ترجمة وتحرير نون بوست
بصفتي امرأة مسلمة وناشطة نسوية، أشعر بالسعادة والاستغراب من الدعم الكبير الذي حظي به منتخب الجمباز النسائي الألماني في أولمبياد طوكيو. بدلا من الزي المعتاد في رياضة الجمباز، أي البيكيني، اختارت لاعبات الفريق الألماني ملابس تغطي معظم الجسم وتحدثن بثقة عن محاولة إصلاح المنظور الجنساني في هذه الرياضة على مستوى العالم، وتأكيد حريتهن في اتخاذ القرارات المتعلقة بأجسادهن وملابسهن.
تقول لاعبة الجمباز الألمانية سارة فوس (21 سنة): “نأمل أن يحفز ذلك لاعبات الجمباز اللاتي لا يشعرن بالراحة في الملابس المعتادة على أن يفعلن مثلنا”. وتقول زميلتها في الفريق الألماني إليزابيث سيتز (27 سنة): “أردنا أن نُظهر أن كل امرأة وكل شخص يجب أن يقرر ما يرتديه”.
حظي قرار فريق الجمباز الألماني بحفاوة كبيرة في وسائل الإعلام العالمية، وأظهرت التقارير الإخبارية دعما قويا للاعبات الألمانيات وقدمت الأسباب المنطقية التي تفسّر ذلك التصرف. كان أهم دافع هو تحدي القرارات السلطوية الذكورية والحد من عمليات التحرش، وأبرزها قضية طبيب فريق الجمباز الأمريكي السابق، لاري نصار.
كتبت مجلة فوغ عن “القصة المؤثرة وراء بدلات فريق الجمباز الألماني الكاملة”، وعنونت هيئة الإذاعة البريطانية مقالها: “بدلات لاعبات الجمباز الألمانيات الكاملة تتحدى الجنسنة في الرياضة”. وفي موقع سبورت بايبل، كتب ماكس شيري: “من خلال ارتداء بدلة جمباز كاملة، تتطلع اللاعبات الألمانيات إلى تحدي ‘الجنسنة في الجمباز’- والذي كان موضوعا ساخنا خلال السنوات الأخيرة بعد فضيحة الاعتداء الجنسي التي تورط فيها طبيب فريق الولايات المتحدة الأمريكية السابق لاري نصار”.
احتفاء إعلامي
كتبت وكالة رويترز عن “حصول الفريق على التقدير لارتدائهن هذه الملابس بهدف محاربة الطابع الجنسي في رياضتهن”. وقال موقع بازفيد: “أصدر فريق الجمباز الأولمبي الألماني للتو بيانا قويا ضد الجنسنة في الرياضة”، بينما كتبت إيشا باسي أنه “في ظل عدم انتهاك أي لوائح، فقد كانت تلك خطوة كبيرة إلى الأمام في السماح للرياضيات بارتداء ما يشعرن أنه مريح لهن، طالما أن الملابس تسمح لهن بتقديم أفضل أداء حسب قدراتهن”.
تنافست وسائل الإعلام على تقديم الدعم للاعبات الجمباز الألمانيات في معركتهن ضد الملابس الجنسانية في الرياضة، ولم يكن هناك أي موقف مخالف.
لكنني إلى جانب كثيرين أتساءل عن مشاعر اللاعبات المسلمات اللاتي تم طردهن من أحداث رياضية مختلفة لارتدائهن ملابس تغطي الجسم أو الرأس، دون أن يتعاطف معهن أحد. أتساءل حقا عن شعور أي لاعبة مسلمة تعرضت لموقف مماثل وهي ترى كل هذا الدعم للاعبات الجمباز الألمانيات: هل الأمر يتوقف فقط على اللاعبات البيض والأوروبيات؟
لماذا لا يتم الاحتفاء بالنساء المسلمات أيضا لاختياراتهن عندما يقاومن القواعد المتحيزة جنسيا ويطالبن باختيار ملابسهن؟ في الواقع حصل العكس تماما. سنة 2011، استبعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) منتخب كرة القدم الإيراني للسيدات بسبب ارتداء غطاء الرأس، لم يحصلن على أي دعم مثل لاعبات الجمباز الألمانيات. سيطر الحزن على لاعبات الفريق الإيراني على ضياع تلك الفرصة وغاب التضامن العالمي. كتبت عن تلك الحادثة قبل 10 سنوات، لكن كان هناك القليل من الاهتمام الإعلامي بالجنسنة في الرياضة.
