بعد دمشق حطت طائرة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في مطار حلب الدولي بشكل غير معلن أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، والتقى قاليباف عددًا كبيرًا من قادة المليشيات الإيرانية المحلية والأجنبية العاملة في الشمال السوري، وزار أهم نقاط تمركز المليشيات والحرس الثوري الإيراني في قلب المدينة وريفها، ووعد المليشيات بزيادة الدعم المالي والتقني لمساعدتها في ضم المزيد من العناصر والعمل على تحقيق انتشار أوسع يسهم في توسع النفوذ الإيراني في مختلف القطاعات الحيوية شمالي سوريا.
قاليباف في حلب
كان في استقبال رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في مطار حلب الدولي يوم 31 من يوليو/تموز عدد من أهم قادة المليشيات الإيرانية في حلب، بينهم الحاج خالد المرعي زعيم مليشيا “لواء الباقر”، وزعيم مليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” الحاج محسن، ومسؤول قطاع حلب في “لواء فاطميون الأفغاني”، ومسؤول قطاع حلب في مليشيا “حزب الله اللبناني”، وقادة في مليشيا “نبل والزهراء” وقادة في المليشيات الإيرانية المنتشرة في قطاعات جنوبي الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى حضور عدد من جنرالات الحرس الثوري في قاعدة جبل عزان بريف حلب الجنوبي.
قالت مصادر محلية متطابقة في حلب لـ”نون بوست” إن قاليباف عقد اجتماعًا موسعًا مع قادة المليشيات في مطار النيرب العسكري المجاور لمطار حلب المدني ومن ثم زار مقر القنصلية الإيرانية التي تم افتتاحها حديثًا على أطراف حي الزبدية وسط المدينة، وزار جامع النقطة (جامع مشهد) القريب من مقر القنصلية، ودُعي قاليباف إلى وليمة عشاء رفقة حشد كبير من قادة المليشيات الإيرانية والحرس الثوري في مقر لواء الباقر في حي البلورة معقل اللواء في الأحياء الشرقية بحلب.
مليشيا “لواء الباقر” روجت محليًا في مناطق نفوذها بالأحياء الشرقية بحلب لزيارة قاليباف، وقالت إن الاجتماع يأتي في إطار دعم جبهة المقاومة في حلب، فقد قال شعبان باقر علوش – أحد قادة اللواء – على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “باسم قبيلة السادة البكارة ولواء الإمام الباقر نتشرف بزيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف والوفد المرافق له إلى باقر أبو حسين مسؤول لواء الإمام الباقر في سوريا، وتم التأكيد خلال الزيارة أن سوريا وبقيادتها الحكيمة وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد ستكون في بر الأمان من أيادي الإرهاب التي تمس سوريا، وأن موقف إيران الداعم لسوريا مستمر لتطهير سوريا بأكملها من دنس الإرهاب”.
كما تفقد قاليباف مواقع المليشيات الإيرانية التي استهدفتها الغارات الجوية الإسرائيلية في شهر يوليو/تموز الماضي في منطقة مطار حلب، والبحوث العلمية القريبة من معامل الدفاع في منطقة السفيرة جنوبي المدينة، وزار أيضًا قاعدة جبل عزان إلى الجنوب الشرقي من معامل الدفاع، التي تعتبر من أكبر قواعد الحرس الثوري في الشمال السوري.
قاليباف يعد بزيادة الدعم
قدم عدد من قادة المليشيات المدعومة من إيران خلال لقائهم برئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف شرحًا مفصلًا عن الانتشار العسكري في حلب ومحيط إدلب ومناطق جنوبي الفرات في دير الزور والرقة، وعن آخر تطورات العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتحدث زعيم “لواء الباقر” خالد المرعي عن إنجازات تشكيله منذ تأسيسه أواخر عام 2012، وتطوره النوعي خلال السنوات التالية للتأسيس، وذلك من ناحية الزيادة الكبيرة في الأعداد التي وصلت إلى 6 آلاف مقاتل والانتشار الواسع والعدد الكبير لنقاط التمركز ومعسكرات التدريب، ومن ناحية الاختصاصات المتنوعة التي بات التشكيل يتميز بها.
تتقاسم ثلاثة تشكيلات مدعومة من إيران النفوذ وجغرافية الانتشار العسكري في محافظة حلب وصولًا إلى ريف الرقة الجنوبي، وهي “لواء الباقر” و”فيلق المدافعين عن حلب” و”حزب الله اللبناني” المسؤول من ناحيتي التدريب وإدارة الانتشار والعمليات عن مجموعة من المليشيات الصغيرة التي تضم في معظمها عناصر تنحدر من بلدتي نبل والزهراء شمالي حلب وعناصر مهجرة من بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب وهم الآن يتوزعون على عدد من أحياء حلب الشرقية، وتأتي “فاطميون الأفغانية” و”زينبيون الباكستانية” في الدرجة الثانية من ناحية كثافة الانتشار في حلب.
