تعدّ سياحة المؤتمرات، بشكل عام وبغض النظر عن المجال الذي يعقَد لأجله المعرض أو المؤتمر، عاملًا مهمًّا في إبراز قدرة أي دولة على تنظيم الأحداث الكبرى، وتقديم شبكةٍ معقّدة من خدمات الضيافة والتسويق والعلاقات العامة؛ بما يعود في النهاية على تلك الدولة بمكاسب كبيرة، على الأمداء القصيرة والبعيدة.
وفي صناعة السلاح على وجه خاص، تتبارى دول المنطقة في الحصول على حصة من سوق المعارض الدفاعية، بما في ذلك تركيا والإمارات وقطر والسعودية وباكستان، وقد بدأت عدة دول مؤخّرًا في المنافسة من بعيد، مثل مصر.
تنظِّم تركيا عددًا كبيرًا من المعارض الدفاعية متباينة الأحجام بصورة مستمرة، وهو ما قد تشاهده في أوقات كثيرة من العام، بعضها يتميز بالطابع الشبابي الريادي ويركز على المساحة بين الاستثمار في التكنولوجيا وتطبيقاتها في مجال الصناعات العسكرية، وبالأخص التقنيات الجديدة، مثل استخدامات الليزر والذكاء الصناعي في ميادين القتال.
غير أن أبرز المعارض الدفاعية التي تنظِّمها الدولة التركية على الإطلاق، هو معرض IDEF، والذي نخصِّص له مساحة هذه المادة بالكامل، لنصطحبَ قارئ “نون بوست” في جولةٍ افتراضية داخل المعرض، مستعينين بآراء وإسهامات عدد من الخبراء الذين تحدثوا معنا بخصوص هذا الحدث الهام.
نبذة عن المعرض
تولي الدولة التركية لهذا المعرض، الذي يطلق عليه أيضًا “معرض الأسلحة والصناعات الدولية”، اهتمامًا كبيرًا للغاية، قبل أن تصبح تركيا واحدة من أبرز مصنّعي السلاح في العالم مع تدشين المعرض عام 1993، وقد زادت أهميته مع نهضة تركيا مؤخّرًا في مجال الدفاعيّات.
يمكن تبيُّن قيمة المعرض لدى الدولة التركية من خلال تتبّع مسار الجهات المسؤولة عن هذا الحدث؛ فالتنظيم يقع على عاتق مؤسسة “وقف دعم الجيش التركي”، وبإشراف وزارة الدفاع، ورعاية رئاسة الجمهورية، ومشاركة رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، وكلّ الهيئات التي لها علاقة بالمجال الأمني في تركيا تقريبًا.
حظيت النسخة السابقة من المعرض على اهتمام دولي ضخم وحضور أكثر من 75 ألف زائر وتغطية قرابة 400 صحفي من 26 دولة مختلفة.
يُقام المعرض الذي ينظَّم مرةً كل عامَين، ويعدّ واحدًا من المعارض الأربعة الكبرى عالميًّا من حيث حجم المشاركة المؤسسية، في إسطنبول، على مساحة 38 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 500 شركة محلية ونحو 700 شركة دولية، وحضور ما يصل إلى 90 قائدًا عسكريًّا رفيع المستوى من دول العالم إلى هذا المعرض الذي يستمر 4 أيام، بدايةً من 17 أغسطس/ آب الحالي.
حظيت النسخة السابقة من المعرض على اهتمام دولي ضخم، وحضور أكثر من 75 ألف زائر وتغطية قرابة 400 صحفي من 26 دولة مختلفة، وعلى ضوء ذلك ومعطيات أخرى مثل نية تركيا وحلفائها الكشف عن منتجات عسكرية جديدة، إلى جانب استحداث أنشطة علمية مثيرة؛ فإنه من المتوقّع أن تشهد هذه النسخة زخمًا دوليًّا مضاعفًا.
