في أوائل سبتمبر من العام الجاري، طلبت مجموعة قنوات رواتانا الخليجية والتي يملكها الأمير السعودي “الوليد بن طلال” من موقع التواصل الاجتماعي للفيديو “يوتيوب” بإزالة برنامج شبابي يدعى “فتنة”، وذلك بحجة انتهاك الملكية الفكرية لروتانا من قبل أصحاب قناة برنامج فتنة.
فتنة؛ برنامج سعودي يقدمه شاب يدعى “عمر عبد العزيز”، يبلغ من العمر 23 عاماً ويدرس ويقيم في كندا؛ الأمر الذي ساعده على التكلم في أمور تخص المملكة العربية السعودية والعائلة المالكة وبطانة الملك، منتقدًا كثيرٍ من التصرفات والممارسات التي تمارس في المملكة دون أن يتجرأ أحد على انتقادها.
والفتنة.. مصطلح طالما استخدمه الفقهاء قديما لتبرير إغماض أعينهم تجاه المخالفات الشرعية التي يقع بها الحاكم، تارة متذرعين بإمارة المتغلب القادر على أن يريق الدماء في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، أو القوة الاجتماعية التي تسانده وقدرتها على جر البلاد لفتنة.
يجلس عمر على طاولة بسيطة أمام كاميرا، ومن خلفه كتبت كلمة “فتنة” بخط كبير، ومن ثم ذيّلت بجملة “والفتنة عكاز المستبد”، وبالرغم من الديكور البسيط، إلا أنه يظهر من خلال الحلقات الست التي تم بثها، متابعة فريق البرنامج والإعداد الممتاز للحلقات، مرفقينها بمقاطع فيديو معبّرة ومشهورة، وإثباتات ودلائل لما يقولون.
“الفتنة عكاز المستبد” كان هذا عنوان الحلقة الأولى من البرنامج، حيث تحدث فيها مقدم البرنامج لماذا كان “فتنة”، وكيف أن الأمور التي يطرحها البرنامج هي عادة ما تطرح في المجالس العامة أو الخاصة أو حتى وسائل الإعلام في السعودية، إلا أن كل من يطرقها يتهم بإثارة “الفتنة”.
وقال عمر في ذلك مستهزئًا من سؤال المعلقين على “برومو” البرنامج بمن يقف ورائهم: “إن هناك 5 إجابات لهذا السؤال، وعلى من سأل أن يختار، وهم: دولة قطر، الإخوان المسلمون، المخابرات الإيرانية، الماسونية، وتنظيم القاعدة”، وفي كل هؤلاء أمثلة اعتادت ألسنة الناس في السعودية على ترديدها في كل ما يخص أي فتنة أو أمر مشبوه يحدث في البلاد.
وتطرق المقدم إلى أن كثيرًا من المحتاجين في السعودية أو كبار السن عندما يطالبون بحق من حقوقهم، فهذا لا يعني أبدًا أنها فتنة، مضيفًا أنهم أحق بمبالغ النفط – في الدولة الأولى المصدرة للنفط عالميًا – من أن تذهب تلك المبالغ لدعم الانقلاب في مصر أو الجيش اللبناني.
وفي اقتباس من نهاية الحلقة الأولى يقول المقدم: “الفتنة في سكوتك عن الظلم، ورضاك وتبريرك للظالم، ومحاربتك للمصلحين تحت أي ذريعة، اليوم قد يقولون أنك أنت سبب من أسباب الفتنة، وغدًا سيعتقلونك لأنك أنت الفتنة بأم عينها”.
وكان البرنامج ذو شهرة محدودة قبل الحلقة الثالثة، والتي قال المعدون إنها كانت من المفروض أن تكون الأخيرة، إلا أن طلب روتانا بحذف البرنامج، والهاشتاج الذي نشط في تلك الفترة (#روتانا_تحجب_برنامج_فتنة)؛ جعل البرنامج يحظى بشهرة ومتابعة أكبر، إضافة إلى قرارهم باستمرار إنتاج حلقات أخرى.
تتابع البرنامج في 5 حلقات أخرى حتى الآن، جاءت الحلقة الثانية تحت اسم “البطانة مسمار جحا” التي تحدث فيها عن بطانة الملك عبد الله بن عبد العزيز، متسائلاً لماذا يتم إلصاق كل المشاكل في البطانة، ومضيفًا بأنها إن كانت سيئة.. فمن الذي عيّنها؟!
وفي الحلقة الثالثة تحدث عمر عن المثل السعودي الشائع “الله لا يغيّر علينا”، متستغربًا من انتشار حمّى هذا القول، على الرغم من الأشياء الكثيرة التي يجب أن تتغير، ولماذا “الله لا يغيّر علينا”؟.
أما الحلقة الرابعة فكان عنوانها “أهم شيء أمن وأمان”، وهي من الجمل المتداولة في بعض الدول العربية التي لم يصلها الربيع العربي، والتي تردد في كل مناسبة يتم فيها انتقاد بعض التصرفات الحكومية، ليقال “أهم شيء الأمن والأمان”، ومتذكرين ما حدث في بعض الدول الأخرى.
أما الحلقة الخامسة فجاء عنوانها تحت “هدية العيد أرضهم وحلال أبوهم” وتحدث فيها عن آل سعود وحكمهم للسعودية التي سُميت باسمهم.
الحلقة السادسة هي أحدث الحلقات وكانت تحت اسم “ضحكوا علينا باسم الدين”، مصوّرًا كيف وظُف الدين والمشايخ في السعودية لثبيت الحكم ومنع “الفتن”.
ومن الأشياء المميزة في البرنامج، هي محاولة المقدم عمر “استنطاق الجدران”، وهو ما يعني حث المواطنين على الكتابة على الجدران ما يجول في خواطرهم أو التعبير عن مظالمهم، وهي – حسب قوله – وسيلة سلمية للتعبير عن الرأي، الأمر الممنوع في السعودية والذي حدث أن طمست السلطات العديد من العبارات والرسومات المعبّرة من قبل، كما أنه يقوم بطرح كتاب في كل حلقة للقراءة الذاتية، والذي يكون في مضمونه قريبًا مما تتحدث الحلقة عنه.
كما أن البرنامج حريص على التواصل مع جميع السعوديين، ففي عدد من الحلقات، أخرج عمر الزهراني نسختين إحداهما بدون موسيقى لاحترام رغبات المشاهدين السعوديين الذين لا يرغبون في الإنصات للـ”معازف”.
برنامج فتنة، والذي يعد الأول من نوعه في السعودية متجاوزًا لكل الخطوط الحمراء، والتي تتمثل في الملك وحاشيته والأمراء والعائلة المالكة بشكل عام، ويكمن السر في ذلك هو وجود عمر خارج السعودية في كندا؛ الأمر الذي يعبّر عنه البعض بقولهم إنه لن ينجو قطعًا من الاعتقال، كما حدث مع آخرين عرضهم البرنامج.
وفي الوقت الذي عبّر البعض على شبكات التواصل الاجتماعي بأن “فتنة” يمثل الربيع العربي في السعودية بثورة ناعمة تتغلل شيئًا فشيئًا في المجالس الخاصة وشبكات التواصل بأسماء وهمية، انتقد آخرون كثر البرنامج معتبرين إياه محاولة لـ “التخريب” و”الفتنة”، متهمين نفس الأطراف التي ذكرها عمر في أول حلقة بدعم البرنامج وتمويله.
وفي حديث لعمر لموقع “شؤون خليجية”، قال عمر أنه حصل على اللجوء السياسي في كندا بعدما عرض أوراقه على الدوائر الرسمية هناك، كما نفى تمويله من أي أحد حتى الآن وأن برنامجه رخيص التكلفة، ونفى علاقته بالإخوان مؤكداً على أن موقفهم مشرف في مصر وغزة، ثم انتقد موقف الإخوان في العراق، ثم أكد على أن السلطات السعودية قادرة على حل جميع مشاكل المواطنين “بس ما تبغى”!
