يواصل الاحتلال الإسرائيلي فصول نكبته بحقّ الفلسطينيين في الخليل والحرم الإبراهيمي منذ احتلال المدينة عام 1967، وكانت مجزرة الحرم عام 1994 الفصل الأبشع في سلسلة جرائمه التي استشهد على إثرها 29 مصليًا، داخل المسجد الإبراهيمي في يوم الجمعة، الـ 15 من شهر رمضان المبارك.
استيقظ الأهالي في مدينة الخليل يوم 10 أغسطس/ آب على صوت آليات الحفر الثقيلة، إذ تمركزت الآليات العسكرية تحت حراسة مشدَّدة من قوات الاحتلال في الساحات الخارجية للمسجد الإبراهيمي، وعلى مقربة 100 متر من السور الخارجي له.
وباشرت تلك الآليات العمل على حفر طريق ملتوٍ لإقامة مصعد كهربائي، بعد اقتطاع جزء من الساحة الخارجية للحرم الإبراهيمي، تقدَّر مساحتها بـ 330 مترًا مربّعًا.
تداولت المحاكم الإسرائيلية قضيّة إنشاء المصعد منذ تاريخ الإقرار بتاريخ 12 مايو/ أيار 2020، حاولت فيها الجهات الفلسطينية انتزاع قرار وقف المشروع الاستيطاني، وبعد مماطلة لمدة عام قامت الآليات ببدء التحرك على الأرض لإقامة المشروع الاستيطاني.
الهدف من وراء المصعد ليس إنسانيًّا
ادّعت جهاتٌ إسرائيلية أن هدف إنشاء المصعد جاء خدمةً لتسهيل وصول المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، حتى يتمكنوا من الدخول إلى المسجد الإبراهيمي بالكراسي المتحركة من الجهة التي تستولي عليها “إسرائيل”.
يقول مدير لجنة الإعمار في الخليل، عماد حمدان: “لن تنطلي علينا حجّة الإسرائيليين في إقامة المصعد والاستيلاء على الساحة الخارجية، فهم يروّجون للعالم الخارجي أنّ إقامة المصعد هدفه إنساني يسمح لكافة الناس من أصحاب الإعاقات الحركية الوصول إلى الحرم الإبراهيمي، لكنّ الهدف الأساسي منه الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض وتهويد المسجد الإسلامي”.
وعن المصعد يقول حمدان: “جسم غريب سيلتصق بالحرم الإبراهيمي، ليغيّر المنظر العام للمبنى التاريخي والحضاري، تبلغ مساحته 190 مترًا، وسيبنى جسر هوائي يربطه بالدرج العلوي للحرم”.
وقال أيضًا: “حتى يتم الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة، أقاموا أيضًا طريقًا لولبيًّا مخصَّصًا للكراسي المتحركة، حيث يدّعي الجانب الإسرائيلي أن الانحدار شديد في تلك المنطقة، ويجب أن يخصِّص مسارًا يلبّي احتياجات الفئات المذكورة”.
يكمل عماد حمدان: “هدف “إسرائيل” منذ احتلالها لمدينة الخليل بالتحديد هو الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي، وإضفاء الطابع اليهودي على المكان، فعمدت “إسرائيل” وعلى مدار سنوات طويلة محو المشهد الفلسطيني الإسلامي من الحرم الإبراهيمي، واستبداله بالمشهد الصهيوني الاستعماري، وإقامة جسم غريب عن النسيج العمراني يتمثّل بالمصعد هي استمرار لتلك السياسة”.
لمن سيحكم القاضي المستوطِن؟
أصدرت الإدارة المدنية التابعة للاحتلال الإسرائيلي أمرَين عسكريَّين، يقضيان باستملاك جزء من ساحات الحرم الإبراهيمي، وجزء من الحرم بمساحة حوالي 330 مترًا، بعدها قامت الجهات الفلسطينية بتقديم إجراءات قانونية أوّلية عبارة عن اعتراض مقدَّم للمستشار القانوني، باسم بلدية الخليل ولجنة الإعمار والأوقاف الإسلامية، إلّا أنه رفض الاعتراض من قبل دولة الاحتلال.