أبرز المنتجات
سيستمرّ الكشف عن جديد الشركات العسكرية المشارِكة في المعرض طيلة مدة التنظيم، إلا أنه، ومع ذلك، فقد رفعت عدد من الشركات التركية، والأجنبية، النقاب بالفعل عن عدد من منتجاتها العسكرية خلال اليومَين الأول والثاني من المعرض.
وفقًا لما شاهدناه؛ فإنّ هذه المنتجات الجديدة تتميز بالتكامُل، سواء من جهة ارتباطها بالأسلحة الرئيسية في الهيكل العسكري للجيوش، أو في إمكان تصنيع أبرز مكوناتها داخل المصانع التركية، على نحو ما سنرى بالتفصيل، بالإضافة إلى مواكبتها أحدث ما وصلت إليه الصناعات العسكرية على مستوى العالم.
على سبيل المثال، سنجد أن شركةً تركية، وهي Meteksan، كشفت عن منظومة دفاع جوي نوعية، وهي أحد المجالات التي كانت تعاني منها تركيا بشدة، مخصَّصة للتعامل مع أدوات الحروب غير المتماثلة، والتي تمثّل تحديًا لكلّ دول العالم في الوقت الحالي، كالطائرات المسيّرة والصواريخ الجوالة.
تعمل المنظومة الجديدة، والتي حملت اسم NAZAR، على صدّ الأهداف الجوية من الصواريخ والمسيّرات، سواء تلك الأهداف الموجَّهة بالأشعة تحت الحمراء أم بأنظمة التوجيه الكهروبصريّ، وذلك باستخدام الليزر بالكامل بدايةً من تحديد الهدف إلى تدميره.
ومن المقرر أن تنتج منها الشركة التركية نسختَين، إحداهما برّية من المقرر أن يبدأ إنتاجها الكمي نهاية العام، والأخرى بحرية تعمل على السفن وما زالت قيد التطوير.
في مجال الذخائر الذي توليه تركيا اهتمامًا لا يقلّ عن ذلك الاهتمام الموجّه إلى أدوات الإطلاق، كشفت شركة Rokestan عن النسخة البرّية (تستهدف أهدافًا أرضية) من صاروخها البحريّ Atamca.
يمكن إطلاق النسخة البرّية من منصاتٍ أرضية (أرض أرض) أو منصات بحرية (بحر أرض)، ويصل مداها إلى مشارف ما تسمح به الاتفاقيات الدولية من أمداء (280 كيلومترًا)، وتعمل بباحثٍ حراري من أجل استهداف العدائيات الثابتة والمتحركة.
وفي الصناعات البحرية التي توليها تركيا أولويةً كبيرة بسبب التنافس الإقليمي على الثروات، وقيمتها التصديرية، فقد أزاحت شركة ASFAT التركية الستار عن إحدى سفن الدورية المصنّعة محليًّا، والتي يفترض أن تسدّ احتياجًا كبيرًا لدى البحرية التركية عند تسليمها بعد عامَين.
من أصغر قطعة إلى أهم تسليح، سنجد أنّ هذه السفينة تعدّ درة الصناعات البحرية التركية في تخصُّصها؛ فالسفينة مزوَّدة بمدفع 76 مم من إنتاج شركة MEKEK المحلية، وقاذفٍ ثنائي تُطلق إحدى فتحاته صاروخ L_UMTAS وتطلق الفوهة الأخرى صاروخ CIRIT، وكلاهما من إنتاج Rokestan.
تقول مسؤولة قسم التسويق العسكري في المعرض ياسمين كابتان، إن هذه النسخة ستشهد لقاءات مهمة وتبادل معلومات بين الوفود ستُبنى على أساسها الاتفاقيات المستقبلية.
بالإضافة إلى خلايا إطلاق عمودي 2×4 ± Hisar من إنتاج Rokestan أيضًا، ومدفعي Stamp 30 من أصيلسان، إلى جانب 8 صواريخ مضادة للسفن من طراز Atamca، النسخة البحرية التي أشرنا إليها من قبل، مع إمكانية حمل مروحية بحرية وطائرة مسيّرة والبقاء في البحر 21 يومًا متواصلة.