تغطية مختلفة
يمكن أن نلاحظ فروقا كبيرة عند مقارنة الدعم الصاخب للاعبات المنتخب الألماني بالتغطية الباردة لما تعرضت له اللاعبات الإيرانيات. نقلت شبكة سي بي إس وجهة نظر الفيفا قائلة: “تم منع منتخب إيران للسيدات من خوض تصفيات أولمبياد 2012 بالحجاب الإسلامي، وتم إبلاغ المسؤولين الإيرانيين بوضوح قبل مباراة الجمعة ضد الأردن بأن الحجاب محظور لأسباب تتعلق بالسلامة”.
وبالمثل، نقلت شبكة سي إن إن بيانات الفيفا دون أن تحاول إجراء مقابلات مع النساء الإيرانيات مثلما أجرت مقابلات مع لاعبات الجمباز الألمانيات بعد الحادثة الأخيرة. كانت هناك أصوات قليلة تندد بالتمييز ضد اللاعبات المسلمات في اللباس، لكن لم يكن يُنظر إليهن على أنهن قادرات على المقاومة. فقط عندما ارتدت النساء الأوروبيات البيض الزي الرياضي الكامل، أصبحت القضية نبيلة.
لاعبتا كرة قدم إيرانيتان تبكيان بعد منعهما من خوض مباراة مؤهلة لأولمبياد لندن ضد الأردن لارتدائهما الحجاب الإسلامي سنة 2011.
طالب ديف زيرين، وهو أحد أبرز الأصوات المطالبة بالعدالة والمساواة في الرياضة، الفيفا قائلا: “دعوهن يلعبن“. واعتبر الكاتب الرياضي الأمريكي المعروف أن اعتراضات رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر على الزي الإيراني لا أساس لها، وذكر أن بلاتر “اقترح سنة 2004 أن ترتدي اللاعبات “سراويل جذابة” على أرض الملعب لتعزيز شعبية الرياضة. وقال إن ‘السراويل الضيقة ستكون أفضل للعبة”. لماذا يكون لمثل هذا الرجل سلطة على الرياضة النسائية؟
لكن صوت زيرين يعد استثناء في مجاله. وقد كتبت الصحفية الرياضية اللامعة شيرين أحمد، على موقع “تي آر تي وورلد”: “إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم الاهتمام بقرارات حظر الحجاب يكمن في امتناع وسائل الإعلام عن إعداد تقارير متعلقة بهذه القضية”.
على مدى سنوات، كتبت شيرين أحمد عن فشل الهيئات الرياضية في سنّ لوائح تستوعب جميع الأزياء الرياضية، خاصة ما يتعلق بالحجاب. وفي انتقادها لأوجه اللامساواة في التغطيات الإخبارية، تقول إن “الفجوات بين الاهتمام بنضال الرياضيات المسلمات اللواتي يقعن ضحايا لأنظمة كراهية، مع غيرهن من الرياضيات، على غرار منتخب كرة اليد الشاطئية النرويجي، لا تزال هائلة لدرجة لا يمكن قياسها”.
مقاومة باللباس
عندما يتعلق الأمر بلاعبة مسلمة، لا يُصبح الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية مقاومة للتحيز وتصديا للنظرة الجنسية بارتداء لباس محتشم، بل تُعتبر خضوعا. عندما رفضت لاعبة جمباز ألمانية بيضاء ارتداء البكيني، تم اعتبارها رمز لـ”قوة النساء”، في المقابل، عندما تطالب امرأة مسلمة سوداء، مثل اللاعبة السابقة في كرة السلة الجامعية، بلقيس عبد القادر، بالتساهل في الزي الرياضي، سرعان ما تُلقى اللوائح في وجهها، دون أي اعتبار لوجهة نظرها. على هذا النحو، دائما ما يتم تفسير اختيارات النساء المسلمات المتعلقة بالملابس على أنها اضطهاد لهنّ.
