“أبناؤنا وقود الحرب”: أبناء الريف اليمني يغادرون إلى ساحة المعركة

ترجمة حفصة جودة
مثل العديد من الشباب حول العالم، واجه تامر – 18 عامًا – خيارًا بعد تخرجه من المدرسة الثانوية: إما الذهاب إلى الجامعة وإما البحث عن عمل، يختار معظم الأبناء في مقاطعة الشمايتين جنوب غرب محافظة تعز، بين هذين الخيارين.
لكن تامر كان منجذبًا إلى احتمال آخر، خيار يعده بالثروة والحياة الطيبة رغم مخاطره، إنه الانضمام إلى الصراع المشتعل في البلاد منذ أكثر من 6 سنوات، يشارك آلاف اليمنيين من المحافظات البعيدة في القتال تحت راية طارق صالح ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، ضد المتمردين الحوثيين عند الساحل الغربي للبلاد.
هؤلاء المقاتلون وعائلاتهم استأجروا منازل في ريف تعز، ما وفر مصدر دخل غير مسبوق لسكان القرية المتعثرين ماليًا، لكن بينما فتح هؤلاء القرويون منازلهم للمقاتلين أتباع صالح الذين يدفعون إيجارات باهظة بالريال السعودي، فإن وجودهم ألهم العديد من الشباب في تلك المجتمعات الجبلية ليحذوا حذوهم ويحملوا السلاح.
يقول خالد – والد تامر -: “لقد أجرنا منزل والدنا لمقاتل من أتباع صالح، وقد لاحظ تامر مدى غناه وكيف يعيش أبناؤه حياة جيدة، ما أثر عليه، جلس تامر مع المقاتل كثيرًا وسمع منه الكثير عن تفاصيل القتال والدخل الذي يحصل عليه، فجاءني طالبًا الانضمام للقتال”.
اضطرت الكثير من العائلات لاتخاذ هذا القرار الصعب بالسماح لأبنائهم بحمل السلاح، ليس عن قناعة سياسية، لكن كضرورة اقتصادية
يواصل خالد حديثه قائلًا: “في البداية لم أقبل بذلك، فقد كنت أتمنى رؤيته بالجامعة وليس ساحة القتال، لكنه أقنعني عندما قال إنه لا يريد أن يكون رجلًا فقيرًا يعاني لتوفير المعيشة لأسرته”، يعاني عدد لانهائي من اليمنيين من العواقب الإنسانية للحرب، واضطرت الكثير من العائلات لاتخاذ هذا القرار الصعب بالسماح لأبنائهم بحمل السلاح، ليس عن قناعة سياسية لكن كضرورة اقتصادية.
المعيل في ساحة المعركة
كان خالد يملك كافيتيريا في مدينة تعز لكنه أغلقها في 2015 منذ أن بدأ التحالف السعودي القتال ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، هاجر الأب ذو الـ6 أبناء إلى السعودية دون وثائق ليُطرد منها ويعود إلى قريته لكنه ظل عاطلًا عن العمل.
يقول خالد: “من الصعب عليّ أن أدفع لدراسة تامر وأشقائه الخمس، وقد رأى تامر بنفسه كيف يبقى خريجو الجامعات بلا عمل، لذا اتفقنا على مشاركته في القتال لعدة سنوات قليلة فقط”، ورغم معارضة والدة تامر للقرار، فقد ذهب الشاب إلى ميدان المعركة في مدينة المخا عند الساحل الغربي منذ 6 أشهر، مع مقاتل قديم انتقل إلى قريتهم قادمًا من محافظة ذمار.
لم يكن لدى تامر أي خبرة سابقة بالقتال في المعارك، لكنه مثل العديد من شباب القرى اليمنية يعلم كيف يحمل الكلاشينكوف، ما يجعل هذا التحول أسهل نسبيًا، والآن أصبح تامر المعيل لأسرته، إذ أصبح راتبه موجهًا لتعليم أشقائه.
يقول خالد: “يحصل تامر على 100 ريال سعودي (266 دولارًا) شهريًا وهو مبلغ معقول، ويرسله بأكمله لنا، فننفق جزءًا منه وندخر الباقي ليبدأ به مشروعًا عند عودته”، لكن هذه الراحة المادية التي يوفرها عمل تامر لا يمكنها أن تمحو قلق والديه على أمانه.
لم يكن عبد الغني على دراية بتخطيط ابنه للانضمام إلى القوات الموالية لصالح عندما ترك منزل الأسرة قبل 4 أشهر
“هذه ليست الحياة المثالية التي تمنيتها له، في الحقيقة لقد أصبح لدينا المال مثل المقاتلين من ذمار وإب والحديدة، لكنني قلق من رؤية ابني قد أصبح مقاتلًا”.
