نشرت قناة الجزيرة الإنجليزية على موقعها الإلكتروني وثائقيًا جديدًا عن الهجوم على السفينة الأمريكية “ليبرتي” أثناء حرب الأيام الستة، حيث قدم المخرج وفريق البحث تسجيل صوتي عُرض لأول مرة لحوار القوات الإسرائيلية المنفذة للهجوم مع مركز القيادة، ومن خلال مقاربة تاريخية مفصلة للهجوم نفسه بخليط من شهادات الناجين والمستندات؛ استطاع الفيلم أن ينتقل لتحليل كيف حاولت الحكومة الأمريكية استيعاب هذه الفضيحة محاولين الحفاظ على علاقاتهم مع إسرائيل بالأساس وليس عقاب المسئولين عن مقتل 37 جنديًا أمريكيًا.
في ليلة الثامن من يونيو للعام 1967 كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت القدس الشريف وسيطرت على كل المناطق الواقعة تحت السيطرة الأردنية في فلسطين، وغني عن الذكر تدميرها لكافة المطارات العسكرية واجتياحها لسيناء على الجبهة المصرية، فقط سوريا لم تتعرض لخسائر حقيقية في هذا الهجوم الكاسح حتى تلك الليلة، فقد كانت لم ترفض بعد وقف إطلاق نار الذي أعلنته الولايات المتحدة ووافقت عليه إسرائيل، على بعد 25 ميلاً بحريًا (المياه الدولية) من ساحل العريش كانت تتمركز السفينة الأمريكية “ليبرتي” رافعة العلم الأمريكي العملاق الخاص بأيام الأعياد الرسمية.
السفينة ليبرتي كانت سفينة تخابرات وتجسس أمريكية من طراز بيلمونت، امتازت تلك السفينة بأحدث وسائل التجسس والتعقب والتواصل في تلك الفترة على الإطلاق؛ ففي نهاية الأمر لم تكمل السفينة أكثر من ثلاثة أعوام في الخدمة عندما أخرجتها الصواريخ الإسرائيلية، كان عدد الطاقم المشغل للسفينة حوالي 350 فردًا بحريًا.
بعد أن قامت القوات الجوية الإسرائيلية بالتعرف على السفينة عن طريق طائرات المراقبة والتجسس بسبع ساعات؛ بدأ الهجوم الجوي عليها في تمام الثانية بعد منتصف الليل من قِبل أربع مقاتلات من سلاح الجو الإسرائيلي، استخدمت الطائرات صواريخ جو – سطح في الهجوم ثم أنهته باستخدام النابالم، لتبدأ قوارب الطوربيد الخاصة بسلاح البحرية الجولة الثانية من الهجوم باستخدام الطوربيدات والرصاص الخارق للدروع، وتشير شهادات الناجين إلى أن القوارب بدأت في استهداف غرفة العلاج والسطح الآمن الذي يتم حفظ الجرحى به بالرصاص الخارق للدروع بعد أن أخرج الطوربيد السفينة من الخدمة بالفعل للقضاء على الناجين.
لكن ما حدث على الساحة السياسية هو المثير حقًا، فبعد أن تمكنت إحدى رسائل الاستغاثة من الوصول للأسطول الأمريكي السادس المتمركز على بعد خمسمائة ميل فقط من السفينة؛ سارعت تل أبيب باستدعاء الملحق البحري الأمريكي وأخبرته بحدوث خطأ قاتل، وصلت الأوامر للأسطول السادس بالتوقف عن التحرك تجاه السفينة حتى أوامر أخرى، وقامت القوات الجوية الإسرائيلية بإلقاء رسالة من الملحق الأمريكي فوق أشلاء عدد من القتلى يسأل فيها الطاقم إن كان معهم مصابين.
وبعد عودة السفينة إلى الأرض الأمريكية بعد عملية تجميل سريعة في مالطة، تم حرق جثث القتلى الأربعة والثلاثين وإدخال الجرحى إلى مستشفيات عسكرية مغلقة في غضون ساعات، وبدأ اللوبي الإسرائيلي في الحركة بأسرع وقت ممكن لاحتواء الأزمة، بقيادة السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة ومحامي السفارة الأمريكية وأحد قضاة المحكمة الأمريكية العليا ورجل أعمال يعد أكبر المتبرعين لحملة انتخاب الرئيس.
تم الضغط على الرئيس الأمريكي “دواين جونسن” لأجل عدم تسريب التفاصيل للمجال العام للحفاظ على العلاقات العامة للكيان الصهيوني خصوصًا في وقت حرب كهذا، وفي المقابل قدم اللوبي كلاً من الدعم المعنوي للحكومة الأمريكية في حرب فيتنام، وأيضًا هدية عسكرية في صورة عينات من صواريخ سام الروسية المستخدمة ضد القوات الأمريكية في فيتنام، وجدير بالذكر أن هذه الصواريخ قد تم استخراجها سليمة من معسكرات الجيش المصري بسيناء.
انتهى التحقيق الأمريكي بقبول الاعتذار الأمريكي باعتبار الهجوم حادث وقبول الاعتذار الإسرائيلي، وفي حين تظهر محاضر التحقيق تغييرًا جذريًا في شهادات الطاقم مع تجاهل الكثير من المعلومات؛ تظهر الأيام أن السبب الأكثر منطقية للهجوم كان تدمير أي معلومات قد تكون السفينة ليبرتي جمعتها عن الهجوم المخطط على هضبة الجولان وسوريا قبل وصولها للولايات المتحدة، فمثل هذه المعلومة كانت كفيلة بوضع إسرائيل في وضع صعب جدًا لخرق وقف إطلاق النار، وإن كان البعض حتى اليوم يشكك في كفاية مثل هذا المبرر لهجوم بمثل هذا العنف.
ولكن يبقى الدرس الأهم من الفيلم والحادثة بالأساس هو عدم إمكانية توقع ما قد تتخذه العلاقة الإسرائيلية الأمريكية من أشكال، فليس أغرب من الهجوم نفسه سوى رد الفعل الخافت للإدارة الأمريكية.
ويبقى السؤال الأخطر هو لأي مدى تتغلغل دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي الإسرائيلية داخل مراكز صنع القرار الأمريكي؟ وكيف تتمكن من احتواء وتشكيل التغطية الإعلامية والتاريخية بهذا الشكل؟!
لمشاهدة الفيلم يمكنك الضغط هنا