في البداية استقبلت تركيا السوريين الذين فروا إليها كضيوف، ووصلت أول مجموعة منهم إلى إقليم “هاتاي” في 29 من أبريل/نيسان 2011 وكانوا 252 شخصًا، ولم يخطر على بال أحد من الأتراك أو السوريين ولا المنظمات الدولية أو الحكومات أن تستمر المعاناة السورية بعد ذلك أكثر من عشر سنوات، وأن يرتفع عدد السوريين في تركيا إلى أكثر من ثلاثة ملايين وستمئة ألف سوري.
فمنذ ذلك التاريخ بدأ آلاف السوريين بالتدفق إلى تركيا بشكل فردي وجماعي هربًا من الإجراءات الأمنية والعمليات العسكرية، وكرست تركيا موارد خاصة لاستقبالهم وأكدت الحكومة التركية التزامها باستقبال السوريين حتى تصبح عودتهم آمنة تمامًا.
لكن النزوح أو اللجوء السوري وضع تركيا أمام تحديات كبيرة، مع أنها لم تكن المواجهة الأولى للدولة التركية بخصوص اللاجئين، فلتركيا تاريخ وباع طويل مع أزمات اللجوء، فقد عُرفت خلال عقود طويلة كمستقر للاجئين ومعبر ومنفذ لهم من آسيا والشرق الأوسط إلى شتى أصقاع المعمورة وإلى أوروبا خصوصًا، أيضًا فإن الأتراك أنفسهم عرفوا وخاصةً خلال ستينيات القرن الماضي الهجرة من تركيا إلى أوروبا وبالتحديد ألمانيا التي يعيش فيها الآن ما يقارب 3 ملايين تركي.
بالنسبة للسوريين في تركيا، وعلى الرغم من أن المجتمع التركي ووسائل الإعلام التركية وحتى السوريين أنفسهم يستخدمون مصطلح “اللاجئين السوريين”، فإنهم في الحقيقة ليسوا كذلك، بل يعيشون تحت نظام خاص يسمى نظام “الحماية المؤقتة”، والمكانة القانونية التي يمنحها هذا النظام تختلف بشكل كبير عن المكانة الممنوحة للاجئين بموجب اتفاقية اللاجئين التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 من يوليو/تموز 1951، وهي الاتفاقية الدولية التي عرفت من هو اللاجئ وما حقوقه وواجباته والتزاماته تجاه الدولة المضيفة، إضافةً إلى نوع الحماية القانونية والمساعدات التي يجب أن يحصل عليها من الدول الموقعة، (لكنها قصرت حق اللجوء للأوروبيين الذين هربوا من بلادهم عقب الحرب العالمية الثانية فقط).
عُدلت هذه الاتفاقية بموجب بروتوكول خاص في 1967، فتم التخلي عن هذا الشرط (أي اقتصارها على مواطني أوروبا)، فتوسع هذا القيد الجغرافي ليشمل تعريف اللاجئين كل النازحين من جميع الدول، لكن تركيا لم تقبل بالتوقيع على هذا البروتوكول، بل وأضافت إليه تعديلًا جوهريًا، فحولت حق اللجوء إلى أراضيها إلى حق إقامة مؤقتة أو مشروطة، وعلى أن يتبع هذه الإقامة العمل على إعادة توطين اللاجئين في دول أخرى.
من أبرز التحديات الكثيرة والمختلفة التي واجهت السوريين في تركيا أنها ليست دولة لجوء تقدم خدماتها كما الاتحاد الأوروبي
في 4 من أبريل/نيسان 2013 قررت الحكومة التركية تنظيم الوضع القانوني للسوريين الموجودين على أراضيها بوضعهم تحت الحماية المؤقتة بالقانون رقم 6458 الذي دخل حيز التنفيذ في 11 من أبريل/نيسان 2014 ويسمى هذا القانون “قانون الأجانب والحماية الدولية”.
وفي 18 من مارس/آذار 2016 بدأت تركيا بالتفاوض مع دول الاتحاد الأوروبي على ثلاث قضايا ما زالت عالقة، بخصوص الهجرة واللجوء من الأراضي التركية إلى أوروبا، ومسألة إعادة طالبي اللجوء غير المقبولين، ولأجل إلغاء تأشيرة دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.
بالنتيجة حاليًّا، أصبح للنازحين – من مختلف الجنسيات – في تركيا 3 إطارات قانونية، وهي:
- اللاجئون الأوربيون المعترف بهم رسميًا كلاجئين بحسب وثيقة عام 1951.