ثمرات الإعداد العسكري
تقول مسؤولة قسم التسويق العسكري في المعرض ياسمين كابتان، إن هذه النسخة ستشهد لقاءات مهمة وتبادل معلومات بين الوفود ستُبنى على أساسها الاتفاقيات المستقبلية، إلى جانب توقيع بعض الاتفاقيات في هذه النسخة، سيكون للشركات التركية نصيب غير بسيط منها.
قبل ساعاتٍ من تدشين هذه النسخة من المعرض، كانت تركيا تجني إحدى ثمرات العمل الصناعي والتسويقي لمنتجاتها الدفاعية، فقد حضرَ الرئيس رجب أردوغان رفقة الرئيس الباكستاني عارف علوي، مراسم إنزال إحدى القطع البحرية التي تصنعها تركيا خصيصًا لباكستان. وفقًا للرئيس التركي، فإن الأساس الذي يبنى عليه هذه التعاون العسكري المشترَك بين تركيا وباكستان، هو إيمان بلاده بضرورة “مشاركة إمكاناتها كلما عظمت وتفوقت مع أصدقائها وأشقائها، والتي تعدّ إسلام آباد واحدةً منهم”.
وقد أُبرمت هذه الصفقة، التي يجري متابعتها حاليًّا على مستوى رئيسَي البلدَين، قبل 3 أعوام، وركّزت بشكل رئيسي على سلاح البحرية، وبالأخص تلك القطع التي تصنَّف تحت مسمى “كورفيت”، مع الاتفاق على نقل التكنولوجيا، بحيث تُصنع قطعتان في تركيا وقطعتان في باكستان، ضمن إطار زمني للتسليم ينتهي عام 2025.
ويشمل التعاون العسكري بين أنقرة وإسلام آباد اللتين يجمعهما تحالف سياسي وعسكري كبير، ومشترَك جغرافي وعرقي، ورغبة في تمثيل المسلمين والأقليات في تلك المنطقة من العالم؛ تعاونًا في مجال القوات الجوية، إلى حدّ عمل تركيا على تطوير مقاتلات إف-16 الباكستانية وتصدير المروحيات التركية من طراز “أتاك”، إلى جانب التعاون البحري والتدريبي.
المزيد من المنتجات المميزة
أحد أبرز المدوِّنين الجزائريين، يعمل في شركة تقنية تركية على صلة بقطاع الصناعات الدفاعية التركية (فضّل عدم ذكر اسمه)، قال لـ “نون بوست” إن هناك عددًا لا يمكن حصره من المنتجات المبهرة ذات التكنولوجيا المتطوِّرة ظهرت في هذا المعرض، إلا أن هناك 4 منتجات نوعية يجب تسليط الضوء عليها، مقارنة بغيرها.
على رأس هذه المنتجات، وفقًا للتقني الجزائري، ما كشفت عنه شركة Rokestan من قنابل ذكية (جوّ أرض) من طراز MAM-T، وهي تطوير لذخائر MAM-C/ MAM-L التي استخدمها سلاح الجو التركي وحلفاؤه في سوريا وليبيا وأذربيجان، وذلك بعد تزويدها بـ”جُنيّحات” قابلة للطيّ، بحيث يتجاوز مداها 30 كيلومترًا.
الشركة نفسها كشفت أيضًا عن منظومة نوعية، كما يقول التقني الجزائري، في مجال الدفاع الجوي عن القطع البحرية، وهي المنظومة Levent المزوَّدة بـ 21 خلية إطلاق صاروخ موجّه بالأشعة تحت الحمراء من طراز Sungur، والتي كانت صواريخ دفاع جوي تقليدية قبل تطويرها.
