أكثر من مرة يعود فيها المستشفى التركي للحروق إلى الواجهة، بعد حفل تدشينه وافتتاحه قبل 10 سنوات دون أن يبصر النور، ودون أن يتمكّن المعنيون في البلد من تشغيله، وتبقى كل الوعود حبرًا على ورق، واليوم عادَ الحديث عن المستشفى ومطالبات شعبية ورسمية بافتتاحه، بعد انفجار عكّار الذي أودى بحياة 28 شخصًا وأكثر من 80 جريحًا.
وكان مستشفى الحروق التركي قد أعيد تأهيله بعد مجيء وفد تركي رفيع المستوى إلى لبنان، حين وقعت كارثة انفجار مرفأ بيروت، وقد أتى التجهيز لافتتاح المستشفى التركي بصيدا ضمن حزمة مساعدات قدمتها تركيا إلى لبنان.
أصرَّ الوفد على ضرورة تشغيل المستشفى في أقرب وقت ممكن، كما صرّحَ مسؤول الوفد التركي استعداد بلده للمساهمة من جديد في تذليل العقبات التي تحول دون بدء العمل في المستشفى، خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد طلبَ بالإسراع في افتتاحه.
أهمية المستشفى وموقعه الجغرافي
تبرّعت تركيا ببناء مستشفى للحروق في مدينة صيدا، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وتمّ الانتهاء من بنائه عام 2010، برعاية وحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (رئيس وزراء تركيا آنذاك)، والرئيس سعد الحريري (رئيس وزراء لبنان في الفترة نفسها)، وشكّل حينها ترجمةً لدعم تركيا للبنان بوجه الاعتداءات الإسرائيلية.
يُعتبر هذا الصرح الطبّي أول وأحدث مستشفى من نوعه في لبنان، متخصِّص بعلاج الحروق والحالات الطارئة مثل الحوادث وإصابات الرصاص والآلات الحادة والسقوط، كما يعمل أيضًا على إعادة تأهيل المصابين.
يغطّي المستشفى التركي منطقة جغرافية تبدأ من حدود العاصمة بيروت إلى الحدود الجنوبية، وشرقًا إلى الشوف، وهناك حاجة إلى هذا النوع من الاستشفاء نتيجة الحوادث المتكرِّرة والاضطرابات الأمنية التي عادة ما يمرّ بها لبنان.
يوجد في المستشفى 103 أسرّة بما فيها العناية الفائقة، يحتاج إلى 333 موظفًا مع الأطباء والممرضين، ما لا يُعتبر بالعدد الكبير لأن أي مستشفى متخصِّص آخر مثله يحتاج إلى عدد أكبر من هذا، لأن نوعية الاستشفاء تختلف.
يقوم المبنى وحده على مساحة 4 آلاف متر مربّع، فيما مساحته الإجمالية كطوابق نحو 16 ألف متر مربّع.
يقع المستشفى عند المدخل الشمالي للمدينة، وقامت وكالة “تيكا” التركية ببنائه على أرض قدّمتها بلدية صيدا تبلغ مساحتها 14 دونمًا، وبتجهيزه بأحدث المعدّات، حيث بلغت كلفة البناء والتجهيز نحو 20 مليون دولار أميركي.
ويقومُ المبنى وحده على مساحة 4 آلاف متر مربّع، فيما مساحته الإجمالية كطوابق نحو 16 ألف متر مربّع، ويضمّ 4 غُرف عمليات و16 غرفة عناية فائقة، ووحدة مركزية لحالات الطوارىء الطبية.
إغلاق دام أكثر من 10 سنوات، فما هو السبب؟
بعد مرور 10 سنوات على حفل التدشين، ما زال المستشفى مغلقًا ولم يتم افتتاحه، رغم أنه من أبرز المشاريع الطبية الحديثة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
السبب الرئيسي لعدم افتتاح المستشفى هو الخلاف السياسي والطائفي على مجلس إدارته والحِصَص في التوظيف، علمًا أنه عندما تمّ تقديم قطعة الأرض من قبل بلدية صيدا لإنشاء المستشفى، كان الغرض منه حصول أبناء المدينة على فرص عمل به، لكن برزت العوائق من قبل الأطراف السياسية التي اعتادت على المحاصصة الطائفية، وبقيَ المستشفى مغلق كل هذه المدة.
حتى إن أحد الوزراء الذين اعترضوا على وجود المستشفى، قال: “لماذا سيكون في مدينة صيدا مستشفيان حكوميان، وفي مناطق أخرى لا يوجد مستشفى حكومي واحد”، علمًا أن المستشفى هو لمعالجة كل اللبنانيين وليس لأبناء صيدا فقط، وإحدى الطوائف طالبت بحصّة في التوظيف والمراكز المهمة في المستشفى، وتمسّكت بطلبها.
وقال عضو مجلس بلدية صيدا، كامل كزبر: “حاولنا أن يكون العقد بين الحكومة التركية وبلدية صيدا كي يكون للبلدية الحرية في فتح وتنظيم عمل المستشفى، إلا أن الحكومة التركية أصرّت على أن يكون الاتفاق مع الحكومة اللبنانية ووزارة الصحّة، وكانت حجّة وزارة الصحّة اللبنانية عدم وجود إمكانات لافتتاح المستشفى”.
