكترونية التركي يشهد منعطفا مهما”.
تشير التقديرات إلى أن تغلغل التجارة الإلكترونية في تركيا قد ارتفع من 3.5 بالمئة قبل ثلاث سنوات إلى حوالي 10 بالمئة اليوم، مدفوعا في جزء كبير منه بالتأثير الوبائي الذي أدى إلى زيادة معدلات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
قالت ميليس كاهيا أكار، المديرة العامة في شركة جنرال أتلانتيك، التي قادت حملة تمويل منصة “ترينديول” البالغة 1.5 مليار دولار مع شركة “سوفت بانك” هذا الأسبوع: “لقد أحدث وباء فيروس كورونا تغيرا جذريا. كل الشروط باتت متوفرة لكي تبدأ الشركات التركية في التفكير بشكل عالمي أكثر”.
ولكن في حين أن فورة الاستثمار قد أدت إلى صعود تركيا إلى جانب مجموعات التكنولوجيا الأوروبية الأخرى مثل لندن وباريس وبرلين، فإن نجاحها الجديد كان في طور الإعداد منذ سنوات عديدة.
من جهته، بيّن هندريك براندس، مستثمر تقني في شركة “إيرلي بيرد”، ذات صندوق تمويل مخصص لأوروبا الوسطى والشرقية أن “النشاط بدأ قبل 10 سنوات، عندما كان من الممكن ملاحظة نشأة أمر ما”. بدأت شركة “ترينديول”، التي تقدر قيمتها الآن بحوالي 16.5 مليار دولار والمملوكة بشكل كبير من قبل شركة “علي بابا”، كشركة بيع بالتجزئة للأزياء عبر الإنترنت سنة 2010 قبل التوسع لتشمل خدمات توصيل الطعام وإطلاق محفظة رقمية. وقال دوغان إن منصة “هبسي بوردا”، التي يُنظر إليها أحيانا على أنها رد تركيا على أمازون، تأسست سنة 2000 وهي ممولة ذاتيا إلى حد كبير. وأضاف: “نحن نتمتع بكفاءة عالية في رأس المال”.
تمكن تجار التجزئة المحليون عبر الإنترنت من الازدهار جزئيا لأن الأطراف الفاعلة العالمية مثل “أمازون” و”إيباي” كافحت لتحقيق نجاحات في البلاد. فقدت بايبال رخصة المدفوعات التركية سنة 2016، في الوقت الذي كان فيه الرئيس رجب طيب أردوغان يقوم أيضا بقمع مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك. وقالت كاهيا أكار: “بعض التقلبات لم تكن جذابة بشكل عام لمجتمع المستثمرين. كنت أتوقع أن يكون التحول الرقمي أسرع قليلا”.
نتيجة لذلك، ازدهرت الشركات المحلية، لتنمو لاحقا بشكل كبير بما يكفي لجذب الاهتمام الدولي. حيث أكدت دوغان: “لم نسمح للسوق [بالذهاب] إلى المشتبه بهم المعتادين”.
في الوقت الحالي، يسعى العديد من المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا في تركيا لاكتساب الخبرات من واحدة من شركتين، وهما: “روكيت إنترنت”، وهي حاضنة ألمانية للشركات الناشئة أُطلقت في تركيا في سنة 2011 ثم انسحبت فجأة من السوق بعد مرور سنة؛ و”بيك غيمز”، وهي شركة تطوير ألعاب هواتف محمولة تأسست في 2010، ثم استحوذت عليها شركة “زينغا” السنة الماضية مقابل مبلغ مقداره 1.8 مليار دولار.
فيما سبق، عمل أكين بابايغيت لصالح كل من “روكيت إنترنت” و”بيك غيمز”، وهو الآن مؤسس مشارك لشركة ألعاب مقرها لندن باسم “تربل دوت ستوديوز”. وقال بابايغيت: “انتهى الأمر بالكثير من الأشخاص الأذكياء والتواقين والمحللين البارعين الذين وظفناهم في روكيت للانضمام إما إلى “ترينديول” أو بيك”، مضيفا أن الشركتين التركيتين أصبحتا بمثابة “جامعات” للمواهب التقنية.
