شهدت إيران ارتفاعا حادا في عدد الأثرياء من المليونيرات الجدد خلال السنة الماضية، على الرغم من تعرض البلاد للعقوبات الأمريكية المكبلّة ومعاناتها من موجات متعددة من تفشي فيروس كوفيد-19.
وفقا لأحدث تقرير عن الثروة العالمية من شركة كابجيميني، سجلت الجمهورية الإسلامية أكبر ارتفاع في العالم من حيث عدد الأفراد ذوي القيمة الصافية العالية في سنة 2020، حيث تضم ما لا يقل عن 250 ألف مليونيرا، حيث قفزت ثلاثة مراكز لتحتل المرتبة 14 على مستوى العالم. وفقا للتقرير، تجاوز عدد المليونيرات في إيران الآن العدد الموجود في إسبانيا وروسيا والبرازيل وجارتها الغنية بالنفط ومنافستها الإقليمية، المملكة العربية السعودية. لكن في ظل تعرض البلاد للعقوبات الأمريكية المكبلة وارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن فيروس كوفيد-19 وتسجيل وفاة واحدة على الأقل كل دقيقتين، تساءل بعض الإيرانيين عن كيفية اكتساب البلاد هذا العدد الكبير من أصحاب الملايين.
قال مطور الأعمال المتواجد في طهران والذي يقدم الاستشارات للأفراد الأثرياء، رضا غيابي، لموقع ميدل إيست آي: “أن تصبح مليونيرا أمر مقبول تماما في مجتمع رأسمالي، ولكن في بلد يهتف بشعارات مناهضة للرأسمالية ويعتبرها جزءا من مُثُلها الثورية، يعدّ هذا الأمر غريبا بعض الشيء وغير مقبول تماما في المجتمع. ويختلف الوضع تماما عن أولئك الذين تمكنوا من كسب الملايين في وادي السيليكون في مجتمع رأسمالي مثل مجتمع الولايات المتحدة.”
عندما أطاحت بعض المجموعات الاجتماعية بالنظام الملكي الإيراني في عام 1979، مما مهد الطريق لتأسيس الجمهورية الإسلامية، ساد تصور انتشر على نطاق واسع يقول إن عصر الرأسماليين قد انتهى، وأنه سيتم تأسيس نظام جديد يقوم على التوزيع العادل للثروة. صرّح آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لصحيفة نيويورك تايمز عام 1988: “نحن عازمون على اقتلاع جذور الصهيونية والرأسمالية والشيوعية المفسدة في العالم. وقررنا التوكل على الله سبحانه وتعالى لتدمير الأنظمة التي تقوم على هذه الركائز الثلاث”.
العقوبات المكبلة
خلال معظم العقود الأربعة الماضية، حاولت إيران أن تنأى بنفسها عن الرأسمالية، وهي نظام مرتبط بنظام الشاه وبالولايات المتحدة. ومع ذلك، يقول المحللون إن خلفاء الخميني لم يأخذوا شعاراته الثورية على محمل الجد على ما يبدو، وهو ما تأكّده أعداد الأفراد ذوي القيمة الصافية العالية في إيران.
ما يجعل تصنيف الأثرياء العالمي في إيران أكثر إثارة للإعجاب هو أن البلاد شهدت زيادة في عدد سكانها بنسبة 21.6 بالمئة، ونمت ثروة أصحاب الملايين فيها بنسبة 24.3 بالمئة في عام 2020، على الرغم من تصارع الدولة مع العقوبات الأمريكية. في هذا الشأن، قال وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، هذا العام إن عقوبات واشنطن ألحقت أضرارا إقتصاديّة بقيمة تريليون دولار.
أصبحت إيران خاضعة لسلسلة من العقوبات الأحادية المستمرة منذ عام 2018، أي منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع اقتراب نهاية فترة ولاية ترامب، بدأت واشنطن تحويل تركيز عقوباتها، وتحديدا فرض تدابير غير متعلقة بالأسلحة النووية. بدت التحركات استراتيجية وكأنها استباق لخطط الرئيس جو بايدن التي تهدف لاستئناف الاتفاق مع إيران، حيث حذر المحللون من صعوبة إلغاء العقوبات غير النووية خلال المفاوضات النووية. أدت العقوبات، التي لم يقع تخفيفها خلال جائحة كورونا، إلى زيادة تكلفة المعيشة للناس العاديين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع اليومية، بما في ذلك الغذاء والدواء.
مشاكل سوق الأسهم
وفقا لتقرير الاستثمار العالمي الأخير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران بعد أن كان أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2017 إلى 1.5 مليار دولار في عام 2019 و 1.3 مليار دولار في عام 2020. بالإضافة إلى ذلك، ووفقا للبنك الدولي، تراجعت صادرات البلاد من السلع والخدمات من 111 مليار دولار في عام 2017 إلى 98 مليار دولار في عام 2018 ثمّ إلى أقل من 29 مليار دولار في عام 2020. وقال غيابي إن نجاح أصحاب الملايين في إيران يرجع إلى حد كبير إلى الأموال التي يمتلكها المواطنون العاديون، وليس رائدو الأعمال.
في هذا السياق، يقول غيابي إن “معظم أصحاب الملايين الإيرانيين ليسوا منتجين ولا رواد أعمال ولا يجيدون حتى جذب الاستثمار”. ويضيف المصدر ذاته أنه “في ظل غياب الاستثمار الأجنبي وفرصة نمو الاقتصاد الإيراني، زادت ثروة أصحاب المليارات، ليس من خلال الإيرادات الأجنبية أو دخل الإنتاج، وإنما من خلال أموال غير الأغنياء”. حسب ما ورد في تقرير لمجلة فوربس، ضخّت الحكومة الإيرانية خلال شهر أيلول/ سبتمبر، واحد بالمئة من صندوق الثروة السيادية – المال العام – في بورصة طهران للأوراق المالية، مما ساعد على تحفيز ازدهار ثروة أصحاب الملايين.
