مرّت 12 عامًا على إصدار فيلم “المراقبون”، الذي يثمّنه محبّو القصص المصوَّرة بالذهب، و8 أعوام على فيلم “سوبر مان: الرجل الفولاذي” الذي يعتبَر آخر أفلام شركة DC الجيدة. وبعدها تجرّع محبّو عالم القصص المصوَّرة لـ DC العديد من خيبات الأمل، بما خلّفته الشركة من أعمال فنية رديئة كان آخرها فيلم “المرأة المعجزة 1984” الذي أصدرته السنة الماضية، وقبلها نسخة عام 2017 من “فرقة العدالة”، وفيلم “الفرقة الانتحارية” عام 2016.
كلّ هذه التجارب السيّئة أعقبها حالة من الانزعاج وخفض توقعات جمهور شركة DC، خصوصًا مع استفحال سطوة شركة Marvel المنافِسة وتحقيق أرباح وتكوين قاعدة جماهيرية كبيرة من خلال أفلامها.
بعض مخرجي هذه الأعمال السيّئة المذكورة، يخرجون ليخبروا الجمهور بمدى التدخّل والتمادي الذي يعانونه من قِبل شركة Warner Bros، والتي كان آخرها التدخل المفرَط في نسخة فيلم “فرقة العدالة” لعام 2017.
دفع ذلك المخرج زاك سنايدر لكتابة بعض التغريدات والتصريح من خلالها، أن النسخة التي تعرَض ليست نسخته، إنما نسخة الشركة، وإنه غير راضٍ عنها، ويريد السماح لنسخته بالخروج، التي تخطّت الـ 4 ساعات، لترضخ الشركة بعد عدة شهور وتعطيه ميزانية جيدة لإكمال عمله، لتخرج نسخته في مارس/ آذار من العام الحالي، وتلاقي إعجابًا جماهيريًّا ونقديًّا هائلًا، يثبت نقطة زاك، ويرجّح كفّة المخرجين ضد المنتجين.
ربما يتخيل البعض أن هناك حربًا بين الكفتَين، طرف يريد أكبر قدر من الحريّة الإبداعية، وطرف آخر يبتغي أكبر قدر من الربح، ولكن دائمًا ما يحسَم الأمر لصالح الربح والمال.
فمثلًا من المستحيل أن توافق شركة على فيلم أبطال خارقين مدّته تقارب الـ 4 ساعات، ليس لأنه فيلم رديء، بل لأنه غير قابل للمشاهدة داخل السينما في الأساس، ولكن مع استفحال المنصات، ومناطحتها لدور العرض، ربما يفكّر المنتجون مرة أخرى في منطق إبداعي أكثر حرية وأقل تعنُّتًا.
بعض ممّا حدث في فيلم “الفرقة الانتحارية” يمكن تفسيره تحت بند الحرية الإبداعية، ربما لأن الفيلم في أصله فيلم أوغاد خارقين (Super Villains)، وإذا وضعت حدًّا لما يمكن أن يفعله البطل الشرير، فسينهار الفيلم من بدايته، فاقدًا الزخم والعنفوان اللذين يلازمان فكرة الشر، لأن فيلمًا مثل هذا قائم في متنه على مفاجأة المُشاهد بشيء أكثر جموحًا ممّا يقدمه الأبطال الأخيار.
كان اختيار المخرج جيمس غان لإخراج فيلم “الفرقة الانتحارية” الثاني، بعد أن أخرجَ فيلمَي “حرّاس المجرة”، وحقّق من خلالهما نجاحًا عظيمًا داخل عالم Marvel السينمائي، اختيارًا موفقًا، لأن فيلمَي “حرّاس المجرة” يتشابه مع فيلم “الفرقة الانتحارية” في نقطة البطولة الجماعية، فهو لا يعتمد على بطل واحد بشكل كلي، إنما تتوزّع البطولة على عدة أدوار، وهذا جعله المخرج المناسب، لأنه خاض تجربة مشابهة من قبل.
بيد أن التحدي الذي واجهه جيمس غان هو نقل الروح التي امتازت بها أفلام “حرّاس المجرة” إلى “الفرقة الانتحارية”، لكن بصبغة DC السوداوية.
إذا رجعنا بالزمن عامَين تقريبًا، سنجد أن فيلم “شازام” كان تقريبًا أول أفلام DC في عالمها الجديد الذي يحمل روحًا مرحة، ويبتعد بمسافة كبيرة عن السوداوية الثقيلة والظلامية المفرطة التي تمتاز بهما، كعالم أبطال غير مثالي يجعله يستهدف طبقة معيّنة من محبّي الكوميك، عكس عالم Marvel الذي يحاول جذب أكبر عدد من المتابعين عبر صنع أفلام تناسِب جميع الأعمار.
بعد أن فشل الفيلم الأول لـ”الفرقة الانتحارية”، كان على جيمس غان أن يصنع فيلمًا جديدًا، بمعنى أنه سيتجاهل تمامًا وجود فيلم سابق لفيلمه، ويبدأ من نقطة الصفر، بالاعتماد على أبطال جدد، وقصة جديدة، بالإضافة إلى طريقة سرد مختلفة.
وكان يجب عليه أن يبحث عن ثيمة تناسب عصابة الأشرار التي تدور حولهم القصة، ومن اللحظات الأولى تظهر ثيمة الفوضى، أي أن الفيلم يغلب عليه الهرج والمرج والضوضاء، وهذه الثيمة التي تجمع تقريبًا بين كل المشاهد، وتقريبًا كل الخطط التي تحدث بشكل خاطئ وتفشل، ولكن بشكلٍ ما، في نهاية الأمر، تعطي فاعلية إيجابية، إنما بشكل غير منظَّم.