أوضح باباييغيت أن نجاح بيك بالأخص تسبب في “تغيير كل شيء” في النظام الإيكولوجي للشركات الناشئة في تركيا، حيث أصبحت الألعاب التي وقع تطويرها في تركيا بين أيدي ملايين الأطراف الفاعلة من جميع أنحاء العالم. حتى ذلك الحين، كانت العديد من الشركات التركية “عالقة في سوق داخلي شاسع جدا” لدرجة أنها لم تكن بحاجة إلى القلق إزاء مسألة التوسع الدولي. وأشار إلى أن: “بيك غيمس بيّنت للناس أنه من الممكن التفكير على الصعيد العالمي وتحقيق المكاسب أيضا”.
منذ أول صفقاتها في تركيا في سنة 2017، استثمرت “زينغا”، ومقرها سان فرانسيسكو الآن، ما يزيد عن 2.3 مليار دولار في أربع عمليات استحواذ على شركات في البلاد، بما في ذلك شركة “روليك غيمز”، وهي إحدى المطورين العديدين المختصين في الألعاب بنمط “هايبر كاجوال” في المنطقة.
في هذا الشأن، قال برنارد كيم، المدير التنفيذي لشركة “زينغا” الذي قاد تلك الصفقات: “أعتقد أن زينغا كانت تمثل نقطة انطلاق لأي شركة أجنبية تنخرط في الاستثمار” في تركيا. وأضاف أنه معجب بـ “الطاقة التنافسية المتأصلة” في البلاد، مشيرا إلى أن “الجميع يتطلع لدخول تصنيفات [متجر التطبيقات]، وكلهم يأملون بالفوز”.
من بين الخريجين الآخرين “لمدارس” روكيت وبيك وترنديول للشركات الناشئة، شارك سونر أيديمير في تأسيس شركة “دريم غيمز” في سنة 2019، حيث أصبحت شركته التي طورت تطبيق الألغاز “رويال ماتش” أحدث شركة تركية تحصل على لقب “يونيكورن” الذي يشير إلى شركة ناشئة خاصة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، وذلك في حزيران/ يونيو.
بصدد ذلك، قال أيديمير إن “جمع الأموال كان سهلا للغاية”، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى فريقه الذي سبق وأن طور لعبتي “توي بلاست” و”تون بلاست” الناجحتين تحت مظلة بيك. وزعم أن “الجميع أراد الاستثمار في شركتنا” بسبب ذلك.
من جهة أخرى، قال ستيفان كورغان، رئيس العمليات السابق في شركة “كينغ”، المسؤولة عن تطوير لعبة “كاندي كراش”، وهو الآن شريك في “إندكس فنتشورز”، وهي شركة رأس المال الاستثماري التي دعمت “دريم غيمز”: “أصبح لدينا مجتمع من مطوري الألعاب في تركيا من الطراز العالمي الآن”.
ومع ذلك، ما زالت المخاوف تنتاب أيديمير بشأن القيود التي تواجه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا التركي، بدءًا من نقص الخبرة في تطوير المنتجات إلى قلة النماذج التي يحتذى بها لتوسيع نطاق الأعمال بسرعة. وأضاف أنه “قطاع حديث للغاية. بخلاف ‘غيتر’، فإننا لا نرى أي شركة كبيرة قد نجحت في التطور تدريجيا في تركيا”
يشتكي رواد الأعمال الآخرون من أمور مثل البيروقراطية المفرطة، والتي تعني أن إنشاء شركة جديدة قد يستغرق حوالي ستة أشهر، ومن النظام الضريبي المعقد، بما في ذلك ضريبة الخدمات الرقمية الجديدة التي يمكن أن تضرب “نرينديول” بنفس القوة التي تضرب بها أمازون.
من شركة “غيتر”، قال سالور إنه “تفاجئ” من أن إسطنبول لم تحقق المزيد من النجاحات التقنية، نظرًا لكونها “مدينة دولية حقيقية”، وألقى باللوم في ذلك على بعض الشركات التي “تسرعت في بيع نفسها لشركات التكنولوجيا الكبرى”. وأضاف أن “بناء الشركات العظيمة يتطلب أكثر من 10 سنوات. إن السنوات العشر الأولى بمثابة تعليمك الابتدائي. عليك أن تضع في اعتبارك إطارًا زمنيًا مدته 20 سنة”.
المصدر: فايننشال تايمز