كأن محافظة عكار في شمال لبنان لا يكفيها ما تعانيه من حرمان وإهمال الدولة والحكومات المتعاقبة حتى تحل بها كارثة جديدة ومجزرة موصوفة تودي بحياة عشرات القتلى ومئات الجرحى بسبب انفجار خزان وقود في بلدة التليل القريبة من الحدود السورية.
وفي تفاصيل الحادثة التي حصلت فجر اليوم الأحد، فإن الجيش اللبناني وفي إطار حملة المداهمات التي يشنها على محطات الوقود وأماكن تخزين المحروقات، التي بدأها ظهر يوم السبت بعد امتناع المحطات عن تسليم الوقود للمواطنين بذريعة نفاد الكميات لديها، وبعد تلقي إفادة من المواطنين في عكار عن تخزين كمية من البنزين في خزانات حديدية في “مجمع لبيع الرمول” في بلدة التليل العكارية عائد لابن البلدة جورج رشيد، داهم المجمع وصادر من الخزانات كمية تصل إلى 40 ألف ليتر كما ذكر بعض الشهود، ثم انصرف من المكان.
وقد راجت في المنطقة شائعة أن الجيش يوزع البنزين مجانًا على المواطنين، ما أدى إلى تجمع أعداد كبيرة من الناس في المحلة، ومن ثم اكتشف المواطنون أن الخزانات ما زالت تحتوي على كمية من البنزين، وخلال عملية استخراجها وتوزيعها تضاربت الروايات في كيفية حصول الانفجار، فقالت إحدى الروايات إن أحد المواطنين الذين كانوا يريدون الحصول على مادة البنزين هدد بإشعال الخزان إذا لم يحصل على المادة، بينما قالت رواية أخرى لمجموعة من الشهود الذين كانوا بالمكان ونجوا من الانفجار أن ابن صاحب مجمع الرمول جورج رشيد أشهر سلاحًا حربيًا وأطلق منه النار على الخزان ما أدى إلى الانفجار وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.
وبالعودة إلى أسباب الكارثة فإن السبب الرئيسي لأزمة المحروقات في لبنان يعود إلى قرار مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات وعمليات التهريب التي تجري للمحروقات المدعومة حكوميًا إلى خارج الأراضي اللبنانية، إلى سوريا تحديدًا.
والمعروف أن المصرف المركزي اللبناني يمول فارق شراء النفط من الخارج فيما يُسمى “الدعم” وتبيعه الشركات المستوردة للمواطنين في لبنان بأسعار رخيصة تصل إلى نحو 4 دولارات لصفيحة البنزين الواحدة، وهو ما دفع مافيات التهريب إلى العمل على تهريب كل البضائع المدعومة إلى خارج لبنان لأن أسعارها مضاعفة.
وقد أعلن مصرف لبنان مساء الخميس الماضي التوقف عن دعم المحروقات وهو ما أدى إلى توقف الشركات عن تسليم الكميات التي بحوزتها، وتوقف المحطات عن تزويد المستهلكين بالبنزين، وكل ذلك جعل المسؤولين في لبنان يتخذون قرارًا يكلفون بموجبه الجيش بمداهمة أماكن تخزين المحروقات ومصادرتها لصالح المواطنين، وهو ما كان سببًا في انفجار بلدة التليل بعكار.
تشهد منطقة عكار كل يوم مشكلات تتحول إلى اشتباكات أحيانًا كثيرةً على خلفية مصادرة صهاريج المحروقات التي تتحرك في المنطقة نظرًا لمعاناتها الشديدة وحاجتها إلى المحروقات
إلى ذلك أفادت المعلومات أن الكميات التي صودرت في بلدة التليل أو تلك التي انفجرت كانت معدة للتهريب إلى سوريا، وأن صاحبها جورج رشيد المنتمي إلى التيار الوطني الحر، أو من المقربين جدًا من نائب التيار في عكار أسعد ضرغام يحظى بغطاء سياسي خوله القيام بهذا الأمر.
وفي هذا السياق يُذكر أن منطقة عكار تشهد كل يوم مشكلات تتحول إلى اشتباكات أحيانًا كثيرةً على خلفية مصادرة صهاريج المحروقات التي تتحرك في المنطقة نظرًا لمعاناتها الشديدة وحاجتها إلى المحروقات.
في مكان آخر فتحت كارثة بلدة التليل في عكار أزمة من نوع آخر، فقد شبه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الكارثة بكارثة مرفأ بيروت محملًا رئيس الجمهورية والمسؤولين في الدولة المسؤولية داعيًا إلى استقالتهم، فيما حملت شخصيات ومصادر سياسية أخرى رئاسة الجمهورية المسؤولية في ظل عرقلة تشكيل الحكومة وغياب المؤسسات الحكومية عن القيام بدورها أو تجيير صلاحيات الحكومة إلى مؤسسات أخرى كما حصل في لقاءات وقرارات المجلس الأعلى للدفاع التي غاب عنها رئيس حكومة تصريف الأعمال.
هي كارثة وطنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى غير أنها تعكس حجم الأزمة السياسية من ناحية، وانعدام حس المسؤولية لدى الطبقة السياسية من ناحية ثانية، وكشفت حجم الفساد المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع والمحمي من الطبقة السياسية التي تنادي بالإصلاح وتدعي الحرص على البلد، الذي يهدد بانهيار لبنان خلال أيام إذا لم يتم تدارك الأمر خلال الساعات المقبلة.