علاوة على ذلك، جاء في تقرير الثروة العالمية “بين شهري آذار/مارس وتموز/يوليو 2020، أن قيمة التجارة في بورصة طهران للأوراق المالية ارتفعت بنسبة 625 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة، كما سجلت بورصة طهران للأوراق المالية مستوى قياسي في أوائل شهر آب/أغسطس”. مع ذلك، انفجرت فقاعة البورصة وخسر الكثير من الإيرانيين العاديين الذين شجعتهم الحكومة على استثمار أموالهم في بورصة طهران للأوراق المالية، ثروة هائلة.
منذ شهر أيلول/سبتمبر 2020، نظم المساهمون الذين تكبدوا خسائر فادحة احتجاجات في عدة مدن. خلال شهر نيسان/ أبريل، هزّت المظاهرات شوارع طهران ومشهد وأصفهان وتبريز، حيث ألقى المستثمرون باللوم علنا على المرشد الأعلى علي خامنئي ومسؤولين كبار آخرين، بمن فيهم الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، بخصوص الخسائر التي تكبّدوها.
من جانبه، صرّح محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، في مقابلة في وقت سابق من السنة الجارية، أن حوالي 150 شخصًا تتجاوز أصولهم القابلة للاستثمار 1 تريليون تومان [40 مليون دولار] … سحبوا أموالهم من البنك قبل أن تخفض الحكومة أسعار الفائدة، ثم دخلوا أسواق العملات الأجنبية أو الذهب أو الأسهم أو العقارات”.
من جانب آخر، أضاف رضائي، مشيرًا إلى أن استثمارات الإيرانيين العاديين سبقت بأسابيع فقط بداية تراجع البورصة في آب/أغسطس 2020، :”دخل هؤلاء الأشخاص إلى سوق الأوراق المالية من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 إلى آذار/مارس 2020. وأدى استثمارهم في بورصة طهران للأوراق المالية إلى زيادة بنسبة 500 بالمئة في قيمة الأسهم. وبدأت الطبقة الوسطى في دخول سوق الأوراق المالية خلال شهر نيسان/أبريل وأيار/مايو وحتى الطبقات الفقيرة باعت ممتلكاتها واستثمرت في بورصة طهران للأوراق المالية خلال شهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2020″.
العملات الرقمية
ساعدت سوق العملات المشفرة أصحاب الملايين الإيرانيين على أن يصبحوا أكثر ثراءً. يدير الأشخاص العاملين في مجال تعدين العملة الرقمية “مزارع” قوية تتضمن استثمارات كبيرة في مراكز بيانات الكمبيوتر التي تتطلب كميات هائلة من الطاقة الكهربائية. يكافئ المعدنون مقابل تدقيق المعاملات بعملات معدنية جديدة. تشتهر عملة البيتكوين بالتقلب، وهي من إحدى العملات الرقمية الرئيسية في العالم التي بلغت قيمة الوحدة منها حاليًا أكثر من 44 ألف دولار، وقد وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 63 ألف دولار خلال شهر نيسان/أبريل.
في هذا الإطار، صرح آريان، مُعدن البيتكوين في طهران، لموقع ميدل إيست آي، بأنه يعرف أشخاصًا قاموا بتعدين العملة الرقمية الشعبية على نطاق صناعي وجنوا مبالغ ضخمة حتى حادثة انقطاع التيار الكهربائي الكبيرة، التي يدعي الكثيرون أنها ناجمة عن نشاط مزارع العملات المشفرة المكثف، مما دفع الحكومة الإيرانية إلى تعليق جميع أنشطة عمليات التعدين لبضعة أشهر.
في كانون الثاني يناير، أغلقت مزرعة تعدين صينية بالقرب من مدينة رفسنجان الإيرانية، يقال إنها واحدة من أكبر هذه المزارع في الشرق الأوسط، مؤقتًا بعد أن ذكرت وسائل الإعلام المحلية أنها كانت تستخدم 175 ميغاواط ساعة من الكهرباء. وتعتبر المزرعة، التي توظف 54 عامل تعدين، أكبر موقع مرخص لتعدين البيتكوين في البلاد، حيث تستخدم حوالي ثلث إجمالي الطاقة المخصصة لعمليات تعدين العملات الرقمية في إيران.
نظرًا للكهرباء منخفضة التكلفة والمدعومة، برزت إيران كوجهة مهمة للتعدين، حيث أفادت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج بأن البلاد تستهلك أكثر من 4.6 بالمئة من الطاقة الحاسوبية العالمية المستخدمة في تعدين البيتكوين.
من جانب آخر، ذكر تقرير الثروة العالمية أن حوالي 72 بالمئة من أصحاب الثروات الإيرانية استثمروا في العملات المشفرة. في الأثناء، تقدر غرفة التجارة في طهران أن حوالي 12 مليون إيراني، أي 15 بالمئة من السكان، استثمروا في العملات المشفرة. أما في سنة 2019، كشفت فاطمة ذو القدر، نائبة البرلمان الإيراني، أن استديوهين تابعتين للتلفزيون الحكومي كانا متورطين في أنشطة متعلقة بتعدين العملات المشفرة. في المقابل، نفى محمود واعزي، رئيس ديوان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، التقارير، قائلاً إن “الحكومة لا تملك مزارع تعدين”. مع ذلك، لم يشر إلى العمليات المزعومة للقنوات التلفزيونية الحكومية.
المصدر: ميدل إيست آي