ترجمة حفصة جودة
كان الرئيس جيرالد فورد في اجتماع مع فريق الطاقة عندما جاء نائب مستشار الأمن القومي وقدم له مذكرة، كانت تحذر من أن سايغون تسقط وبشكل أسرع من المتوقع، كان الكونغرس والبنتاغون يضغطان عليه بشدة منذ أسابيع لإجلاء الأمريكيين وحلفائهم من جنوب فيتنام بشكل أسرع، وحينها كان الوقت ينفد سريعًا.
هذا ما واجهه فورد مساء 28 من أبريل/نيسان 1975 ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه الآن، بعد 20 عامًا من التدخل الأمريكي في أفغانستان، استولت طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، بينما اندفعت الولايات المتحدة لإجلاء موظفي السفارة، وسارعت لإنقاذ ونقل الأفغان الذين ساعدوا الجيش الأمريكي.
بدأت طائرات الهليكوبتر بالهبوط عند السفارة الأمريكية يوم الأحد، بينما تصاعد الدخان من فوق سطح السفارة حيث يحرق الدبلوماسيون الوثائق حتى لا تسقط في أيدي طالبان، أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن: “هذه ليست سايغون إطلاقًا”.
لكن مشهد الفوضى واليأس في مطار كابول يوم الإثنين يجعل هذه المقارنات محتومة، فقد قُتل على الأقل 5 أشخاص وعلقت القوات الأمريكية أي عمليات جوية، في خطابه ظُهر الإثنين دافع الرئيس الأمريكي بايدن عن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ما يذكرنا بالرئيس جيرالد فورد وسقوط سايغون، كان بايدن عضوًا جديدًا في مجلس الشيوخ آنذاك.
يقول بايدن: “لقد تعهدت للرجال والنساء الشجعان الذين خدموا الأمة بأنني لن أطلب منهم مواصلة المخاطرة بحياتهم في عملية عسكرية كان من المفترض أن تنتهي منذ وقت طويل، لقد فعل قادتنا ذلك في فيتنام عندما كنت شابًا صغيرًا، ولن أفعل ذلك في أفغانستان”.
في عام 1975 التقى فورد بمستشاره للأمن القومي في غرفة اجتماعات “روزفيلت رووم” بالبيت الأبيض، ورغم أن سلفه ريتشارد نيكسون كان قد سحب القوات الأمريكية من الحرب قبل عامين، فإن الدبلوماسيين وموظفي المخابرات وعددًا صغيرًا من أفراد الخدمة ظلوا هناك.
المواطنون في مطار كابول يحاولون اللحاق بطائرة أمريكية قبل إقلاعها
كان بعضهم في مكتب ملحق الدفاع بقاعدة تان سون ناهت الجوية، وبعضهم في السفارة الأمريكية في مركز المدينة، وبعضهم في منازلهم، بالإضافة إلى آلاف الفيتناميين الجنوبيين الذين ساعدوا الولايات المتحدة وكانوا يتوسلون لمساعدتهم في الخروج.
أمر فورد بالإجلاء باستخدام طائرة “C-130” لكن بعد عدة ساعات كانت طائرتان تحلقان في السماء وقرر الجيش أنهما لن يستطيعا الهبوط، فعلى أحد جانبي المطار كانت مجموعة من قوات الفيتناميين الشماليين تنتظرهم هناك، وعلى الجانب الآخر سدّت متعلقات الفيتناميين الجنوبيين المهملين وآلاف اللاجئين اليائسين مدرج المطار.
كان الوقت متأخرًا ليلًا هذا اليوم بينما يوافق منتصف اليوم التالي في سايغون، عندما أوصل هنري كيسنغر – مستشار الأمن القومي آنذاك ووزير الخارجية – هذه الأخبار لفورد عبر الهاتف، في الوقت نفسه تقريبًا أبلغ غراهام مارتين – السفير الأمريكي في جنوب فيتنام – البيت الأبيض بأن موظفي السفارة ممنوعون من الوصول إلى المطار، وأن الممر البحري محظور كذلك، والآن لا طريق للخروج إلا باستخدام الهليكوبتر.
انطلقت الإشارة المحددة مسبقًا للأمريكيين في سايغون عبر إذاعة القوات المسلحة التي كانت موسيقي فيلم “White Christmas”، بدأت عملية “Frequent Wind” التي كانت أكبر محاولة للإجلاء باستخدام هليكوبتر.
خلال الـ19 ساعة المقبلة، نقلت أكثر من 80 طائرة هليكوبتر – تحمل الواحدة منها 50 فردًا – الأمريكيين والفيتناميين إلى أسطح السفن الأمريكية الآمنة في بحر جنوب الصين، كانت طائرة هليكوبتر تهبط كل 10 دقائق في موقف السيارات بالسفارة الأمريكية أو في المطار المتهدم لتنقل حمولة أخرى، تسلق آلاف المدنيين جدران السفارة آملين في الوصول إلى واحدة من تلك الطائرات، بينما كان موظفو السفارة يعالجون التأشيرات بأسرع ما يمكن.
في أحد المباني السكنية في المدينة كان هناك مزيج من الدبلوماسيين وموظفي المخابرات وموظفين فيتناميين محاصرين داخله، لذا بدأت طائرات الهليكوبتر بعملية هبوط جريئة على سطح صغير بالمجمع السكني لإنقاذهم، في فندق يبعد نصف ميل عن المبنى، التقط مصور “United Press International” هوبرت فان إس صورةً لهذا الإجلاء لتصبح أكثر صورة رمزية معبرة عن سقوط سايغون.
في الرابعة صباحًا يوم 30 من أبريل/نيسان جاءت الأوامر بالسماح للأمريكيين فقط بالركوب في الطائرات المتبقية، وفي الخامسة صباحًا هذا اليوم جاءت الأوامر للسفير بركوب الطائرة التالية، في حال رفضه يخول لقوات المشاة البحرية المصاحبين له باعتقاله، اضطر آخر 200 أمريكي – معظهم من مشاة البحرية – إلى التحصن بالسطح لإبعاد الآخرين عنهم.
عندما أقلعت آخر طائرة هليكوبتر أمريكية في تمام الساعة 7:53 صباحًا، كان قد تم إنقاذ أكثر من 7 آلاف شخص – 5500 مدني فيتنامي ونحو 1500 أمريكي – وفقًا لوزارة الخارجية، بينما تُرك أكثر من 450 لاجئًا، خلال ساعات أعلن الفيتناميون الجنوبيون الاستسلام غير المشروط وانتهت حرب فيتنام.
لم تكن هذه نهاية عملية الإنقاذ، فقد استمر اللاجئون بالوصول إلى الأسطول الأمريكي عبر القوارب وطائرات هليكوبتر جنوب فيتنام، هبطت عدة طائرات على سطح السفن الأمريكية، ما أدى لوقوع الكثيرين من سطح السفن لإفساح المجال لهبوط المزيد من الطائرات.
في الوقت نفسه أطلق الرئيس الأمريكي بيانًا من البيت الأبيض يقول فيه: “هذا العمل ينهي فصلًا في التجربة الأمريكية، وأطالب جميع الأمريكيين بتوحيد الصفوف، وتجنب تبادل الاتهامات بشأن الماضي، والنظر إلى الأمام نحو أهداف أخرى نتشاركها، والعمل معًا في مهام عظيمة أخرى تحتاج لإنجازها”.
المصدر: واشنطن بوست