في هذا الشأن، توضح عالمة الاجتماع الرياضي نيدا أحمد أن تغطية الإعلام للمرأة المسلمة “يعتمد على أفكار قديمة حول اضطهاد المرأة المسلمة”. هذا النوع من الإسلاموفوبيا الجنسانية هو الإطار الذي يجعل مقاومة النساء المسلمات للتحيز من خلال ملابسهن أمرا لا يستحق التضامن أو الاحتفاء على نطاق واسع.
في مقال على موقع “ماشبل”، تحدثت شيوبان نيلا ستوك عن بعض المواقف التي خالفت فيها رياضيات قواعد الأزياء القائمة على التحيز الجنسي، على رأسهنّ فريق الجمباز الألماني. لا توجد امرأة مسلمة واحدة في قائمتها، على الرغم من كفاحهنّ الطويل ضد لوائح الأزياء الرياضية. (أشارت نيلا ستوك لزي الرياضيات المسلمات بشكل موجز، مع رابط سلسلة من تغريداتي حول الموضوع).
مع ذلك، كتبت بعض النساء المسلمات عن المعايير المزدوجة في الأزياء الرياضية. مثلا، درست صبا فاطمة الفارق بين معاملة النساء المسلمات وغير المسلمات فيما يتعلق بالزي الرياضي، وتساءلت: “ما هو سر الاختلاف الكبير بين قضية المسلمات والنسويات الغربيات غير المسلمات”؟ وفي صحيفة “يو إس إيه تودي”، تتساءل أنوشاي حسين: “لماذا ندعم بشدة حق النساء البيض بالاحتشام، على خلاف النساء ذوات البشرة السوداء أو البنية؟”
وبدورها، تشير مريم خان، في مقال نشرته مجلة “فلوك”، إلى طريقة الاحتفاء بلاعبات الجمباز الألمانيات وفريق كرة اليد النرويجي والدفاع عنهن في وسائل الإعلام (تم تغريم منتخب كرة اليد النرويجي لارتدائه السراويل القصيرة بدلاً من البكيني في بطولة يورو 2021)، وتقول: “حظي الفريقان بدعم كبير وتغطية إعلامية واسعة – حتى أن المغنية بينك تدخلت وعرضت دفع تلك الغرامات نيابة عن منتخب النرويج. في المقابل، لا تزال المرأة المسلمة تعيش واقعًا مختلفًا تمامًا”.
التمييز واسع النطاق
يشاد بلاعبات الجمباز الألمانيات لكونهن شجاعات ورائدات. في المقابل، حكمت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أن أرباب العمل في القطاع الخاص يمتلكون الحق في التمييز ضد النساء اللواتي يرتدين ملابس دينية. في جميع أنحاء أوروبا، تواجه النساء المسلمات تمييزا واسع النطاق في المجالات القانونية والسياسية والشعبية لمجرد ارتدائهن البرقع (النقاب) أو الحجاب أو “البوركيني” أو أي ملابس محتشمة.
حتى الآن، يعلق في أذهان المسلمين في جميع أنحاء العالم ذلك المشهد حين أحاط عدد من ضباط الشرطة الفرنسيين المسلحين بامرأة مسلمة ترتدي البوركيني على أحد شواطئ نيس. وفي ألمانيا، التي تتصدى لاعباتها للنظرة الجنسية بدعم دولي، هناك حظر جزئي للحجاب والنقاب ينطبق على المعلمات والطالبات المسلمات.
تتعرض النساء المسلمات الأوروبيات لأوجه التمييز على كل المستويات، وتُطرد الرياضيات المسلمات من الأحداث الرياضية لارتداء ملابس محتشمة. قارن ذلك مع فريق الجمباز الألماني: نساء بيض يتمتعن بالقوة ويتحدين لوائح الأزياء الرياضية، مما يمهد الطريق لمستقبل أفضل.
مقابل الاحتفاء بالنساء الأوروبيات البيض، لا يُنظر أبدا إلى جهود المرأة المسلمة وقوتها ومقاومتها. إنهم لا يروننا بغض النظر عما نفعله، ولا يمكننا فعل أي شيء لإقناعهم بحقيقة وجودنا.
المصدر: ميدل إيست آي