بالجرافات والديناميت، بدأ الجيش المصري الأربعاء الماضي في هدم مئات المنازل وتشريد الآلاف من المصريين على طول الحدود مع قطاع غزة في محاولة يائسة لإنشاء منطقة عازلة يأمل المسؤولون في مصر أن توقف تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود.
عمليات الهدم، والتي جالت خلال أحياء مزدحمة في مدينة رفح الحدودية، بدأت مع أوامر بإخلاء صدرت يوم الثلاثاء، وكانت جزءا من حملة أمنية واسعة النطاق أعلنها عبدالفتاح السيسي ردا على عملية دموية ضد عناصر من الجيش المصري في سيناء، أسفرت عن مقتل 31 جنديا على الأقل.
كان هذا هو الهجوم الأكثر دموية ضد الجيش المصري منذ سنوات، ومن الممكن اعتباره ضربة للحكومة التي ادعت أنها تكسب المعركة ضد المسلحين في سيناء. اللجوء إلى أسلوب مكافحة التمرد بهذه الحدة -عبر تدمير ما لا يقل عن 800 منزل وتشريد أكثر من 10 آلاف شخص للقضاء على “البؤر الإرهابية”، كما قال المتحدث باسم السيسي، يعكس الصعوبات التي يواجهها الجيش المصري في هزيمة المسلحين، كما سيزيد من غضب الأهالي الذين ستثيرهم عمليات الهدم التي بدأت يوم الأربعاء.
“منزلنا في رفح عمره أكثر من 60 عاما” هكذا قال همام الأغا على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أخبره ضابط بالجيش أن عليه إخلاء المنزل وعندما رفض الأغا قال له الضابط “إذن سنقصف البيت في الغد وأنتم داخله”.
مصطفى سنجر، وهو صحفي يقيم في سيناء، كان قرب الحدود يوم الأربعاء يقول إنه عندما كان السكان يجتمعون بالمسؤولين في الأسابيع الأخيرة لمناقشة التعويضات الممكنة، أُخذ الناس على حين غرة بالقرار الذي صدر يوم الثلاثاء ووصل للأهالي عبر مكبرات الصوت.
إخلاء الحدود يشير إلى عزم متزايد لتوسيع نطاق سلطات أجهزة الأمن في جميع أنحاء مصر كما تقول الحكومة، لكن أيضا لسحق المعارضة السلمية المتزايدة، وهذا ما يقوله الحقوقيون. وللحكومة المصرية باع في ذلك، عبر استخدام القوة المفرطة لمواجهة ما تعتبره تهديدا لوجودها في مصر، هذا حدث مع المتشددين الإسلاميين أو حتى مع مظاهرات الآلاف أثناء وعقب الانقلاب على محمد مرسي.
التدابير الأخيرة بما في ذلك حملة السلطات ضد طلاب الجامعات والمرسوم الرئاسي الذي صدر الاثنين ووضع المرافق العامة مثل محطات الكهرباء والطرق تحت حماية الجيش، “أكدت القناعة التي وصلنا إليها منذ أشهر” كما قال جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان متابعا “مصر ترسخ حكم الشرطة والجيش”.
المرسوم الذي صدر في الوقت الذي لا يوجد فيه برلمان في مصر، ينص على أن الأشخاص الذين يرتكبون جرائم ضد المرافق العامة سيخضعون للمحاكمة العسكرية، وهو ما يمكن أن يُستغل ضد المحتجين الذين يسيرون في الطرق العامة.
يقول الحقوقيون إن ذلك ليس فقط انتهاكا للدستور، لكنه أيضا غير مهم! حيث أن المحاكم المدنية على أتم استعداد لإدانة المسلحين والمعارضين للحكومة. في حين يقول المسؤولون إن القرار ضروري لمحاربة الإرهاب.
لكن، حتى مع توسيع الصلاحيات الأمنية، لم تستطع السلطات احتواء التمرد الذي تصاعد منذ العام الماضي بعد الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، والذي أودى بحياة المئات من الضباط والجنود وغيرهم من عناصر الأمن.
