هل يمكن أن تؤثر ديمقراطية تونس في تعداد داعش؟

ترجمة وتحرير نون بوست
تُعد هزيمة حزب النهضة، في الانتخابات البرلمانية التونسية الأسبوع الماضي، تراجعًا لفضيل من الإسلاميين يسعى لتحقيق أهدافه عبر السياسة الديمقراطية. انتشرت الأحزاب الإسلامية بقوة إبان الربيع العربي في ٢٠١١، وستبقى قوة هامة في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها تواجه تحديًا يتمثل في عودة النُظم الاستبدادية. في الوقت الراهن، ستشعل إخفاقات الأحزاب الإسلامية أرصدة منافسيهم، الجهاديين، والذين تزيد فرصهم بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية دون أن تحل محلها منظومة سياسية ديمقراطية.
جاء حزب النهضة، الذي فاز في انتخابات 2011 بفارق كبير عن منافسيه (رُغم حصوله على 37٪ فقط)، في المركز الثاني، بحصوله على 69 مقعدًا، وقد أقر بهزيمته في الانتخابات. في حين حصل المنافس العلماني الرئيس للحزب، وهو حزب نداء تونس، على 89 مقعدًا. في الأشهر السابقة للانتخابات، اقترح كلاهما أن يشكلا تحالفًا كبيرًا، ولكن التصريحات الصادرة عن قادة نداء تونس بعد فوزه — والتي تشير لتشكيله حكومة مع أحزاب أخرى — تثير الشك حول إمكانية هذا التعاون الإسلامي—العلماني.
قد تُنذر خطوة كهذه بنهاية التعاون العابر للأيديولوجيات الذي يجري منذ الانتخابات الماضية، والذي مكّن تونس من المضي في طريق الديمقراطية وتجنّب المصير المصري، حيث أوقفت العملية الديمقراطية بعد أن أسقط الجيش المصري حكومة الرئيس السابق محمد مُرسي المدعومة من الإخوان المسلمين استجابة لانتفاضة شعبية في انقلاب يوليو 2013. لا يبدو أن تونس ستحذو حذو مصر، ولكن هناك مخاوف من تراجع الربيع العربي في مهده نحو الاستبداد إذا ما فاز نداء تونس بالانتخابات الرئاسية — وهو الحزب الذي يهيمن عليه الأعضاء الموالون لنظام بن علي المخلوع.
واقع منقسم
هنا تكمن المعضلة التي يشكلها التحول الديمقراطي والإسلام السياسي: فالغرب قد يفضّل ظهور العلمانيين، وهم أكثر شبهًا به، في هذه المنطقة المأزومة من العالم، ولكن هذا لن يحدث. الإسلاميون، الذين يسعى الكثير منهم نحو تحقيق أهدافه بسبل ديمقراطية، بينما يسير بعضهم الآخر في طريق التمرد المسلح (وهناك أصناف كثيرة أخرى تقع بين هذا وذاك)، هم الواقع في هذه المنطقة.
الهم الأساسي للمنظومات السياسية في العالم العربي، وكذلك كافة الأطراف الدولية المعنية، هو كيفية التعامل مع المطالبات بالديمقراطية واحتواء الإسلاميين المتطرفين في آن. تمثل تونس حالة نادرة، حيث سمحت عملية التحول الديمقراطي الناجحة — حتى الآن على الأقل — بتداول سلمي للسلطة من الإسلاميين إلى العلمانيين. كافة الدول الأخرى التي وصل لها الربيع العربي تظل حتى اليوم تحت حكم استبدادي (مثل مصر والبحرين)، أو قد انهارت بالفعل إلى الفوضى (مثل ليبيا وسوريا واليمن).
في الحالة الأخيرة، مهّدت الفوضى الطريق لصعود القوى الجهادية، والتي ترغب في تأسيس دولة إسلامية عن طريق القوة في بلدانها، أو الدخول في صراع دموي لمسح الحدود بين الدول وتأسيس “خلافة”. حتى في الحالات التي نجح النظام القديم فيها في الاستمرار، يظل الوضع غير مستقر نهائيًا — وهي مصر بشكل أساسي. في هذه الدول، يظل العامل المشترك بين القطبين الأيديولوجيين هو الميل إلى الاستبداد.
يسعى الإسلاميون المتطرفون لاستبدال الأتوقراطيين العلمانيين بنسختهم الخاصة من الأتوقراطية، وفي كافة الأحزاب السياسية الرئيسة، سواء أكانت إسلامية أو علمانية، يتراوح الالتزام بالمبادئ الديمقراطية من كونه التزامًا ضعيفًا حتى يتلاشى تمامًا عند البعض، كما هو واضح في الحالة المصرية من تصرفات جماعة الإخوان المسلمين ومنافسيها العلمانيين. هنا تكمن فرادة النموذج التونسي، على الأقل في سنواته الثلاثة الماضية.
مصير تونس
اتفق النهضة وغريمه العلماني على العمل بشكل يعزز الديمقراطية في تونس، ولا يزال على عاتقهم حل مشاكلة بلادهم المزمنة، ولكن دون اللجوء إلى طريق العنف. إذا فشل قطبا تونس الإسلامي والعلماني في المضي قدمًا في طريق مشاركة السلطة هذا، فإن هذا البلد المغاربي الصغير قد يتبع في النهاية الطريق العام الذي تسير فيه المنطقة.
لنضع في اعتبارنا أن هناك عددًا كبيرًا من المقاتلين التونسيين بالفعل في سوريا والعراق في صفوف المجموعات الجهادية — إذا حسبنا عددهم بشكل مطلق، أو كنسبة من تعداد السكان التونسي. تنقسم تونس إذن بين حزب إسلامي معتدل، وأحزاب علمانية متشددة، وتوجه سلفي وجهادي يرفض العملية السياسية برمتها، وفي جميع الأحوال، النهضة يجسد الحل الوسط بين التطرف الإسلامي والتشدد العلماني.
الوسطية بين الإسلاميين لن تتحقق إذا ما عمد العلمانيون إلى سياسات متشددة، وقد يدفع إجهاض الديمقراطية هؤلاء الوسطيين في النهاية نحو التطرف والعنف. تصب نتيجة كهذه في صالح الجهاديين، وهم أصحاب مصلحة في فشل تجربة الديمقراطية في المنطقة، وانهيار الدول معها في آن.
المصدر: ستراتفور