أضافَ كزبر أنه “بعد انفجار مرفأ بيروت الكارثي، زارَ الممثِّل الخاص للرئيس التركي، البروفيسور سيركان توبال أوغلو، على رأس وفد تركي كبير، المستشفى برفقة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن، وتمّ تدريب ممرضين وممرضات في تركيا على نفقة الحكومة التركية”.
لكن الجانب التركي بدوره يريد التعامُل مع لبنان بالأُطُر القانونية، أي مجلس الوزراء ووزارة الصحة، أما موضوع التوظيفات قانونيًّا يجب أن يتم من خلال مجلس الخدمة المدنية، وحاليًّا هذا المجلس معطّل، وعندما تكون الأطراف السياسية متّفقة يتم تجاوز بعض الخروقات في القانون، أما في حال عدم الاتفاق فيما بينها يتم الاعتراض على أي خرق في القانون.
في لبنان يوجد مركزان متخصّصان فقط، هما مستشفى السلام في طرابلس شمالًا، ومستشفى الجعيتاوي في بيروت، بيد أن الإمكانات ضعيفة ولم تستطع استيعاب عدد المصابين في الانفجار.
الذي حصل مؤخرًا أن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، عيّن مجلس إدارة للمستشفى دون أخذ رأي الأطراف السياسية في المدينة، وهذا الأمر لا يتم بهذه الطريقة بحسب العُرف السياسي المتّبع في لبنان.
ويحاول رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي، جمع الأطراف السياسية لتذليل العقبات، وأن يقنع وزير الصحة بأن هذا الأمر يتم من خلال توافق سياسي في المدينة، كما طالبَ بأن تكون معايير مجلس الخدمة هي معيار التوظيف بحسب الكفاءة، وليس بحسب معيار طائفي أو سياسي.
الحاجة إلى المستشفى ومطالبات رسمية بافتتاحه
برزت الحاجة الشديدة الى المستشفى التركي مؤخرًا، بعد انفجار شاحنة الوقود في التليل شمال لبنان، حيث كانت أكثرية المصابين تعاني من حروقٍ متفاوتة الخطورة، وفي لبنان يوجد مركزان متخصّصان فقط، هما مستشفى السلام في طرابلس شمالًا، ومستشفى الجعيتاوي في بيروت، بيد أن الإمكانات ضعيفة ولم تستطع استيعاب عدد المصابين في الانفجار.
الحاجة الشديدة دفعت إلى البحث من جانب وزارة الصحة لنقل الجرحى إلى خارج لبنان، حيث أبدت العاصمة التركية أنقرة استعدادًا لنقل حالات الحروق الصعبة، ويحتاج لبنان اليوم إلى طواقم طبية بشرية، وأقسام متخصِّصة، ومستلزمات طبية وأدوية خاصة، وهو ما يعاني منه نتيجة الأزمة، عدا عن أزمة المازوت، وبالتالي انقطاع الكهرباء.
من هنا دعا الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللبنانية، اللواء محمد خير، إلى تسريع افتتاح المستشفى التركي في صيدا (جنوب لبنان)، لعلاج ضحايا انفجار شاحنة الوقود في عكّار.
جاء ذلك في تصريح لوسائل إعلام محلية، عقب ساعات على وقوع الانفجار في بلدة التليل بقضاء عكار، كما وجّه محمد خير نداءً إلى المنظمات الدولية العاملة في لبنان، بتسليم المستشفيات مستلزمات طبية خاصة بمعالجة الحروق.
الجماعة الإسلامية في صيدا بدورها أيضًا، في تصريح حادّ اللهجة، طالبَت بافتتاح المستشفى التركي، ودعت إلى حركة اعتصام واحتجاج أمام مستشفى الحروق للإسراع في افتتاحه.
المناخ السياسي اللبناني غير مبشِّر وغير مشجِّع، رغم الضغط الشعبي والخارجي بافتتاح المستشفى الذي بات لبنان بحاجة ماسّة إليه.
وبعد اجتماع رئيس الجمهورية اللبناني، ميشال عون، مع المجلس الأعلى للدفاع، جاء في أحد مقرّرات المجلس الأعلى للدفاع التالي: بلاغ وزارة الصحة العمل على افتتاح المستشفى التركي المخصَّص للحروق في صيدا وتشغيله في أقرب وقت ممكن، على أن يتم إصدار موافقة استثنائية تُعرَض لاحقًا على مجلس الوزراء للسماح بالتوظيف وفقًا لعقود مؤقتة، إلى حين السماح بالتوظيف وفقًا للقوانين والأنظمة المرعية.
وهنا يكمن السؤال: هل سيُنفَّذ قرار المجلس الأعلى للدفاع بافتتاح المستشفى؟ أم سينضمّ إلى حزمة القرارات غير المنفّذة في ذلك الدرج الذي يحتوي قوانين وأوراقًا أكلها الغبار ومضى عليها الزمن؟ وفي هذه الأجواء السياسية المشحونة في لبنان، وبعد تراشُق الاتهامات بين الأحزاب، هل سيتم التوافق على افتتاح المستشفى بحسب الحِصَص السياسية؟
إن المناخ السياسي اللبناني غير مبشِّر وغير مشجِّع، رغم الضغط الشعبي والخارجي بافتتاح المستشفى الذي بات لبنان بحاجة ماسّة إليه، حيث للأسف المحاصصة السياسية والطائفية والحزبية في لبنان تدخل دائمًا في جميع نواحي الحياة، بما فيها القطاع الطبي، بعكس دول العالم التي تعتمدُ على الكفاءة والجدارة.