- اللاجئون الشرطيون الذين من المقرر إعادة توطينهم في بلد ثالث وفقًا للائحة إعادة التوطين الصادرة عن الأمم المتحدة في 1994.
- الأفراد الخاضعون للحماية المؤقتة، وهم الأشخاص المعرضون للخطر في حال أعيدوا إلى بلدهم الأصلي، وهي الفئة التي ينتمي إليها الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في تركيا.
كان هذا من أبرز التحديات الكثيرة والمختلفة التي واجهت السوريين في تركيا أنها ليست دولة لجوء تقدم خدماتها كدول الاتحاد الأوروبي، بدءًا من وجوب تعلم اللغة ثم وترتيب شروط الحياة بمنح السكن والإقامة وحتى تحقيق الاندماج، وعلى الرغم من جميع المزايا والخدمات التي يقدمها “قانون الحماية المؤقتة” خاصةً في مجالي الصحة والتعليم، لكن يؤخذ عليه الكثير من العيوب، منها عدم منح الأشخاص الواقعين تحت سلطانه وثائق سفر تخولهم التنقل من وإلى تركيا، وفرض إجراءات إدارية لتنقلهم بين المحافظات التركية غالبًا ما تكون معقدة وتقف عائقًا أمام الآلاف ممن يبحثون عن فرص عمل في محافظات أخرى، ما يشكل عقبة كبيرة تعقد عملية تمتعهم بالحقوق الاجتماعية والثقافية والتخطيط المستقبلي طويل الأجل، وما يعني غيابًا للاستقرار المجتمعي والأمان المعيشي.
منذ العام 2014 تُصنف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سوريا على أنها بلد المنشأ الأول للاجئين على مستوى العالم، ويتركز أكثر من 80% منهم في الدول المجاورة والعدد الأكبر منهم في تركيا بما يزيد على ثلاثة ملايين وستمئة ألف سوري، وهم محكومون بتشريعات وقرارات وطنية محلية لا تعتبرهم لاجئين، وبجملة من التنظيمات الإدارية حسب الولايات التي يعيشون فيها ووفق الرؤى الحكومية التي غالبًا ما تنتهج سياسات مختلفة ومتغيرة استنادًا إلى أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية، ما يؤثر بشكل مباشر وحاسم في قضايا الاندماج والتلاؤم، وفي التشجيع على العمل والإنتاج والمشاركة بكل أشكالها.
لا يمكن الحديث عن العودة السورية خصوصًا بالنسبة للسوريين في تركيا الذين لم تشملهم قوانين اللجوء الدولية ولم تتكفل القوانين الوطنية التركية بإعطائهم ما ينبغي أن يحصلوا عليه من حقوق وليس كلاجئين فحسب
قد يتصور الكثيرون أن إعطاء السوريين في تركيا حقوق اللاجئين كما أُعطيت لهم في دول الاتحاد الأوروبي، سيكون سببًا رئيسًا لمنعهم من التفكير في العودة إلى سوريا، ربما يكون هذا صحيحًا، لكنه من جهة أُخرى يخلق حافزًا كبيرًا لدى الكثيرين من أجل إيجاد حلول أُخرى كالهجرة الثانية أو “التقوقع” في مجتمعات صغيرة متناثرة هنا وهناك داخل تركيا، فبالنظر إلى الأحوال المعيشية والأمنية التي ما زالت غير مستقرة في سوريا، بل تزداد صعوبةً وغموضًا، فإن حل العودة ما زال بعيدًا قبل أن تصل القضية السورية إلى حل نهائي، وأن يقترن هذا الحل بإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد السوري والتنمية وبفتح ملفات الأمن والعدالة والتعويضات.
قبل ذلك لا يمكن الحديث عن العودة السورية خصوصًا بالنسبة للسوريين في تركيا الذين لم تشملهم قوانين اللجوء الدولية ولم تتكفل القوانين الوطنية التركية بإعطائهم ما ينبغي أن يحصلوا عليه من حقوق وليس كلاجئين فحسب، بل كرعايا أو كأجانب، لذلك فإنه من المطلوب معالجة الثغرات التي تعاني منها التشريعات التركية بخصوص السوريين الموجودين في أراضيها، وإجراء إصلاحات قانونية وتغييرات حقيقية ملموسة لتواكب القوانين والتشريعات التركية المتعلقة بهم المعايير الدولية، وأن تتوافق مع قوانين اللجوء الدولية المعتمدة عالميًا.