تحت ثيمة الفوضى، تبدأ عدة موتيفات بالظهور، أكثرها وضوحًا العنف والدماء، أو ما يمكن تسميته بالـ Gory، وهذه الثيمة بالتحديد توضِّح التأثر بأفلام الرعب والعنف اليابانية التي تتميز بالعنف المفرط والدماء الغزيرة بما يُسمّى بالـ Ero guro، وهي موتيف معروف في اليابان منذ زمن.
ويذكّرنا الفيلم في الكثير من المواضع بأفلام مخرجين يابانيين رائعين، مثل شيون سونو وتاكشي ميكي، خصوصًا فيلم “إيتشي: القاتل”، الذي يستخدم الثيمات نفسها ويتلاعب بها للمتعة.
يوضّح المشهد الاستهلالي ذلك الموتيف، ويكسر تابوهات الأفلام الهوليوودية المثالية من اللحظة الأولى بقتل العصفور داخل السجن، ويعطي تلميحًا بأن الفيلم سيستخدم موتيف الدماء بكثرة، كأداة ملازمة لعصابة الشر منذ البداية، ليتحول الفيلم في بعض الأحيان إلى شيء مروّع، وهذا نتيجة لاستبقاء أكبر مساحة من الحرية الإبداعية للمخرج، وإعطائه الثقة الكاملة، حتى أنه بجانب العنف المفرط والدماء هناك مشاهد جنسية.
بالإضافة إلى وجود شخصية دموية من الدرجة الأولى، وهي شخصية King Shark (الممثل سيلفستر ستالون)، التي تظهر في الفيلم لكي تقطع الرؤوس وتبتلع البشر، ما أضاف جوًّا ساخرًا ومساحة كبيرة للكوميديا في الفيلم، مع خَفْت شخصية هارلي كوين (الممثلة مارغو روبي).
فوق هذا، الفيلم لا يخاف من الموت، نصف الوجوه التي ظهرت في هذا الفيلم قد فارقَت الحياة، وهذه نقطة ممتازة دفعت الفيلم للأمام في أكثر من موقف، فتقنية التضحية تلك تعطي ديناميكية في الحكي وتفتح عدة مسالك، وتحلّ الكثير من العقد.
يعتمد الفيلم على خط سردي فوضوي، أي أنه لا يعوِّل على خط سردي نمطي مرتَّب، يبدأ من البداية وينتهي عند المشهد الأخير، بل يلوي الصورة السردية في سبيل إمداد الحدث لأكبر قدر ممكن، ويحاول في ظل الفوضى التي تحدثها الشخصيات حول نفسها، أن يجعل من الأقاصيص الصغيرة شيئًا أكثر متعة قبل أن تتوحّد مع الخط السردي الرئيسي.
وينفَّذ هذا عبر إعطاء النتيجة في المشهد الأول، ثم الارتداد بالزمن لنفهم المقدمات التي أدت إلى هذه النتيجة، وهذا مناسب جدًّا في ظل فوضوية الفيلم التي لا تسمح بوجود خط سردي مرتَّب، لأنه سيجعل القصة أقل إثارة.
ربما يقع الفيلم في مفارقة سيتعرّفها محبّو شركة DC، وهي التخلي عن جزء كبير من ظلامية الشركة، في سبيل إعطاء نكهة كوميدية، ولمعات لونيّة مثيرة للعين تعطي انطباعًا جماليًّا جيدًا، ونتيجة لهذه النقطة ظهر الوحش Starfish في النهاية بألوان جميلة وهيئة غير مخيفة، بل محبَّبة للنفس.
ربما لم يبدُ الوحش وحشًا على الإطلاق إلا عندما بدأ بالتدمير وهدم العالم، حيث حاول جيمس غان أنسنة الوحش وإعطاءه روحًا ودافعًا للتدمير، وهذه نقطة جيدة، بيد أنه كان من الممكن رسم Starfish بهيئة مفزعة ومروعة أكثر من ذلك، حتى يتناسب مع كمية الدماء المسفوك.
ولكن بغضّ النظر عن هذه النقطة، نجحَ المخرج في الحفاظ على الرتم، ورفع النسق في الكثير من الأحيان، خصوصًا في محاولة لهدم الشخصية الأمريكية العالمية، والحلم الأمريكي العظيم، ما يظهر بوضوح داخل شخصية PeaceMaker (الممثل جون سينا)، بكمّ المتناقدات الهائلة التي يحملها، وكيف يفضّل أمان بلدته على الروح الأخلاقية النبيلة، التي يدّعي أنه يمتلكها، أو حتى حكومته التي تدّعي المثالية ليست إلا عصابة محتالة.
هذا الجزء من الفيلم كان جيدًا، ومعالجة مثل هذه الأفكار في أفلام الأبطال الخارقين شيء مهم للمساهمة في كشف وتعرية حكومات المجتمعات التي تدّعي المثالية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وإظهارها من الداخل ككائنات استغلالية، تتحيّن الفرصة للتربّص والقتل والاستفادة حتى من المجرمين أنفسهم.
في وسط الفيلم سنجد بعض التلميحات، أو ما يسمّيه عاشقو القصص المصوَّرة بالـ Easter Egg، والتي ربما يمكن استغلالها بعد ذلك في عالم DC، مثل العراك الذي لا نعرف عنه شيئًا، والذي دار في الماضي بين سوبرمان وBloodsport (الممثل أدريس ألبا)، وسُجنَ على إثره.
فيلم “الفرقة الانتحارية” هو فيلم من إخراج جيمس غان، ومن بطولة إدريس ألبا ومارغو روبي وجون سينا والممثل العملاق سيلفستر ستالون بدور King Shark، يعرَض الآن في دور العرض السينمائية وعلى منصة HBO التابعة لشركة الإنتاج Warner Bros.