يمكن تغيير نظام توجيه الصاروخ من خلال وحدات Modular، بحيث يمكنه العمل بالجي بي إس أو بالليزر أو بباحثٍ راداري أو حراري.
في مجال المسيّرات، سلّط التقنيُّ المخضرم في حواره معنا الضوء على ما كشفته شركة STM التركية، التي أزاحت الستار عن نسخة جديدة من الدرون الانتحاري Kargu، وقد زوُّدت هذه النسخة بتقنياتٍ تجعلها مخصّصةً لاستهداف أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية والتشويش، لا سيما أن هذا النوع من المسيّرات يمكنه العمل دون تدخل بشري، وإغراق الأهداف المعادية بـ”أسراب” انتحارية.
من ضمن ما أثنى عليه الخبير المتخصِّص، كان الصاروخ الجوال الجديد الذي حملَ اسم Kuzgun، وهو من تطوير مؤسسة TÜBITAK، والذي يعمل بمحرِّك نفاث، ويتراوح مداه بين 100 كيلومتر في أقلّ تقدير إلى نحو 245 كيلومترًا في الأمداء القصوى.
سبب الثناء على هذه التحفة هو “المرونة” التي تتمتع بها؛ إذ يمكن تغيير نظام توجيه الصاروخ من خلال وحدات Modular، بحيث يمكنه العمل بالجي بي إس أو بالليزر أو بباحثٍ راداري أو حراري، وفقًا لاحتياجات الميدان، كما يمكن تغيير نوع الرأس الحربي أيضًا بين المتشظّي والخارق ورأس الوقود الجوي حسبما يقدِّر الفنيون، وبالاستطاعة تحميله على طائرات مقاتلة متطوِّرة أو طائرات مسيّرة على حدّ سواء.
المشاريع المستقبلية
قبل ساعات من المعرض، أدلى الرئيس التركي رجب أردوغان بتصريحاتٍ مهمة عن الرؤية العامة لمستقبل الصناعات الدفاعية التركية، قال فيها إن بلاده بعد أن نجحت في تخفيض اعتمادها على الخارج في هذا المجال إلى ما دون الـ 20%، فإنها تخطِّط لأن تكون ضمن “الكبار” مع إتمام بعض المشاريع في غضون 4 إلى 5 أعوام.
ولولا هذا التقدُّم الأخير في مجال الصناعات الدفاعية، لما استطاعت تركيا أن تحقق النجاحات والمواقف القوية التي أظهرتها في ميادين شتى، مثل سوريا وليبيا وأذربيجان، خلال الأعوام الستة الأخيرة.
من ضمن تلك المشاريع النوعية التي يعوِّل عليها الرئيس التركي، كما أشار في تصريحاته، خطة توريد 10 سفن جديدة إلى القوات البحرية، من تلك التي بمقدورها الإبحار 3 أسابيع متّصلة وحمل مسيّرة ومروحية في الوقت نفسه، على أن يتم تسليم أول سفينة في غضون أقل من عامَين، بحلول مايو/ أيار 2023 على وجه التحديد.
بالعودة إلى المعرض، سنجدُ أنه كان يعجّ أيضًا بالأسلحة التقليدية على غرار العربات المدرَّعة مختلفة الأحجام، مدولبة ومجنزرة، والكثير من المحركات النفاثة محلية الصنع التي تستخدَم في الصواريخ الجوالة والمسيّرات المسلحة صغيرة الحجم، بالإضافة إلى عدد كبير من محركات الديزل المخصَّصة للعربات المدرعة بمختلف أحجامها.
أحد التفسيرات التي يقدمها التقني الجزائري لهذه الطفرة الكبيرة في هذا المجال، هو “جوّ المنافسة الشديد الذي يجعل الشركات التركية تجتهد في تقديم أفكار وتطبيقات عملية بشكل متسارع، لتعالجَ نقاط الضعف الموجودة لدى المؤسسة العسكرية التركية بحلول وطنية، تُغني عن الاستيراد وكلفته المادية والسياسية”.