ينشط المسلحون في سيناء، إذ حولوا مساحة ممتدة من المدن و القرى إلى منطقة لا يمكن أن تذهب إليها السلطات، بل وأقاموا نقاط التفتيش الخاصة بهم. قاموا أيضا بتفجيرات في العاصمة، في حين تظهر عليهم علامات التطور المتزايد، فقد قيل أن الهجوم الأخير تم تنفيذه على مرحلتين، حيث استهدف المسلحون الجنود بعد أن نفذوا انفجارا أول.
وبعد ذلك، أعلنت السلطات حالة الطوارئ وأغلقت المعبر الحدودي بين قطاع غزة ومصر، حيث يحصل المتشددون على الدعم كما تقول السلطات المصرية. المسؤولون قالوا إن المنطقة العازلة ستمتد ل500 ياردة داخل الأراضي المصرية.
سينتظر الجميع ليعلم ما إذا كانت المنطقة العازلة ستكون ذات أي تأثير على نشاط المسلحين، بالنظر إلى الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية على مدار العام الماضي عبر الحد بشدة من حركة المرور عبر الحدود وهدم أنفاق التهريب.
كثيرا ما اتهم المصريون نشطاء فلسطينيين بشن هجمات في مصر، وهذا ما يعكس الكره العميق من الحكومة تجاه حركة المقاومة الإسلامية حماس، الحركة المهيمنة على قطاع غزة، وحلفاء مرسي.
لكن بينما كان المسؤولون ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة المصرية تهاجم الفلسطينيين بضراوة، لم تقدم النيابة العامة أدلة على تورط فلسطينيين في الهجمات. وبينما يرى المراقبون بعض الصلات بين المسلحين في سيناء وبين بعض الحركات في فلسطين، إلا أنهم يقولون إن المسلحين أكثر قدرة على تلقي الأسلحة من طرق أسهل، بما في ذلك الحدود الطويلة مع ليبيا.
إخلاء رفح ينسجم مع النمط المصري في الرد والذي يفضل القوة الساحقة ضد التهديدات المحتملة. كما يقول آرون ريس، نائب مدير الأبحاث بمعهد دراسة الحرب في واشنطن والذي شارك في كتابة بحث حديث عن المسلحين في مصر.
يؤكد ريس أن “الجيش المصري ليس مهتما بالاستمرار في حرب الشوارع” لكن “بدلا من ذلك، هم يردون على المسلحين بالدبابات والطائرات، في مناطق سكنية يستحيل فيها تمييز المسلحين المختلطين بالسكان المحليين.” وأضاف “سينتهي الأمر بالجيش إلى نتائج عكسية على المدى الطويل، فلا يمكنك أن تجرف الأرض وتهدم المنزل ثم تقنع أهله بالعمل معك!”
ذلك النهج خطير للغاية، خاصة في سيناء، فهي المنطقة التي هُمشت طويلا من قبل القيادة المصرية، وكان المقيمون فيها يعيشون لسنوات طويلة تحت اليد الثقيلة لقوات الأمن. قالت الحكومة إنها ستدفع تعويضات للنازحين وستساعد في نقلهم، وقال المتحدث باسم السيسي إن السكان سيحتفظون بكامل حقوقهم.
الأربعاء، شوهدت عائلات تسافر في شاحنة محملة بالأثاث بعيدا عن الحدود. “هناك صعوبة والتباس وضيق في الوقت لتوفير أماكن بديلة للانتقال” كما يقول سنجر.
محمود الأخرسي، الذي يقطن على بعد 100 قدم خارج المنطقة العازلة، قال إن المسؤولين عوضوا السكان الذين هدمت منازلهم بسرعة.
ومع ذلك يقول “السكان غاضبون”. فأبعد أماكن المنطقة العازلة تقطع وسط رفح وسوقها، يُهجر الناس، الأصدقاء بعيدا عن أصدقائهم، وتُفصل العائلات عن بعضها، حتى الذين أبقوا على منازلهم غاضبون مما حدث.
لكنه قال إن بعض جيرانه الذين تم إخلاؤهم أبدوا استسلاما لمصيرهم “يقولون إنها مسألة تتعلق بالأمن القومي علينا أن نقبل ذلك. ثم ما الذي يمكننا أن نفعله؟!”.
المصدر: نيويورك تايمز / ترجمة عربي 21