تدمير مستقبل أبنائنا
يتخذ العديد من الشباب هذا القرار الصعب دون استشارة والديهم، فقد كان عبد الغني – معلم في الشمايتين يبلغ من العمر 52 عامًا – يساعد ابنه للبحث عن عمل في مدينة تعز وكل مكان وذلك بعد أن رأى ابنه المراهق فقد حماسه لإنهاء المدرسة الثانوية.
يقول عبد الغني: “من الصعب العثور على عمل هذه الأيام، لكنني بذلت كل جهدي للبحث عن عمل من أجل ابني ذي الـ16 عامًا قبل أن يفر من المنزل إلى الساحل الغربي”، لم يكن عبد الغني على دراية بتخطيط ابنه للانضمام إلى القوات الموالية لصالح عندما ترك منزل الأسرة قبل 4 أشهر.
يضيف عبد الغني “القرويون سعداء برؤية المقاتلين في قراهم بسبب المال، لكن من المسؤول عن خسارة ابني وغيره الكثير؟ إنني معلم أعيش في القرية بسلام، لكن هؤلاء المقاتلين يغسلون أدمغة أبنائنا ويشجعونهم على الانضمام للقتال، إنهم يستخدمون أطفالنا وقودًا للحرب”.
حاول عبد الغني إقناع ابنه عدة مرات بالعودة إلى المنزل دون جدوى، إذ يقول: “طلبت من المقاتلين مساعدتي لإعادته إلى المنزل لكن لم يساعدني أحد، إنهم يساعدون فقط في إرسال أبنائنا للقتال لكن ليس العكس، إنني أدعو الله كي يساعدني في إعادة ابني وطرد هؤلاء المقاتلين من قريتنا”.
شعر المعلم بالصدمة من لامبالاة العديد من السكان تجاه تزايد وجود المقاتلين من جميع أنحاء البلاد واستقرارهم عبر المحافظة بأكملها، يقول عبد الغني: “إنني مستعد للعيش فقط على الخبز والماء ولا أن أقبل بهؤلاء المقاتلين الذين دمروا جيل المستقبل في قريتي، هذا ليس تحاملًا من جانبي، فأنا أقبل بالمدنيين في قريتي من أي مكان في العالم، لكن هذا الغضب موجه ضد المقاتلين الذين يقضون على مستقبل أبنائنا”.
قال الشاب إن المقاتلين المستأجرين في قريته لم يشجعوه على الانضمام للحرب، لكنه رأى كيف يجنون أموالًا جيدة وتمنى أن يكون مثلهم
“إذا لاقى ابني مصيره عند الساحل الغربي، فمن المسؤول عن ذلك؟ هل هم مقاتلو صالح، أم القرويون الذي قبلوا بهم، أم القادة الذين شجعوا على الحرب؟ الجميع مسؤولون عن ذلك”.
الموت أمام عينيّ
ينكر ضيف الله – مقاتل من محافظة إب يعيش في الشمايتين – اتهامات الآباء مثل عبد الغني بأنهم يجندون الشباب والمراهقين من القرية، يقول ضيف الله: “إننا نعيش هنا كأفراد وليس كمقاتلين ونتجنب الحديث مع سكان القرية عن القتال، لكن بعضهم ذهب إلى المخا وسجل اسمه للعمل كمقاتل، ليس صحيحًا ما يتهمنا الناس به بأننا خلف تجنيد أبنائهم، وليس خطؤنا أنهم لا يرغبون في الدراسة”.
ترك تميم محمد – 19 عامًا – منزله قبل 4 أشهر للقتال بجانب قوات صالح، وقال الشاب إن المقاتلين المستأجرين في قريته لم يشجعوه على الانضمام للحرب، لكنه رأى كيف يجنون أموالًا جيدة وتمنى أن يكون مثلهم.
يقول تميم: “رؤية حياة المقاتلين كافية لإقناعك بالانضمام للمعركة، لكن الأمر ليس سهلًا حتى مع هذه الرواتب الجيدة، عندما وصلت إلى ساحة المعركة أول مرة رأيت الموت أمام عينيّ، رأيت الجرحى وسمعت القصف في كل مكان حولي، المال لا شيء مقارنة بالمخاطر في ساحة المعركة، هذا المال قد يكلفك حياتك بأكملها هناك”.
ظل تميم في الساحل الغربي 3 أسابيع فقط قبل أن يفر عائدًا إلى البيت، ومنذ ذلك الحين استكمل دراسته في المدرسة الثانوية ويتمنى دخول الجامعة، يقول تميم: “يومًا ما ستنتهي تلك الحرب وسيجد هؤلاء المقاتلون أنهم فقدوا أنفسهم، فالتعليم أهم من المال”.
حتى خالد الذي سمح لابنه تامر بالانضمام إلى القتال يؤمن أن التعليم لا يزال أولوية، يقول خالد: “أتمنى أن يعود ابني ويكمل دراسته، ولا أريد أن أرى مقاتلي صالح في قريتي، فقد شجعوا العشرات من أبنائنا على الانضمام للقتال”.
المصدر: ميدل إيست آي