قال محامي لجنة الإعمار، توفيق جحشن: “تقدّمَ الجانب الإسرائيلي بمخطط بناء المصعد من أجل الحصول على رخصة من اللجنة الفرعية للبناء من مستوطنة بيت إيل، قامت الجهات الفلسطينية بالاعتراض على تقديم الرخصة، ولكن بعد مداولات طويلة قامت اللجنة الفرعية بسحب صلاحيات بلدية الخليل، وأعطت الصلاحيات للجنة الفرعية للبناء في بيت إيل”.
أمّا على الصعيد الدولي، تابعَ: “تحرّكنا على الصعيد الدولي وبعثنا خطابات إلى منظمة اليونسكو دون الحصول على إجابة، خاصة أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، قد أعلنت في يوليو/تموز 2017 عن إدراج الحرم الإبراهيمي كموقع تراثي فلسطيني مهدَّد بالخطر”.
الدعوات للنفير والرباط في المسجد الإبراهيمي
انطلقت دعوات من المؤسسات الدينية في المدينة والقوى الوطنية ومجموعات شبابية، مثل “حماة الحرم”، تدعو المواطنين إلى النفير العام والمكوث في المسجد لأداء الصلوات المفروضة، تنديدًا بما قامت به قوات الاحتلال من بدء العمل بالمشروع التهويدي، وقد أقيمت وقفات رافضة لإقامة المصعد شاركَ فيها المواطنون من مدينة الخليل.
أهداف المستوطنين خبيثة فيما يخص هذا المشروع، فمنذ الإعلان عنه لا يوجد أي مخطط يوضِّح بالضبط كيفية سير البناء فيه.
قال نائب الحرم الإبراهيمي وعضو المجلس البلدي في الخليل، غسان الرجبي، إن الخطر الحقيقي يتمثل في إحكام السيطرة على الحرم الإبراهيمي، وهو إرث إسلامي حضاري.
كما أشار إلى أن جنود الاحتلال يتحكّمون بالبوابات الخارجية والحواجز، وبمجرد إنشاء المصعد سيعمل على تحولات ديموغرافية تتمثل بمنع المصلين من الدخول، نتيجة سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على الساحات الداخلية والخارجية.
قال أيضًا إن مديرية الأوقاف الإسلامية قررت إغلاق كافة مساجد مدينة الخليل يوم الجمعة الماضي للصلاة فيها، ولحثّ المواطنين على التواجد في المسجد الإبراهيمي، لأنه وعلى حد تعبيره تواجُد المسلمين في هذه الأيام مهم ويخيف الاحتلال وربما يدفعه إلى التراجُع عن قرارته.
أما المواطن بدر الداعور التميمي، الذي يمتلكُ محلًّا قريبًا من المسجد الإبراهيمي، أشار إلى أن أهداف المستوطنين خبيثة فيما يخص هذا المشروع، فمنذ الإعلان عنه لا يوجد أي مخطط يوضِّح بالضبط كيفية سير البناء فيه، لكن هذا معناه استعمار استيطاني جديد.
يقول أيضًا: “لم نعتَد على أية بصمة خير في هذه المنطقة من الجهات الإسرائيلية، إنشاء المصعد معناه هيمنة من نوع جديد، وللتضييق على الفلسطينيين، إنهم يهدفون إلى طمس التاريخ، وليس من الغريب عليهم أن يقوموا بوضع إضافات على المصعد لتعطي دلائل وإشارات أن المصعد توراتي”.
ويشعر المواطن بدر بالأسى لأنه لا يوجد أي تحرُّك محلي أو دولي على أرض الواقع يشفي الغليل، أو يبيّن كمية الدمار والانتهاك الكبير الذي يقوم به الاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال يشرع بعمليات حفر لإنشاء مشروع المصعد في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل (وفا).
فرضت “إسرائيل” واقع احتلال على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشدَّدة على الحرم، ووضعت على مداخله بوابات إلكترونية، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه (حوالي 60%) بهدف تهويده والاستيلاء عليه.
كما وضعَ الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقَ معظم الطرق المؤدية إليه بوجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشدَّدة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخانَي الخليل وشاهين، وشارعَي الشهداء والسهلة؛ وبهذه الإجراءات فُصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطهما.