منذ أن توقفَ زوجها عن العمل، بمدينة عدن جنوب اليمن في بداية العام 2019، استطاعت السيدة أماني قاسم مؤازرة عائلتها، والوقوف إلى جانبهم، وتمكّنت من كسر حاجز المجتمع، وبدأت بمزاولة التجارة لتوفير لقمة العيش لأفراد أسرتها، على غرار مئات النساء اللواتي يعملن لتأمين الغذاء في ظل الحرب في اليمن.
تقول أماني قاسم (40 عامًا): “منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل 7 سنوات، تعلمتُ الكثير من المهن أبرزها تطريز الملابس النسائية، وكانت فكرة إنشاء مشروع استثماري أشبه بالحلم”، لكنها تمكنت من فتح محل لبيع الملابس النسائية، في القرية التي تسكن فيها بريف محافظة إب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، إبّان سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في خريف 2014، وتدخُّل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في سبتمبر/ أيلول من العام 2015، تغيّرت حياة المرأة اليمنية وتضاعفت حجم التحديات أمامها، وعلى وجه الخصوص المرأة الريفية، حيث وجدت الكثير من النساء أنفسهن أمام تحمُّل أعباء المعيشة، خصوصًا مع انخراط الرجال في جبهات القتال.
ومع دخول الحرب في البلاد عامها السابع، تقول الأمم المتحدة إن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتدّ الجوع في المناطق المتضرِّرة من الصراع، ويحتاج ما يقارب 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وخلال سنوات الحرب في اليمن، تمكّنت العديد من النساء في البلاد من مقاومة ظروف الحرب القاسية، وساهمن بتأمين الغذاء، والوقوف إلى جانب أزواجهن، بالإضافة إلى دورهن في تربية الأبناء، كما عملت العديد من النساء في التجارة والحرف اليدوية، وكانت لهن إسهامات كبيرة في التخفيف من معاناة المواطنين.
مشاريع نسائية للعيش
في بداية العام 2020، بدأت السيدة أماني قاسم في العمل على إنشاء مشروعها الاستثماري، من خلال فتح محل صغير تعمل به في بيع الملابس النسائية، بالقرب من منزلها بريف مدينة إب وسط اليمن.
وجدنا أنفسنا عاجزين عن توفير أبسط المقومات الأساسية للحياة، ورغم أني كنت أعمل في تطوير الملابس النسائية في منزلنا، إلا أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية أثقلت كاهلنا.
تروي أماني تفاصيل المعاناة التي كانت تعيشها مع أفراد أسرتها، بعد توقف زوجها عن العمل بمدينة عدن، حيث تقول لـ”نون بوست”: “وجدنا أنفسنا عاجزين عن توفير أبسط المقومات الأساسية للحياة، ورغم أني كنت أعمل في تطوير الملابس النسائية في منزلنا، إلا أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية أثقلت كاهلنا، ما جعلني أفكّر بالعمل على مشروع أستطيع الربح منه”.
وتكمل: “تمكّنت من الحصول على مبلغ من أحد أقاربي، واستأجرت محلًّا بالقرب من منزلي، وبدأت بشراء الملابس النسائية وبيعها للنساء، رغم الصعوبات التي واجهتها في البداية، والتي من أبرزها تكاليف النقل بسبب المسافة البعيدة بين القرية والمدنية”.
وأضافت: “إن نظرة المجتمع والناس في المنطقة التي تسكن فيها كانت إيجابية، وأنها ناجحة في حياتها، واستطاعت الوقوف إلى جانب أفراد عائلتها ومساندة زوجها، ما يجعل الكثير من النساء يفكّرن بإنشاء مشاريع استثمارية على حد تعبيرها”.
العمل في الزراعة
تعمل المئات من النساء في المناطق الريفية بريف اليمن في الزراعة، خصوصًا مع التحول الذي طرأ على التركيبة السكانية بفعل الحرب المدمِّرة، أصبحت المجمعات الريفية تعتمد بدرجة أساسية في العمل الزراعي على المرأة، وتحمّلت المرأة الريفية العبء الأكبر في الاهتمام بالحقول والأراضي الزراعية.
ويعتمد السكان في المناطق الريفية على مياه الأمطار الموسمية لزراعة الحبوب، وأبرزها الذرة بمختلف أنواعها، وتكون النساء هنّ العنصر الأهم في العناية بالمزروعات، من أجل حصاد أكبر قدرٍ من الحبوب الذي يلبّي احتياجات الأسرة لأشهر، وأحيانًا لعام كامل على حسب خصوبة الأرض وهطول الأمطار.
ما أن يحلَّ موسم الصيف بريف محافظة إب وسط اليمن، حتى تبدأ السيدة حاكمة ناجي في إصلاح الأرض الخاصة بها وتهيئتها للزراعة، حيث تقضي معظم وقتها في العمل والقيام بكافة الأعمال الزراعية، منذ أن تضع البذور في الأرض وحتى موسم الحصاد.
تقول حاكمة ناجي (50 عامًا): “منذ وفاة زوجي الذي كان يعمل في البناء في العاصمة اليمنية صنعاء عام 2013، أعتمد بشكل أساسي على الأرض الزراعية في تأمين الغذاء لأفراد عائلتي”.
توضِّح حاكمة لـ”نون بوست” أهمَّ المحاصيل الزراعية، حيث تقول: “عند كل موسم زراعي نتمكّن من من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب المتنوِّعة، بين الذرة البيضاء والذرة الشامية، والبقوليات مثل الفاصولياء والفول والعدس، لكن ذلك يعتمد على كمية هطول الأمطار خلال الموسم الزراعي”.
وتمثِّل النساء عاملًا أساسيًّا في نجاح الموسم الزراعي السنوي، حيث يعملن بشكل يومي على جلب الأعلاف للأبقار والأغنام، وتخزينه للأيام التي تنقطع فيها الأمطار خلال السنة، بعد أن يتمَّ حصاد الحبوب ودخول فصل الشتاء، الذي تنعدم فيه الزراعة خصوصًا في المحافظات الواقعة وسط اليمن.
تعلمتُ صناعة البخور وتطوير الملابس النسائية، وتمكّنتُ من مساندة أسرتي وتوفير متطلبات الحياة اليومية لهم خلال السنوات الماضية.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن ساهمت المرأة الريفية بشكل كبير في العمل الزراعي، في محاولة للاكتفاء الذاتي من الحبوب بعد تدهور الدخل المادي لغالبية الأُسر التي كانت تعتمد على الرواتب الحكومية، وكانت القرى أيضًا ملاذًا لبعض المواطنين الذي استقروا بالمدن منذ سنوات، بسبب عدم قدرتهم على تحمُّل تكاليف المعيشة الكبيرة في المدن.
مشاريع متنوعة
تمامًا مثل أماني تعمل أم جمال في صناعة البخور وتطوير الملابس، في منزلها في العاصمة اليمنية صنعاء، لتأمين الغذاء لأفراد عائلتها بعد توقُّف راتب زوجها منذ أكثر من 5 سنوات، على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.
تقول أم جمال (38 عامًا): “تعلمتُ صناعة البخور وتطوير الملابس النسائية، وتمكّنتُ من مساندة أسرتي وتوفير متطلبات الحياة اليومية لهم خلال السنوات الماضية”.
وعن المشاريع النسائية التي ظهرت في العاصمة اليمنية صنعاء، توضِّح أم جمال لـ”نون بوست” أن العديد من النساء لجأن إلى اقتحام أسواق العمل، من خلال مهن ومشروعات جديدة حققت نجاحًا كبيرًا، وساهمت بتأمين الغذاء للعديد من الأُسر اليمنية.
في مدينة عدن جنوب اليمن، تمكّنت السيدة طليعة سالم من إنشاء مشروعها الاستثماري في سبتمبر/ أيلول 2020، من خلال إنشاء خدمة توصيل كاملة ومتكاملة في إيصال الخدمات إلى منازل المواطنين، من خلال إنشاء تطبيق إلكتروني على الإنترنت (تطبيق أبشر)، بالإضافة إلى أرقام تواصُل على الهاتف.
تقول طليعة سالم (37 عامًا) لـ”نون بوست”، إنه قبل أن تبدأ العمل على المشروع، وجدت أنه لا يوجد مشروع مماثل يخدم المرأة في المدينة، موضِّحة أن غالبية النساء غير قادرات على الخروج لشراء أبسط الاحتياجات، وذلك بسبب النزاعات وغياب الأمان، بالإضافة إلى أن بعض النساء يفضّلن عدم الخروج إلى الأسواق.
وأثبتت المرأة اليمنية حضورها من خلال إنشاء مشاريع استثمارية، تنوّعت بين الملابس النسائية وأدوات التجميل والبخور والحلويات وغيرها، بالإضافة إلى العمل في الزراعة التي تعدّ أهم المجالات التي تعمل فيها النساء، سواء كان بالاعتناء بالزرع خلال موسم هطول الأمطار أو تربية الأبقار والأغنام.
من الضروري أن تساهم المرأة في مختلف المجالات والأعمال اليدوية والحرفية لتأمين الغذاء في زمن الحرب.
ترى الإعلامية والناشطة المجتمعية أمة الرحمن العفوري، أن “الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 6 سنوات ضاعفت حجم التحديات لدى الكثير من النساء في اليمن، خصوصًا اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب”.
تضيف العفوري: “تلك التحديات جعلت المرأة اليمنية أكثر صلابة وقوة، وأكثر تحمُّلًا للمسؤولية، فهي ما زالت تواجه تغيُّرات الحياة بثبات وصمود مضاعف”.
وعن إسهامات المرأة اليمنية، تقول العفوري لـ”نون بوست”: “ساهمت المرأة بتأمين الغذاء والوقوف إلى جانب أسرتها، خصوصًا في المناطق الريفية، حيث تعمل غالبية النساء في المناطق الريفية في الزراعة وتربية الأغنام والمواشي، بينما عملت المرأة في المدينة على انتهاج حِرَف يدوية جديدة، وفتح مشاريع استثمارية في العديد من المحافظات”.
تنهي العفوري حديثها مشدِّدة على ضرورة استمرار المشاريع النسائية بمختلف المحافظات، حيث تركّزت في صنعاء وعدن وإب ومأرب، خصوصًا في ظل استمرار الحرب في البلاد، لافتة إلى أنه يجب أن تساهِم المرأة في مختلف المجالات والأعمال اليدوية والحرفية، لتأمين الغذاء في زمن الحرب.