تحاول مليشيا “لواء الباقر” توسيع نفوذها في حلب وخارجها وتحديدًا في محافظتي الرقة ودير الزور، وتطمح لأن تحصل على مزيد من الدعم المالي واللوجستي لتحقيق الغاية المفترضة، ويبدو أن قاليباف يدعم هذا التوجه على اعتبار أن تجربة دعم المليشيات العشائرية كانت من أنجح التجارب لإيران خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب قدرتها على تجنيد المتطوعين والتوسع في الأوساط المحلية العشائرية والمدنية وأي توسع مفترض للمليشيات تعتبره إيران توسعًا لنفوذها.
يبدو أن القنصلية الإيرانية في حلب تدعم طموحات “لواء الباقر” وزعيمه خالد المرعي الذي يفضل أن يطلق عليه لقب “الحاج باقر”، فقد سبق أن زار القنصل بداية يوليو/تموز الماضي قرية تركان جنوبي حلب والتقى بمختار القرية وشيخ البكارة فيها، الشيخ سامي الحمادين، وهو خال الحاج باقر زعيم مليشيا “لواء الباقر”، ويعتبر الأخير خاله الحمادين المرجع العشائري للبكارة في حلب.
صور من اجتماع قالبيباف مع قادة المليشيات الإيرانية في حلب
يرى الباحث في مركز جسور للدراسات محمد السكري أن “التحركات الإيرانية الأخيرة تندرج ضمن خريطة الصراع على المكاسب وتثبيتها بين الجانبين الإيراني والروسي، ففي أثناء انشغال الجانب الروسي بأحداث محافظة درعا وعرقلته المساعي الايرانية في بسط السيطرة على درعا البلد، تركز إيران على قوننة وتنظيم وجودها في حلب بشكل مستدام لا سيما بعد أن افتتحت قنصلية لها في المدينة في إشارة إلى أن حلب تخضع للنفوذ الإيراني، بعدما فرضت روسيا هيمنتها على الجنوب السوري”.
وأضاف السكري خلال حديثه لـ”نون بوست”: “ربما لن يكون بمقدور إيران فرض رؤيتها وتطبيقها دون تشكيل حوامل اجتماعية عشائرية وعسكرية لها في المحافظة كلواء الباقر، كما فعلت روسيا في الجنوب، الذي قد يلعب دورًا في دعم الرؤية الإيرانية إذ حول اللواء حي البلورة في وقت سابق إلى منطقة إيرانية تكتظ برموز دينية شيعية وطائفية، وثكنات عسكرية ما يجعله خيارًا مناسبًا لطهران”.
وتابع “تخشى إيران في ظل المطامع التركية المتزايدة من شن عمليات عسكرية بالقرب من شمال حلب رغم صعوبة حصول ذلك، لكن هذا لا ينفي التخوف والارتباك لديها، ما يدفعها بشكل مستمر لرفع مستوى الجاهزية وتأمين وتنظيم وجودها، بالعموم يُمكن القول إن الخريطة العسكرية في سوريا ذاهبة إلى تجميد النزاع وعلى هذا الأساس تسرع الأطراف في حصد المكاسب أو تثبيتها”.
تعبر زيارة قاليباف عن الاهتمام الإيراني المتزايد بمناطق شمال سوريا، وسعيها إلى تكثيف انتشار المليشيات التي تدعمها في المنطقة وتثبيت وجودها عبر قوى محلية وعشائرية ليكون وجودًا طويل الأمد لا يتأثر بأي تغيرات جيوسياسية محتملة الوقوع.
وترجع الأهمية المفترضة لمناطق شمال سوريا إلى عدة عوامل، أهمها وقوعها على تخوم جيب المعارضة السورية الأخير في حلب وإدلب، الذي توجد فيها تركيا بقوة، كما أن المنطقة المحاذية للضفة اليمنى لنهر الفرات تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لإيران لوقوعها وبخط طويل بمحاذاة مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أي من المهم لإيران البقاء على تماس مباشر مع مناطق يتمركز فيها الأمريكيون في سوريا، بالإضافة للاتصال البري السهل الذي يؤمن تدفقًًا سلسًا للدعم، عتاد وأعداد في الخط البري العراق – دير الزور – الرقة – حلب، والتمركز الآمن نسبيًا مقارنة بالمناطق القريبة من “إسرائيل” جنوبي سوريا التي تتعرض للاستهداف بشكل مضاعف.