وتحدث القائمون على برنامج فتنة عن نيتهم توسيع عمليها بإنتاج برنامج كرتوني في المستقبل، وذلك في تغريدة على حسابهم في تويتر:
مفاجأة سارة سيتم إطلاق برنامج كرتوني تابع لقناة #برنامج_فتنة مما يعني أن الفتنة ستكون مستقبلا لكل الأعمار والفئات ترقبوا #فتنة_كارتون ..
— قـناة يقظة (@Yakathahtube) October 30, 2014
وحول تأثير حلقات برنامج فتنة في السعودية، قال عمر:
نقيس نجاحات أي حلقة بـ #برنامج_فتنة بحجم الاهتزاز الذي أحدثته على مقياس اللجان الأمنية الإلكترونية .. نبشرهم بأن القادم بإذن الله أجمل.
— عمر بن عبدالعزيز ? (@oamaz7) October 29, 2014
التعليقات على عمر وبرنامجه انقسمت في قطبين كعادة المجتمع السعودي، القطب الأول تحدث على خيانته للدين للوطن ولليد التي أطمعته متهمينه بالتحريض ضد الدولة، في ما قال آخرون أن هذا من تأثير برامج الابتعاث التي يرسل فيها الشباب للدراسة في الخارج، فيما أشار آخرون إلى “إهدار دمه”.
القطب الآخر “افتخر” بعمر وبعمله، مؤكدين على شجاعته وعلى صدق رسالته وأنه يعبر عن كثيرين ممن لم يستطيعوا البوح بما قاله عمر، خوفاً من الاعتقال أو التعذيب أو غير ذلك، في تقييد كامل للحريات في السعودية.
تحديث
1 ديمسبر 2014
في التاسع والعشرين من نوفمبر أصدر عمر الزهراني الحلقة الأخيره من برنامجه فتنة، بعنوان “ورا الشمس”
وبحسب توصيف الحلقة على موقع يوتيوب، فهي “حلقة عن حرية الرأي ونظرة سريعة على حال بعض المعتقلين وكيف تنتشر الشائعات المسيئة لهم بين الناس بترويج من جهات محسوبة على الدولة ويبقى السؤال : هل سيكون ما وراء الشمس مخيفا للأبد؟”
يمكنكم مشاهدة الحلقة هنا
وكتب المغردون في #فتنة وعمر، من كلا القطبين، مستهزئين أو مؤكدين أو مستنكرين:
#برنامج_فتنة يتصدر في قائمة اكثر المقاطع مشاهدة على اليوتيوب .
شكراً للحر عمر بن عبدالعزيز على جهوده العظيمة@oamaz7 pic.twitter.com/Gr4HBXSscD
— مـــســـتـــنـــيــر (@BlueSam2012) November 1, 2014
رغم الحجب والتضييق مقاطع #برنامج_فتنة تتصدر قائمة الأكثر متابعة في السعودية .. لن تستطيعوا حجب الحقائق للأبد.#ضحكوا_عليك_باسم_الدين
— قـناة يقظة (@Yakathahtube) November 1, 2014
في فترة كانت برامج اليوتيوب مشتعلة من يوتيرن وتلفاز واخيرا صاحي ووسط الزحمة هذي كنت اتمنى مثل باسم يوسف سياسي ساخر ذكي
وجاء عمر #برنامج_فتنة
— Abdalkhalq (@Abdalkhalq1) October 27, 2014
#برنامج_فتنة
عزيزي الحاكم نحن نتبرع لك ببطانة جديدة..فقط أعطنا الفرصة ? pic.twitter.com/pC4Kfdi9rC
— ناصر الفهد | Nasser (@n_alfahad10) August 27, 2014